الوقت- في ظلّ انشغال الشارع العربي بالأزمة الخليجيّة بين قطر والسعودية، تحدّثت صحيفة "هآرتس" الإسرائيلية عن لقاء سرّي جمع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو وزعيم المعارضة اسحق هرتسوغ مع الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي في القاهرة، وذلك في إطار جهود السلام في المنطقة.
فما الذي حصل في هذا اللقاء؟ ماهي أهدافه؟ وما هي الأبعاد والدلالات للقاء السيسي-نتنياهو-هرتسوغ؟
اللقاء السرّي
هآرتس وفي إطار استعراضها لمجريات اللقاء السري، أوضحت أنّه قد تمّ خلال زيارة خاطفة بعد اتصالات نظمتها جهات دولية وإقليمية. وتوضح الصحيفة، دون أن تكشف عن مصادرها، أنّ اللقاء تمّ في القاهرة في نيسان/ أبريل من العام الماضي، وذلك في أوج الجهود الدولية لدفع مبادرة سلام إقليمية، وأن اللقاء مع السيسي في القاهرة مرده الرغبة بضم كتلة "المعسكر الصهيوني" بقيادة هرتسوغ، إلى حكومة نتنياهو تمهيدا لاتفاق إقليمي.
كذلك، تحدّثت الصحيفة عن لقاء سرّي آخر تمّ في العقبة جمع السيسي ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو والملك الأردني عبد الله الثاني ووزير الخارجية الأمريكي السابق جون كيري.
نتائج اللقاء
ربّما أفضى اللقاء إلى نتائج سريّة، كطابع اللقاء، إلا أنّه لم يقدّم ولم يؤخر في مبادرة السلام. ربّما حقّق نتنياهو هدفه في العمل على تسوية القضية ضمن إطار إقليمي، وبعيداً عن الرباعية الدوليّة، هذا الأمر لم يكن ليحصل من قبل رئيس الوزراء الإسرائيلي لو أنّهلم يلمس قدرة مناورة أكبر مع الجانب العربي، المصري الأردني ودولاً أخرى، عن نظيره العربي. هناك إصرار إسرائيلي، ارتفع منسوبه في ظل إدارة ترامب، على حلّ المسألة ضمن إطار ثنائي اسرائيلي-فلسطيني، وفي أحسن الأحوال في إطار إقليمي!
ولكن حتّى لو كان هذا الأمر لم يحصل في حقبة أوباما ووزير خارجيته كيري، ما يحصل اليوم في حقبة ترامب هو أفضل بكثير للجانب الإسرائيلي الذي تزوره اليوم سفيرة أمريكا لدى الأمم المتحدة نيكي هايلي التي ادّعت أن زمن بلطجة الأمم المتحدة على "اسرائيل" قد انتهى، وكأن الجانب الإسرائيلي هو من يطبّق القرارات الأممية، حتى تلك المنحازة إلى جانبه!
لا يبدو أنّ لهذا اللقاء نتائج تذكر، ولا ندري حقيقة إذا كان ذات أبعاد إقليمية أم أنّه يهدف لتحقيق مصالح داخليّة لا أكثر. أي أن نتنياهو نجح في خداع ادارة أوباما ووزير خارجيته جون كيري، وكذلك الرئيس السيسي والملك عبدالله الثاني.
المصادر الإسرائيلية تحدّثت عن مناورات سياسيّة داخليّة لنتنياهو على حساب السيسي. أي أن نتنياهو لم يكن أساساً مقتنعاً بالمبادرة إنّما عمد إلى هذه الخطوة في إطار سياسته الداخلية لضم حزب المعسكر الصهيوني إلى الائتلاف الحاكم، إلاّ أنّه هذه المحاولة قد فشلت بعد نجاحه في ضمّ حزب يميني آخر للحكومة، هو "يسرائيل بيتينو" في نهاية أيار/ مايو العام الماضي، وتعيين رئيسه ليبرمان وزيرا للأمن.
وإن صحّ هذا الأمر، وهو ليس ببعيد، فإنه قمة الاستهزاء الإسرائيلي بالجانب المصري، وتحديداً بالرئيس السيسي الذي كان بمثابة الدميّة التي يستخدمها نينياهو لتصفية حساباته الداخلية.
ربّما خلد إلى ذهن الرئيس المصري وهو على كرسي العرش ينظر إلى نتنياهو وهرتسوغ أهميّة موقفه في مبادرة السلام، وربّما ما هو أبعد من ذلك، مخاطباً نفسه: "هذا ما دفع بنتنياهو لاصطحاب رئيس المعارضة اليساري معه للحصول على دعمه"، إلا أنّه لم يكن يعلم أنّه قد تعرّض للخديعة الكبرى، وأن نتنياهو خدعه وهرتسوغ على حدّ سواء.
ما يعزّز هذه الرؤية هو القرار الإسرائيلي السابق قبل شهر ونيّف، والمتمثّل بإغلاق السفارة المصرية وسط غموض سياسي غير مسبوق، خاصّة أن الخروج الإسرائيلي جاء في ظل محاولات إسرائيلية حثيثة للتأقلم كثر من أيّ وقت مضى التأقلم مع البيئة العربيّة، فهل أدرك السيسي لعبة نتنياهو فعمد إلى إجراء من تحت الستار للرد على الأخير؟ أم أن الجانب الإسرائيلي استبق أي خطوة مصرية عبرإغلاق السفارة تحت ذريعة المطالب الأمنيّة التي لم تلبّها القاهرة؟
ربّما هناك جانب إيجابي واحد في هذا اللقاء، بالطبع لا يتعلّق بنتنباهو وصاحبه، ولا حتّى بالسيسي، بل بسريّة اللقاء. أي أن الجانب المصري يعي جيّداً خطورة هذا الأمر على الداخل، الأمر الذي يؤكد أن الشعوب العربية لا زالت تعتبر الكيان الإسرائيلي العدو الأبرز لها، بخلاف ما تحاول بعض وسائل الإعلام الإشارة.
ربّما تكون عملية التقارب المصري مع حركة حماس إحدى هذه الأسباب، وربّما القيادة الجديدة للحركة في قطاع غزّة بزعامة يحيى السنوار الذي زار مصر، أو الاثنان معا. نقول للسيسي أنّ دخوله في تصفية القضيّة الفلسطينية، لا يقلّ خطورة عن تنازله عن جزيرتي تيران وصنافير، بإمكان أنّ يكرّس نفسه زعيماً عربياً عبر تصويب البوصلة كما فعل الرئيس عبد الناصر وبإمكانه العكس.
وأمّا عن عملية السلام، فالوضع العربي في أسوء أحواله، والإدارة الأمريكية الجديدة الأكثر دعماً للكيان الإسرائيلي، فهل سنكون أمام مؤتمر تسوية إقليمي برعاية ترامب، لو أن الإجابة موكلة لبعض، أشدّد على كلمة بعض، الزعماء العرب لكانت نعم، وليس على حدود العام 1967 بل حتّى على حدود مستوطنات العام 2017، ولكن إذا أوكلت الإجابة إلى كل، أشدّد على كلمة كلّ، الشعوب العربية لكانت كلّا، وليس على حدود العام 1967، ولا حتّى على حدود العام 1948!