الوقت- تتحدث وسائل الإعلام والأوساط السياسية التركية باستمرار هذه الأيام عن شخصية مثيرة للجدل، جذبت تصريحاتها حول العلاقات الأمريكية التركية ونتائج قضيتي سوريا وفلسطين انتباه الجميع.
هذه الشخصية المثيرة للجدل هي توم باراك، السفير الأمريكي في تركيا، والمعروف أيضًا باسم مبعوث ترامب الخاص للقضية السورية.
يتمتع توم باراك، ذو الأصول اللبنانية، وذو الخبرة الواسعة في مجال الأعمال، مع تاريخ طويل في التعامل التجاري مع المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة، بمصداقية خاصة لدى أردوغان وفريق السياسة الخارجية في المؤسسة الرئاسية، وتأمل أنقرة أن تؤدي أنشطته ووساطته إلى تحسين العلاقات بين أنقرة وواشنطن، وأن تتمتع تركيا بمكانة أفضل في القضية السورية.
هذه المرة، في مقابلة مع قناة "خبر تورك" التلفزيونية في أنقرة، أيّد باراك صراحةً فكرة توقيع تركيا وجمهورية أذربيجان في آنٍ واحد على اتفاقيات ابراهام لتطبيع العلاقات مع الكيان الصهيوني، والانضمام إلى صفوف حلفاء الكيان الصهيوني، قوبل اقتراح باراك بردود فعل واسعة من الصحف ووسائل الإعلام والمحللين السياسيين الأتراك، إلا أن مسؤولي حكومة أردوغان التزموا الصمت حياله.
"سم في عسل" توم باراك
قال توم باراك، السفير الأمريكي في أنقرة، ردًا على أسئلة الصحفية التركية الشهيرة سينا ألكان حول الأمن الإقليمي، إن واشنطن تسعى حاليًا إلى بناء هيكل سلام جديد في الشرق الأوسط، وسيكون من الأفضل لو كانت تركيا وجمهورية أذربيجان جزءًا من هذا الهيكل.
أطلق باراك ادعاءات مبالغ فيها حول تأثير وجود تركيا وأذربيجان، ثم قال بلفتة إنسانية: "سألتم عن غزة، ولأكون صادقًا، أريد فقط أن أبكي على غزة. أما بالنسبة لأمن المنطقة وبنيتها الجديدة، فلا بد لي من القول إننا سنرى منطقة قوية، هدفنا هو أن نمنح أطفالنا وأحفادنا شيئًا مختلفًا".
في خطابه، لم يتردد السفير الأمريكي في القول إنه إذا انضمت تركيا إلى هذه الاتفاقية، فسيتم أيضًا حل المشاكل المتعلقة بالحظر العسكري، وستتمكن تركيا من استلام مقاتلات إف-35 والتخلص من مشكلة شراء صاروخ إس-400 الروسي.
أشار توم باراك أيضًا إلى أن "المسؤولين الأمريكيين يرون أن تركيا ليست شريكًا دفاعيًا فحسب، بل ينبغي أن تكون جزءًا من البنية الأمنية للمنطقة، القضايا المتعلقة بطائرات إف-35، بالإضافة إلى أنظمة إس-400 وإف-16، كلها مجرد سوء فهم من عام 2017، ويمكن حلها. يمكننا بذل المزيد من الجهود لزيادة حجم التجارة بين الولايات المتحدة وتركيا إلى 100 مليار دولار، ومواصلة جهودنا الدفاعية المشتركة، تربطني علاقة وثيقة وودية بالرئيس ترامب، يوم زيارتي إلى أنقرة، قال لي: أريد علاقة أفضل مع تركيا، يمر الشرق الأوسط بمرحلة عصيبة، أنت من هذه المنطقة وتعرفها جيدًا،. اذهب واعمل على إنجازات عظيمة في تركيا، لذلك، نسعى إلى بناء شراكة أوثق وأكثر استراتيجية بين أنقرة وواشنطن، وللتوضيح، يريد رئيسي تحقيق نتائج، وما يريده هنا هو أن تصل تركيا إلى مستوى أعلى من الأهمية الاستراتيجية إلى جانب الولايات المتحدة".
