الوقت- بعد مرحلة استمرت لسنوات من التأزيم والاختلاف الذي طبع الساحة اللبنانية الداخلية، وبعد مخاض طويل من نقاشات خلطت حابل العلاقات الداخلية للأحزاب والقوى بنابلها تمكن اللبنانيون البارحة من تحقيق خطوة مهمة جدا في مسير بناء الدولة التي يطمح إليها الجميع عبر إقرار قانون للانتخابات النيابية يعتمد النسبية، قانون وصفه الكثيرون بالمغامرة التي ستنقل البلاد إلى مرحلة أفضل.
إذا تمكنت القوى اللبنانية من طي صفحة قوانين الانتخاب الأكثرية إلى غير رجعة بعد عقود على قوانين انتخابية أكثرية أتت جميعها تحت وطأة تأثير وتسويق خارجي، ليكون أول قانون انتخابي أتى بإرادة لبنانية قانونا يعتمد النسبية، في خطوة جريئة لكسر الواقع السياسي القائم من هيمنة القوى الطائفية الأساسية على قرارات طوائفها.
الرابح الأول من هذه الخطوة هو لبنان الدولة والمؤسسات، فإقرار القانون الجديد إضافة إلى إقرارالتمديد التقني للمجلس النيابي حال دون الوقوع في شر الفراغ الذي كان قاب قوسين، فلو أن ولاية المجلس النيابي الحالي والتي تنتهي خلال أيام مرت دون هذا الإنجاز لدخل لبنان نفقا مظلما كان من الصعب الخروج منه إلا بمعجزة أو تدخل ورعاية خارجية كما كان الحال دوما في البلاد. كما أن هذا الإنجاز جنب لبنان قوانين أكثرية ظالمة كانت معتمدة منذ ما يقارب القرن من الزمن.
أما عن القانون الذي أقر البارحة في جلسة مجلس الوزراء التي عقدت في القصر الجمهوري برئاسة الرئيس اللبناني ميشال عون، فيعتمد النسبية معيارا لفرز نتائج الانتخابات مقسما لبنان إلى 15 دائرة انتخابية، مع اعتماد الصوت التفضيلي على مستوى القضاء. وعن الصوت التفضيلي فهو الحق للناخب بترتيب مرشحيه في اللائحة حسب ما يجده مناسبا، هذا الأمر يؤمن إمكانية ترتيب المرشحين حسب الأولوية الشعبية الانتخابية كما أنه يساعد على صعود مرشحين منفردين أو من لوائح ضعيفة.
هذه وإضافة إلى إقرار القانون الانتخابي أقر أيضا مجلس الوزراء مشروع التمديد التقني لمجلس النواب الحالي الذي ينتهي التمديد السابق له خلال أيام أي في الـ20 من حزيران يونيو الحالي. ومن المفترض أن يتم التمديد للمجلس الحالي لمدة 11 شهرا في فرصة لوزارة الداخلية لترتيب إجراء الانتخابات وتأمين سلامتها وأمنها. ومن المفترض أن تجري الانتخابات القادمة وفق القانون الجديد في السادس من أيار مايو من العام القادم.
إقرار هذا القانون وضمن الصيغة التي أتى بها أكد للبنانيين أنفسهم قبل غيرهم أنهم قادرون على تجاوز مشاكلهم الداخلية، وحل خلافاتهم مهما كانت كبيرة عبر الحوار الداخلي المباشر. حيث أن مجريات الأمور وإلى بضع سنوات خلت كانت لا تجري مجراها إلى تدخلات خارجية من قوى إقليمية ودولية مؤثرة على الداخل اللبناني. ومن هنا فعلى اللبنانيين أن يشكروا الله على الفرصة التي أتيحت لهم ليقرروا بأنفسهم، فالقوى الكبرى والإقليمية مشغولة بملفاتها الخاصة وبمعضلات أكبر من الملف اللبناني وهذا الأمر كان فرصة استطاع قادة البلاد استغلالها لتحقيق إرادتهم الذاتية، على أمل الاستثمار الصحيح لهذه الإرادة في المستقبل.
النخب الوطنية كان لها التأثير الكبير على القرار الذي اتخذ البارحة، فقد كان واضحا خلال الفترة الماضية مدى الحراك الشعبي المدني لهذه القوى من خارج مؤسسات الدولة للضغط على أصحاب القرار السياسي، وبالفعل هذا الحراك كان مساعدا في تأمين الظروف الشعبية للخروج من أنظمة انتخابية غير مجدية وتزيد في التقسيم الطائفي للبلد. ومن المتوقع لهذه القوى والنخب الوطنية أن تتمكن خلال الانتخابات النيابية القادمة من تحقيق تمثيل جيد وتكوين مجموعة ضغط فاعلة داخل المجلس النيابي الجديد.
طبعا القوى السياسية أيضا لعبت دورا أساسيا في الضغط باتجاه هذا القانون. فالتيار الوطني الحر وتيار المستقبل وحركة أمل وحزب الله جميعهم كانوا شركاء في هذه الخطوة التي وصفها بعضهم بأنها جريئة كونها ستدخل إلى البرلمان أطراف كانت لا تتمثل بسبب النظام الأكثري. إذا هي خطوة وكما عبر عنها رئيس مجلس النواب نبيه بري بأنها أفضل المستطاع والقانون ينقل البلد إلى ما هو جديد ويعطي الأمل للبنانيين للتأسيس لبناء مرحلة جديدة يكون فيها خير ومصلحة اللبنانيين جميعا.
بعد هذه الخطوة يتأكد يوما بعد يوم أن مقولة لبنان قوي بوحدته وقوته هي صحيحة وحتمية. فوحدة اللبنانيين وقرارهم بتغيير الواقع الموجود هو الذي أوصلهم إلى هذه النتيجة نهاية الأمر. نعم قد لا يكون القانون الانتخابي الذي أقر هو الأفضل تقنيا، ولكن تنازل القوى السياسية المختلفة لبعضها البعض من أجل الوصول إلى قانون عادل يرضي الجميع هو أمر جيد ومؤشر على أن الطبقة السياسية الحاكمة باتت تسمع نبض الشارع الذي تعب من الخلافات الطائفية الغير مجدية والتشرذم المذهبي الذي يتآكل مقدرات شعب وبلد ضارب في التاريخ.