الوقت- يعود الاحتلال الصهيوني مجددًا إلى إطلاق تهديداته التقليدية ضد قطاع غزة، متوعدًا هذه المرة عبر تصريح وزير حربه يسرائيل كاتس بـ"فتح أبواب الجحيم" إذا لم يُطلَق سراح الأسرى الصهاينة، لكن ما يغفل عنه الاحتلال أن غزة اليوم ليست غزة الأمس؛ فحركة المقاومة وعلى رأسها حماس، لم يعد موقعها دفاعيًا فحسب، بل أصبحت فاعلًا رئيسيًا يُعيد رسم قواعد الاشتباك ويقلب معادلات الردع رأسًا على عقب، الخطاب الدموي الصهيوني لم يعد إشارة إلى قوة، بل أصبح اعترافًا مضمرًا بأزمة عسكرية وأمنية مستعصية تتفاقم مع مرور الوقت، وكلما اشتدت ضربات المقاومة ارتفعت نبرات صراخ قادة الاحتلال الغارقين في فقدان المبادرة.
تهديدات مُفرغة وسقوط هالة القوة
تأتي تصريحات كاتس الأخيرة كحلقة جديدة في سلسلة الصراخ السياسي والإعلامي الذي انتهجته حكومة الاحتلال منذ شهور، ولكنه صراخ العاجز أمام صمت البنادق وصمود العزيمة، لم تعد تهديدات "فتح أبواب الجحيم" تخيف فلسطينيًا أو تهز قناعات أحد داخل غزة، بعدما تمكنت المقاومة من أن تجعل العدوان الصهيوني مكلفًا باهظًا، أي عملية عسكرية واسعة ستجر تداعيات لا يملك الاحتلال القدرة على ضبطها أو تحمل تكلفتها.
حماس وفصائل المقاومة لم تعد تتعامل مع التهديدات برد فعل محدود، بل صاغت معادلة ردع جديدة تنبني على الفعل الميداني والانضباط التكتيكي، إذ باتت العمليات النوعية، علامة لقوة لا يُسمع صراخها في الإعلام، بل يتردد صداه في الاستراتيجيات المأزومة للخصم، الإعلام الصهيوني اليوم يشكّل منفذًا للهروب من مواجهة الحقائق الصعبة، جيش الاحتلال فقد هيبتة المزعومة تحت وطأة مقاومة تعرف متى وكيف وأين تضرب، فتفرض حضورها على الساحة من موقع الفعل لا من موقع الترقب.
ورقة الأسرى... الكابوس المزمن في الضمير الصهيوني
في قلب المشهد، تبرز معادلة الأسرى بوصفها السلاح الأشد إيلامًا للاحتلال، يحتفظ الكيان الصهيوني داخل ذاكرته الجمعية بجراح الهزيمة في هذا الملف؛ فقد باتت ظاهرة خطف الجنود أو وقوعهم في الأسر محنة لا تقل خطرًا عن المواجهة الميدانية، حماس تدرك حجم تلك الورقة وتضع خطوطًا حمراء، لا حديث عن صفقة، إلا باستيفاء الشروط وفرض الثمن كاملاً، ما يقلب موازين التفاوض ويجعل الكلمة الأخيرة بيد المقاومة.
ما يزعج الاحتلال ويفضح ارتباكه ليس مجرد وجود الأسرى، بل الحراك الشعبي لعائلاتهم والضغط المتزايد على الحكومة الصهيونية، حتى أصبح ملف الأسرى مأزقًا سياسيًا داخليًا وجرحًا مفتوحًا في الضمير الجمعي الصهيوني، تمسك حماس بزمام المبادرة في هذا الملف ألغى قدرة الكيان على استخدام الأسرى كأداة ابتزاز.
السقوط الاستراتيجي... وولادة مقاومة تقلب الموازين
إن الارتباك الذي يصيب النخبة السياسية والعسكرية في الكيان الصهيوني اليوم انعكاس لفشل خططه الاستراتيجية أمام قطاع صغير، ولكن مسلح بعقيدة راسخة وإصرار لا يلين، فشل الاحتلال في تحييد غزة أو كسر شوكة حماس كشف محدودية الخيارات أمامه، لم يعد بوسعه الخروج من المأزق ولا تقديم تنازلات حقيقية لوقف الهجمات، فيما المقاومة تواصل تثبيت عناصر مشروعها الوطني، وتنحت مسارات جديدة تزاوج بين العمل العسكري ضد جنود الصهيانة داخل القطاع وبين الانخراط في المفاوضات عبر الوسطاء، كل جولة تصعيد تكشف عن مقاومة أكثر تماسكًا، تلتقط أخطاء العدو وتعيد صياغة استراتيجية الصراع بأسس تراكمية، فيما يتراجع خطاب الردع والزهو الصهيوني إلى حجج واهية أمام أنظار العالم
الجبهة الداخلية في غزة… صمود المجتمع وتصاعد الحراك الشعبي
لا يمكن فهم تطورات المواجهة دون التوقف أمام لوحات الصمود التي يرسمها المجتمع الغزي يوميًا، فرغم الحصار الخانق والضربات المتواصلة، يزداد التلاحم بين المقاومة والجمهور، وتتعمّق ثقافة التحدّي والمبادرة من أصغر التفاصيل اليومية حتى أعلى مستويات القرار الشعبي والسياسي، هذا الصمود هو القوة الحقيقية التي فاجأت الاحتلال، وحوّلت رهان الاستنزاف إلى استثمار بالمناعة الوطنية؛ إذ أصبحت غزة اليوم تمثل مختبرًا حيًا للقدرة على توليد الأمل من قلب الألم، مقاومةً معادلات اليأس بالإبداع، ومحولة المحن إلى زاد يرفد مشروع التحرر.
في المقابل، تعاني الجبهة الداخلية الصهيونية من تصدعات وانقسامات اجتماعية وسياسية عميقة، يفاقمها الخوف وفقدان الثقة في القيادة، وبينما تنهض غزة على رصيد من الوحدة والإرادة، يقف الاحتلال على أرضية من التآكل والخلافات، ما يزيد من هشاشة منظومته ويحد من فعالية قراراته العسكرية والسياسية. هذا الفارق الجوهري بين جبهتي الصراع يُفسّر لماذا تبقى المقاومة قادرة على الاستمرار والإبداع، بينما يغرق الاحتلال في أزماته وسياساته المرتبكة.
في النهاية، ما يهدد وجود الكيان الصهيوني اليوم ليس سلاح المقاومة وحده، بل إرادتها الواعية التي تدير المعركة بنضج وإصرار، كل تهديد يُطلق تجاه غزة يُواجَه بثبات استثنائي وتكتيك محسوب بعناية، ليُثبت أن المقاومة تقود معركة الصمود من موقع المبادرة وليس الدفاع.
لقد تحولت غزة إلى بوصلة أخلاقية وسياسية لكل من يبحث عن معنى الكرامة، فيما يعيش الاحتلال كابوسًا وجوديًا تتساقط أوراق شرعيته داخليًا وعلى الساحة الدولية، إن "أبواب الجحيم" المفتوحة ليست تهديدًا لغزة، بل نذيراً لانهيار قوة ردع جيش لم يعد بوسعه استعادة زمام المبادرة ولا ترويض إرادة شعب يدرك أن النصر قدره وقد كتبه التاريخ له، طالما أن هناك مقاومة حرة لا تقبل المساومة على حقها أو أرضها.