أوجاجان: كلام باراك أقلق الجميع
قال محمد أوجاچان، المحلل التركي المعروف، تعليقًا على كلام السفير الأمريكي في أنقرة: "أقلقتنا جميعًا كلمات توم باراك، أعلن دون أي مجاملة أن تركيا وأذربيجان يجب أن تنضما أيضًا إلى حلف ابراهام، بمعنى آخر، إنه يُخبر أنقرة أن عليكم الوقوف إلى جانب إسرائيل كما تفعل الدول العربية، هذا الرجل بارع في عقد الصفقات، ويقول لنا بوضوح تام: سنحل مشكلة إف-35 وسنبيعكم طائرات مقاتلة، لكن اعلموا أن أمن إسرائيل في المقام الأول بالنسبة لنا. لذلك، نريد أن نراكم تقفون إلى جانب إسرائيل."
تابع أوجاكان ساخرًا: "كان هذا الجزء من خطاب توم باراك إلى أنقرة مثيرًا للاهتمام: دعونا نمنح أطفالنا وأحفادنا شيئًا مختلفًا! ... فالعالم أجمع يعلم جيدًا الآن ما تقدمه إسرائيل، بدعم من الولايات المتحدة، لأطفال غزة! يريدون منا الانضمام إلى اتفاقيات ابراهام، وأن تدعم تركيا مجزرة نتنياهو الجديدة، يجب ألا نقبل هذا قطعًا، فالدخول في هذه الاتفاقية يعني حماية دائمة لإسرائيل وإقرارًا بالإبادة الجماعية، لقد أدخل ترامب الإمارات والبحرين والمغرب والسودان في هذه اللعبة، والآن يبدو أن السعودية وسوريا مهتمتان أيضًا بالتوصل إلى اتفاقية، وباراك يحاول إدخالنا في اللعبة، من المؤكد أن تركيا لن تقف إلى جانب القاتل بدخولها في اتفاقية ابراهام. ولكن دعونا نتذكر أن تركيا استمرت في إرسال سفنها التجارية إلى إسرائيل لمدة 7 أشهر، بينما كانت إسرائيل تذبح الأطفال في غزة، من ناحية أخرى، لا يزال النفط الأذربيجاني يُصدر إلى إسرائيل عبر تركيا".
يُعارض معظم المحللين الأتراك صراحةً انضمام بلادهم إلى اتفاقيات ابراهام، لكن مراكز الأبحاث المؤيدة للصهيونية تُشجع أذربيجان وتركيا على توقيع النص في أقرب وقت ممكن.
يعتقد جوزيف إبستاين، من مركز توران للأبحاث، أن هناك تحالفًا طويل الأمد بين أذربيجان وإسرائيل وتركيا، وأن العضوية في اتفاقيات ابراهام تُشير إلى تمكين آسيا الوسطى، وتُؤكد على الأهمية الاستراتيجية لأذربيجان خارج القوقاز.
كما صرّح الحاخام مارك شناير، من مركز سيمون فيزنتال، بأن انضمام أذربيجان إلى اتفاقيات ابراهام ليس عملاً رمزيًا، بل خطوة ضرورية، ويُمثل نموذجًا للتعاون بين المسلمين واليهود.
في الوقت نفسه، أشار المبعوث الأمريكي الخاص ستيف ويتكوف صراحةً إلى أن كلاً من أذربيجان وأرمينيا مُعترف بهما كمرشحين مستقبليين لاتفاقيات ابراهام.
كما هدد بعض المعلقين الإعلاميين الأمريكيين تركيا علنًا، مُشيرين إلى أنه إذا لم تنضم تركيا إلى الاتفاقية بعد أذربيجان، فقد تُعزل دبلوماسيًا، حيث ستتجمع التحالفات الإقليمية المستقبلية حول الانضمام إليها، يبقى أن نرى ما إذا كانت تركيا وجمهورية أذربيجان ستحافظان على استقلالهما الاستراتيجي وتتجنبان الانضمام إلى الاتفاقية رغم الوعود الاقتصادية للولايات المتحدة، أم إنهما قد تُظهران تدريجيًا بوادر مرونة وقبول للإملاءات التي تفرضها الولايات المتحدة.