الوقت - يبدو ان تركيا لم تعد تستطيع اخفاء مخاوفها من التسليح الامريكي لقوات سوريا الديمقراطية الكردية، بعد ان وجدت الا جدوى من وعود امريكا لعدم اقترانها بالافعال، فبعد مطالبة انقرة لواشنطن بضمانات تؤكد عدم تشكيل الاكراد السوريين خطراً على تركيا، اعلنت امريكا أنها سوف تسحب اسلحتها من قوات سوريا الديمقراطية، بعد تحرير الرقة من تنظيم داعش الارهابي، بل وذهبت واشنطن الى ابعد من ذلك لطمأنة الجانب التركي، حيث اكدت واشنطن عدم رغبتها في تأسيس فيدرالية كردية في سوريا على غرار كردستان العراق، الا ان المعطيات على الارض لا تدل على ذلك.
وزير الدفاع التركى فكرى اشيق، اعرب عن رغبة الحكومة التركية في وضع آلية عمل مشتركة مع امريكا بشأن استرداد الأسلحة التي أرسلتها واشنطن إلى قوات سوريا الديمقراطية، عقب هزيمة تنظيم داعش في الرقة، واوضح اشيق انه يحضّر لمناقشة مسألة الآلية المشتركة مع نظيره الأمريكي جيمس ماتيس في 28 يونيو الجاري على هامش اجتماع حلف شمال الأطلسي "الناتو" في العاصمة البلجيكية بروكسل، وتابع اشيق أنه سيبحث مسألة عدد الأسلحة المسلّمة الى قوات سوريا الديمقراطية، بسبب وجود فارق كبير بين الارقام التي قدمتها امريكا الى تركيا والارقام التي ذُكرت في الصحف ووسائل الاعلام.
ومن جانبها ردت واشنطن بإيجابية على طلب حليفها التركي، وحاولت طمأنة انقرة بحسب ما افاد ماتيس، حيث جاء في رده على طلب اشيق، ان امريكا تاخذ بعين الاعتبار المخاوف التي تواجهها تركيا فيما يتعلق بوحدات حماية الشعب الكردي، والتي تشكل أغلبية قوات سوريا الديمقراطية. وتعتبر تركيا ان وحدات حماية الشعب الكردي امتداد لحزب العمال الكردستاني.
انقرة القلقة من ازدواجية المعايير في السياسة الامريكية بشأن تسليح الاكراد في سوريا والاوضاع في المنطقة، سوف تسعى قدر الامكان الى التوصل لاتفاق مكتوب مع امريكا يضمن التزام واشنطن بوعودها تجاه انقرة، خاصة بعد ان تعلمت تركيا درساً من امريكا مفاده ان واشنطن لاتحترم وعودها وانما تحترم مصالحها فقط، بعد ان نكثت واشنطن عهدها امام انقرة بشأن انسحاب قوات سوريا الديمقراطية من مدينة منبج السورية، بعد تحريرها من تنظيم داعش.
بدوره نفى المتحدث باسم وحدات حماية الشعب الكردي نوري محمود الانباء حول نية امريكا استرداد الاسلحة التي سلمتها للوحدات الكردية بعد انتهاء الحرب مع داعش، ما يؤكد ان امريكا ماضية في مخططاتها بالمنطقة مستغلة حلفائها عبر اطلاق الوعود التي يطيب لهم سماعها من قبل امريكا مما ينذر بخيبات امل الحلفاء تجاه امريكا.
واشنطن بعد ان قدمت الى انقرة قائمة بالأسلحة التي سلمتها الى قوات سوريا الديمقراطية في محاولة لتخفيض حدة التوتر بين الطرفين، ادعت ايضاً انها ستبلغ تركيا بشكل منتظم بالاسلحة التي سوف تسلمها للاكراد وسوف تسترد الاسلحة منهم وفق القوائم بعد تحرير الرقة، فيما تشير المعلومات الى عكس ذلك، حيث اكد الجانب التركي على ان قائمة الاسلحة التي وصلت الى انقرة تختلف عما هو على ارض الواقع.
دعم امريكا لقوات سوريا الديمقراطية بهذه الكميات الكبيرة من الاسلحة يدل على عدم رغبة واشنطن بنزع سلاحها من الاكراد في المستقبل، وانما تسعى الى المماطلة لكسب مزيد من الوقت وارضاء حلفائها في المنطقة لتحقيق مكاسبها في الشرق الاوسط. ويشير مراقبون الى ان امريكا تسعى الى ايجاد حليف جديد لها في سوريا يخدم مصالحها وتطلعاتها، وان هذا الحليف يجب ان يتمتع بالقوة بما يكفي ليتمكن من حماية نفسه ومصالح امريكا في المنطقة، ولولا ذلك لكانت امريكا استعانت بحليفها التركي الذي ينشر قواته في سوريا تحت عنوان "عملية درع الفرات"، فهو من القوة بما يكفي لمحاربة داعش في الرقة، الا ان المخطط الامريكي قد يمتد الى ابعد من ذلك، فبحسب مراقبين فان امريكا تسعى الى تأسيس نواة الدولة الكردية الكبرى التي يطمح اليها الاكراد، والتي سوف تقتطع اجزاء من شمال شرق العراق وشمال غرب ايران وشمال شرق سوريا وجنوب شرق تركيا، وبذلك تكون امريكا قد حصلت على حليف جديد قوي يرعى مصالحها في المنطقة.
تباين مواقف الادارة الامريكية وازدواجية معاييرها في تعاطيها مع الاحداث في المنطقة، يتوضح يوماً بعد يوم لدى حلفائها، فتركيا في الاونة الاخيرة ايقنت ان امريكا تتلاعب بها وتسعى الى ارضائها بالاقوال دون افعال تُذكر على الارض، لذلك بدأت تركيا تصب اهتماماتها على عدم الاكتفاء بالاقوال والمواقف وانما السعي الى ايجاد اتفاقية مكتوبة تجبر امريكا على الرضوخ والالتزام بتعهداتها امام حلفائها في المنطقة.