الوقت- تشهد حكومة بنيامين نتنياهو أزمة متفاقمة بعد أن لوّح رئيس أركان الجيش إيال زامير بالاستقالة على خلفية فشل مفاوضات تبادل الأسرى مع حركة حماس، هذا التهديد يعكس عمق الانقسام بين المؤسسة العسكرية والقيادة السياسية، ويضع الحكومة أمام اختبار غير مسبوق في ظل ضغوط داخلية وخارجية متزايدة.
وفقًا لما نقلته صحيفة "يديعوت أحرونوت"، فإن زامير يدرس جديًا تقديم استقالته إذا لم يتم تحقيق تقدم حقيقي في ملف الأسرى، معتبرًا أن القيادة السياسية في الكيان الإسرائيلي عاجزة عن اتخاذ قرارات مصيرية لإنهاء الأزمة.
وأكدت القناة الثانية عشرة العبرية أن زامير عبّر خلال اجتماعات أمنية مغلقة عن استيائه من غياب رؤية واضحة لدى نتنياهو، وخصوصًا فيما يتعلق بالحرب على غزة وإدارة المفاوضات مع حماس، ويأتي ذلك بعد نحو مئة وخمسين يومًا من توليه منصبه كقائد للأركان، وهي فترة شهدت تصعيدًا كبيرًا للخلافات بين الجيش والحكومة حول إدارة الحرب وسياسات التعامل مع ملف الأسرى.
وفي موازاة ذلك، انطلقت محادثات تبادل الأسرى في الدوحة برعاية قطرية ومصرية وبمشاركة أمريكية، إلا أن وفدي الكيان الإسرائيلي والولايات المتحدة انسحبا للتشاور، ما اعتُبر إشارة إلى تعثر العملية بالكامل، هذا الجمود دفع أطرافًا من اليمين المتشدد في حكومة نتنياهو، مثل بتسلئيل سموتريش وإيتمار بن غفير، إلى مهاجمة أي محاولة للتفاوض، معتبرين أن أي اتفاق مع حماس يمثل تنازلاً غير مقبول، وهددوا بسحب دعمهم للحكومة إذا أقدمت على أي خطوة في هذا الاتجاه.
زامير من جهته حذر خلال جلسات الكابينيت من أن استمرار العمليات العسكرية الواسعة في غزة قد يعرض حياة الأسرى للخطر، وخصوصاً في ظل تقارير استخباراتية تشير إلى أن نحو عشرين أسيراً فقط يُحتمل أن يكونوا على قيد الحياة، فيما يظل مصير البقية مجهولًا.
وحسب وسائل إعلام عبرية، اقترح زامير خطة عسكرية بديلة تقوم على تقليص حجم القوات المنتشرة في غزة وإعادة تموضعها في مواقع دفاعية، مع الاعتماد على عمليات دقيقة بدلاً من الاجتياحات البرية الواسعة، بهدف الحفاظ على الضغط العسكري دون إطالة أمد الحرب أو المجازفة بأرواح الأسرى.
لكن نتنياهو يواصل سياسته القائمة على المماطلة، حيث أشارت صحيفة "جيروزاليم بوست" إلى أنه يحاول استغلال عطلة الكنيست لتأجيل أي قرار حاسم، في محاولة لاحتواء الخلافات داخل ائتلافه الحاكم، غير أن هذه الاستراتيجية تزيد من حالة الغضب الشعبي وتعمّق أزمة الثقة بين الحكومة والجيش.
وفي المقابل، تتواصل الاحتجاجات الشعبية داخل الكيان الإسرائيلي، إذ خرجت تظاهرات واسعة قادتها عائلات الأسرى إلى شوارع تل أبيب ومدن أخرى للمطالبة بالتوصل إلى اتفاق عاجل يضمن الإفراج عن ذويهم، وقد تحولت هذه الاحتجاجات، التي بدأت منذ أواخر عام 2023 واستمرت طوال عام 2024 وحتى اليوم، إلى عامل ضغط كبير على حكومة نتنياهو، حيث أظهرت استطلاعات الرأي تراجعًا واضحًا في شعبيته.
على الصعيد الدولي، تتزايد الضغوط على حكومة نتنياهو بشكل غير مسبوق، الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي يطالبان بضرورة التوصل إلى اتفاق يضع حدًا للأزمة الإنسانية في غزة، في حين يواصل الوسيطان المصري والقطري جهودهما لإنقاذ المفاوضات من الانهيار.
كما شددت منظمات حقوقية دولية على أن استمرار الحصار المفروض على غزة يُفاقم الأوضاع الإنسانية ويهدد بمزيد من الكارثة، وهو ما يزيد من عزلة حكومة نتنياهو سياسيًا.
زامير بدوره حاول الدفاع عن الجيش في مواجهة الاتهامات الدولية بارتكاب انتهاكات ضد المدنيين في غزة، نافياً ما وُصف بـ"سياسة التجويع"، وألقى باللوم على حماس محمّلاً إياها المسؤولية عن الأزمة الإنسانية، غير أن هذه التصريحات لم تخفف من حدة الانتقادات الموجهة إلى حكومة نتنياهو، وخاصة مع إصرار المجتمع الدولي على ضرورة إدخال مساعدات إنسانية عاجلة، والتحذير من أن استمرار العمليات العسكرية قد يقضي نهائيًا على فرص إنجاز أي صفقة تبادل.
في هذا السياق، يجد نتنياهو نفسه أمام مأزق سياسي حاد، إذ يقف بين ضغوط المؤسسة العسكرية التي تطالبه بخطة واضحة لإنهاء الحرب وضمان إطلاق سراح الأسرى، وضغوط اليمين المتشدد الذي يرفض أي تسوية مع حماس، ومع اقتراب انتخابات عام 2026، يبدو أن أي خطوة خاطئة قد تؤدي إلى انهيار حكومته والدفع نحو انتخابات مبكرة قد تغيّر موازين القوى السياسية داخل الكيان الإسرائيلي.
تهديد زامير بالاستقالة ليس مجرد خلاف عابر، بل هو مؤشر على أزمة هيكلية داخل النظام السياسي، إذ إن فقدان الدعم العسكري للحكومة في هذه اللحظة الحساسة قد يؤدي إلى هزة سياسية كبرى، وربما يجبر نتنياهو على تقديم تنازلات غير مسبوقة، وإذا لم يتم تحقيق اختراق حقيقي في مفاوضات تبادل الأسرى خلال الأيام المقبلة، فإن استقالة زامير قد تصبح أمرًا واقعًا، ما سيؤدي إلى زلزال سياسي يعيد رسم المشهد داخل الكيان الإسرائيلي.
إن الأزمة الحالية لم تعد محصورة بملف تبادل الأسرى فقط، بل تحولت إلى معركة وجودية بين الحكومة والمؤسسة العسكرية، وبين اليمين المتشدد والرأي العام الغاضب، وبين الضغوط الدولية والتحديات الداخلية، وفي حال استمر هذا الجمود، فقد تكون المرحلة المقبلة حاسمة في تقرير مستقبل نتنياهو وحكومته، وربما تفتح الباب أمام إعادة هيكلة سياسية شاملة داخل الكيان الإسرائيلي تعكس عمق الانقسام الذي بات يهدد استقراره الداخلي.