الوقت- في مشهد مأسوي يتكرر أمام أعين العالم، تتكشف أمامنا بوضوح خطة تطهير عرقي ممنهجة ينفذها الكيان الصهيوني ضد سكان قطاع غزة، لم تعد الإجراءات مجرد ردود فعل على تهديدات أو صراعات، بل تحولت إلى استراتيجية تهدف إلى إفراغ الأرض الفلسطينية من أهلها بالقوة، بأساليب تذكّر بأحلك فصول التاريخ البشري، تلك التي شهدها العالم تحت ظل النظام النازي، ما يجري اليوم هو فصل جديد من التهجير القسري، تُرسم تفاصيله على الأرض بحزم وبدم بارد، مع استغلال تام للهيمنة العسكرية والسياسية، وفي الوقت الذي يُعلن فيه الصهاينة عن مبادرات نقل الفلسطينيين إلى دول أخرى، يزداد الجرح الفلسطيني عمقًا، ويصبح السؤال الأخلاقي أمام المجتمع الدولي: هل سيظل صامتًا أمام هذه الجريمة الإنسانية التي يرتكبها الكيان الصهيوني؟.
خطة التطهير العرقي الممنهجة
تاريخياً، يشير الكاتب الإسرائيلي جدعون ليفي إلى أن ما يجري في غزة اليوم يعكس خطة منهجية للتطهير العرقي، مستوحاة من أساليب النظام النازي في القرن العشرين، حيث لم تعد قيادة الكيان الصهيوني تكتفي بردود الأفعال أو المواجهات الأمنية، بل تحولت إلى استراتيجية تهدف إلى ترحيل ملايين الفلسطينيين من قطاع غزة.
وحسب قول جدعون ليفي" يقود هذا المسار رئيس جهاز المخابرات الحالي، الذي يحمل إرثًا عائليًا مرتبطًا بهروب أجداده من التطهير العرقي ذاته، لكن يبدو أنه نسى دروس التاريخ، إذ يشارك في وضع الخطط التي تشبه ما عاناه أجداده"، هذا الموروث الإنساني والتاريخي لا يمنع الكيان من تنفيذ سياسات التهجير القسري، حيث تُستخدم قوة عسكرية هائلة لتدمير البنية التحتية، وتهيئة الأرض لترحيل السكان قسرًا، ما ينذر بكارثة إنسانية كبرى ستغير وجه المنطقة بشكل جذري.
الدمار المنهجي وتحويل غزة إلى معسكر اعتقال
الخطورة الكبرى في هذه الخطة تكمن في التدمير المنهجي الذي يتعرض له قطاع غزة، إذ تُمحى القرى والبلدات واحدة تلو الأخرى لتُسوى بالأرض، وهو ما يكشف عنه تقرير صور الأقمار الصناعية الصادر عن هيئة الإذاعة البريطانية، هذا التدمير لا يهدف فقط إلى القضاء على البنية التحتية، بل هو تمهيد لبناء معسكرات اعتقال تتيح جمع الفلسطينيين في أماكن محددة قبل ترحيلهم قسرًا إلى دول بعيدة مثل ليبيا وإثيوبيا وإندونيسيا، التي تم التفاوض معها لتقبل هؤلاء المهجرين، هذا النموذج يعيد إلى الأذهان أساليب الترحيل الجماعي، حيث تترافق عمليات القتل والتشريد مع استغلال سياسي ودبلوماسي دولي يُتيح للكيان الصهيوني تنفيذ مخططاته دون محاسبة، ومن هنا تظهر فظاعة الجريمة التي تُرتكب بهدوء وبدعم أو غض نظر دولي، في حين يتصاعد عدد الضحايا من المدنيين العزل الذين لا يجدون ملجأ في أرضهم.
جهاز الاستخبارات ودور منفذ الأوامر في تنفيذ الجريمة
يبرز في هذا السياق الدور الخطير الذي يلعبه جهاز الاستخبارات المركزي في الكيان الصهيوني، حيث يتحول مسؤول الموساد الحالي إلى ما وصفه ليفي بـ"رئيس الوكالة المركزية للهجرة الفلسطينية"، مسؤولاً عن تنفيذ خطة التهجير القسري، هذا الدور يحول جهازًا كان في الأصل مصممًا للحفاظ على الأمن، إلى أداة تطهير عرقي تنفذ الأوامر بحرفية باردة وبلا أدنى مقاومة أخلاقية أو إنسانية. في ظل هذه الظروف، تتحول الحرب إلى أداة لتحقيق أهداف سياسية واستراتيجية إجرامية، ويصبح ما يحدث في غزة ليس فقط صراعًا عسكريًا، بل مشروعًا إجراميًا لا يخلو من دعم أو تواطؤ دولي، وفي الوقت الذي تموت فيه أرواح الفلسطينيين، يبقى السؤال مطروحًا: هل يملك المجتمع الدولي الجرأة لإيقاف هذا المسلسل القاتل، أم سيظل يشاهد التاريخ يُعاد بنسخة قاتمة جديدة؟
التواطؤ الدولي وصمت المجتمع العالمي
لا يمكن تجاهل دور المجتمع الدولي في هذه الأزمة التي تتخذ شكل جريمة تطهير عرقي ممنهجة، حيث يبدو أن الصمت أو المواقف المترددة تساهم بشكل مباشر في استمرار المأساة، يتعامل بعض الدول الكبرى مع ما يحدث في غزة بتجاهل شبه كامل، أو بتبريرات واهية تدعي دعمها للسلام بينما تغض الطرف عن الانتهاكات الإنسانية.
حسب الكاتب جدعون ليفي، هناك مؤشرات واضحة على وجود محادثات بين الكيان الصهيوني ودول أخرى لإيجاد أماكن لاستقبال الفلسطينيين المهجرين، ما يشير إلى نوع من التواطؤ الدولي على هذه الخطة القسرية، إن غياب موقف دولي حاسم يعزز من شعور الإفلات من العقاب لدى قادة الكيان، ويتيح لهم الاستمرار في تنفيذ مخططاتهم دون رادع.
في ظل هذا الواقع، تصبح المسؤولية تقع على عاتق المؤسسات الدولية والحقوقية للضغط باتجاه وقف هذه الانتهاكات، وحماية المدنيين العزل، الصمت الدولي في هذه اللحظة لا يعني سوى تعزيز الانتهاكات، ويضع العالم أمام مأزق أخلاقي يجب تجاوزه سريعًا قبل أن تتحول غزة إلى شاهد على فشل الإنسانية في حماية حقوق شعبها.
ختاماً، إن هذه الوحشية هي نداء صارخ للضمير الإنساني، فالصمت أمام خطة التطهير العرقي في غزة يعني موافقة ضمنية على جرائم تنسف مستقبل شعب بأكمله، لا بد من موقف دولي حازم لإنقاذ ما تبقى من حياة وأمل.