الوقت - طوّر باحثون أطلسًا جديدًا للدماغ البشري مدعوم بالذكاء الاصطناعي يُعرف باسم NextBrain، يُمكّن العلماء من رؤية تفاصيل الدماغ بطريقة غير مسبوقة؛ إذ يُمكنهم من الوصول إلى مئات المناطق الصغيرة التي كانت غير مرئية سابقًا في صور الرنين المغناطيسي (MRI).
ويُعدّ الأطلس الدماغي نموذجًا تفاعليًا ثلاثي الأبعاد أو مجموعة من الرسوم البيانية التي ترسم خرائط مفصلة للدماغ، وقد أُنشئ أطلس NextBrain بالاعتماد على 10 آلاف شريحة مجهرية مستخلصة من أدمغة بشرية بعد الوفاة، وبمساعدة الذكاء الاصطناعي الذي أتاح رسمًا دقيقًا لـ 333 منطقة دماغية ضمن خريطة ثلاثية الأبعاد.
وعند اختبار هذا الأطلس على آلاف من صور الرنين المغناطيسي، أظهر قدرة فائقة على تحديد البُنى الدماغية الدقيقة بسرعة ودقة، متفوقًا على الأدوات التقليدية. ومن المُتوقع أن يساهم هذا الأطلس في تسريع الأبحاث العلمية المتعلقة بالشيخوخة، والأمراض العصبية التنكسية، وتطور الدماغ؛ مما يمهّد الطريق نحو تشخيص مبكر عالي الدقة، وتطوير علاجات جديدة.
ما هو NextBrain وما استخداماته؟
يتكوّن الدماغ البشري من مئات المناطق المترابطة التي تتحكم في أفكارنا وعواطفنا وسلوكياتنا. وتستطيع الخرائط الدماغية التقليدية تحديد البُنى الكبرى في صور الرنين المغناطيسي، مثل قرن آمون (hippocampus) المسؤول عن الذاكرة والتعلّم، لكن الأجزاء الدقيقة داخله غالبًا ما يصعب تمييزها.
ويُعدّ التمييز بين الأجزاء الدقيقة أمرًا مهمًا؛ لأن هذه الأجزاء تتأثر بطرق مختلفة في أثناء تطوّر الأمراض العصبية مثل الزهايمر. ومع أنه يمكن فحص التفاصيل الدقيقة للدماغ باستخدام المجهر، فإن هذه الطريقة لا يمكن تطبيقها على الأشخاص الأحياء؛ مما يحدّ من فهمنا لكيفية تغيّر الدماغ خلال النمو والشيخوخة والمرض.
ولحل هذه المشكلة، طوّر باحثون من كلية لندن الجامعية (UCL) أطلسًا دماغيًا جديدًا مدعومًا بالذكاء الاصطناعي يُسمى NextBrain، يتضمن خريطة شاملة لدماغ الإنسان البالغ، ويمكنه تحليل صور الرنين المغناطيسي للأشخاص الأحياء في غضون دقائق، وبدقة لم تكن ممكنة سابقًا.
ويأمل مطورو الأطلس، المُتاح حاليًا مجانًا للباحثين، أن يُساهم في تسريع الاكتشافات المتعلقة بعلم الأعصاب، وتسهيل فهم الأمراض العصبية، وتطوير علاجات أفضل لبعض الأمراض مثل الزهايمر.
كيف طوّر الباحثون الأطلس الدماغي المدعوم بالذكاء الاصطناعي؟
دمج الباحثون مجموعة من صور الرنين المغناطيسي والصور المجهرية لخمس أدمغة بشرية بعد الوفاة لبناء أطلس NextBrain الذي استغرق ست سنوات من العمل الدقيق؛ إذ استخدم الباحثون أنسجة دماغية بشرية من خمسة متبرعين بعد الوفاة، وقطّعوا كل دماغ إلى 10 آلاف شريحة، ولوّنوها لتحديد البنى المختلفة، ثم صوّروها بالمجهر، وفي النهاية أعادوا تجميعها في نموذج رقمي ثلاثي الأبعاد.
أجرى الفريق أيضًا فحوصات رنين مغناطيسي لكل دماغ قبل تقطيعه، حتى يتمكنوا من إعادة تركيبه لاحقًا بدقة. واستخدم الباحثون الذكاء الاصطناعي لمطابقة صور المجهر مع صور الرنين المغناطيسي، مع مراعاة الفروقات بين التقنيتين وضمان عدم تداخل الشرائح أو ترك فجوات بينها.
وبعد ذلك، وضعوا تسميات على 333 منطقة دماغية في النماذج الرقمية لكل من الأدمغة الخمسة، وهذه المهمة سرّعها الذكاء الاصطناعي بنحو كبير؛ إذ يقدّر الباحثون أن إنجازها يدويًا كان سيتطلب عقودًا من العمل.
يقول الدكتور (Juan Eugenio Iglesias)، الباحث الرئيسي من قسم الفيزياء الطبية والهندسة الحيوية في UCL: “يمثل أطلس NextBrain ثمرة سنوات من الجهود التي تهدف إلى سد الفجوة بين التصوير المجهري وتقنيات الرنين المغناطيسي. ومن خلال دمج بيانات عالية الدقة عن أنسجة الدماغ مع تقنيات ذكاء اصطناعي متقدمة، أنشأنا أداة تتيح تحليل صور الدماغ بمستوى تفصيلي لم يكن ممكنًا في السابق. وهذا يفتح آفاقًا جديدة لدراسة الأمراض العصبية التنكسية والشيخوخة”.
اختبار دقة الأطلس
خضع NextBrain للاختبار على آلاف من صور الرنين المغناطيسي، وأثبت قدرته على تحديد المناطق الدماغية المختلفة بدقة عالية عبر أنواع مختلفة من أجهزة التصوير وظروف المسح.
وفي إحدى التجارب، استخدم الباحثون الأطلس للقيام بتحديد تلقائي للمناطق الدماغية في صورة MRI عامة عالية الدقة، فكانت النتائج متطابقة تقريبًا مع التحديد اليدوي حتى في المناطق الصغيرة مثل الأجزاء الفرعية من قرن آمون.
وفي تجربة أخرى، استخدم الباحثون NextBrain لتحليل أكثر من 3 آلاف صورة MRI لأشخاص أحياء لدراسة التغيّرات في حجم الدماغ مع التقدّم في العمر. وقد أتاح الأطلس تحليلًا أكثر دقة لأنماط الشيخوخة مقارنة بالأدوات التقليدية.
وتقول الدكتورة (Zane Jaunmuktane) من معهد كوين سكوير لعلم الأعصاب في جامعة UCL: “هدفنا من بناء هذا الأطلس هو تمكين الباحثين من تحديد مئات المناطق الدماغية في البشر الأحياء بسرعة ودقة عالية”.
وأضافت: “إن دقة التفاصيل التي يوفرها NextBrain غير مسبوقة، وإتاحته للباحثين تعني أن جميع الباحثين حول العالم يمكنهم الاستفادة منه. فهو يقدم لهم خريطة دقيقة للبُنية الخلوية للدماغ، ويُمكّنهم من رصد العلامات الأولية للأمراض العصبية مثل الزهايمر قبل ظهور الأعراض، مما يعزز قدرتهم على فهم الأمراض العصبية ومراقبة تطورها، واكتشاف طرق جديدة لعلاجها والوقاية منها”.
