الوقت - ساعات قليلة بعد الضربات الصاروخية الإيرانية التي استهدفت أهدافاً أمريكيةً في قاعدة العُديد القطرية، ومن ثم قاعدة التاجي في العراق، أعلن "دونالد ترامب"، رئيس الولايات المتحدة، بشكل غير متوقع عن إقامة وقف إطلاق النار في الحرب بين إيران و"إسرائيل".
بدأت هذه الهدنة صباح يوم الثلاثاء في الساعة 7:30 بتوقيت إيران، ورغم ذلك، استمرت إيران في شن موجة عارمة من الردود على الاعتداءات التي قامت بها "إسرائيل" حتى آخر لحظات وقف إطلاق النار. ومن بين آخر تلك الهجمات، أسفر الرد الصاروخي الإيراني على المناطق المحتلة في فلسطين، لا سيما في صحراء النقب في بئر السبع، عن مقتل ما لا يقل عن 11 مستوطناً إسرائيلياً. وبعد هذا الرد، أكدت وسائل الإعلام الفارسية والعبرية الموثوقة بدء وقف إطلاق النار بين إيران و"إسرائيل".
تمت الموافقة على وقف إطلاق النار من قبل "إسرائيل" في وقتٍ كان فيه "بنيامين نتانياهو" قد أشار سابقاً إلى احتمال حدوث تغييرات حكومية في إيران نتيجة الاعتداءات عليها، ولكن المفاجأة كانت في أن رئيس الوزراء الإسرائيلي المثير للجدل أعلن فجأةً، في اليوم الثاني عشر من الحرب، عن قبول الهدنة في الصراع مع إيران.
انسداد في الأهداف
يبدو أن الکيان الصهيوني قد واجه انسدادًا وطريقاً مسدوداً في تحقيق أهدافه الرئيسية من العدوان على إيران. إذ كانت تل أبيب قد أعلنت رسميًا عن هدفين رئيسيين في حربها مع إيران: تدمير البرنامج النووي الإيراني، وإزالة القدرات الصاروخية لدى طهران.
ومع ذلك، لم يتمكن الصهاينة من الوصول إلى أي من هذه الأهداف، فليس من الممكن القضاء على البرنامج النووي من خلال القصف، كما أن البرنامج الصاروخي الإيراني ليس سهلاً تضعيفه.
حتى اللحظات الأخيرة قبل إعلان وقف إطلاق النار، استمرت إيران في توجيه أشدّ موجات الهجمات الصاروخية إلى المناطق المحتلة، مُحملةً العدو أقسى الضربات البشرية والمادية. وقد لاحظ الخبراء في السابق أن الهجمات الإسرائيلية والأمريكية على البرنامج النووي والصواريخ الباليستية الإيرانية، من غير المحتمل أن تحقق المصالح الاستراتيجية طويلة الأمد لتل أبيب.
حتى أن صحيفة "الغارديان" البريطانية قد أشارت إلى وجود الكثير من الشكوك حول تأثير القنابل المتفجرة المتخصصة على المنشآت النووية في فردو، وما زالت نتائج الهجمات الأخيرة للطائرات الأمريكية على المنشآت النووية الإيرانية غير مؤكدة.
وعلى هذا الأساس، يبدو أن تل أبيب، في اليوم الثاني عشر من الحرب، قد أدركت أنها لم تتمكن من تحقيق أهدافها الرئيسية في تدمير البرنامج النووي والصاروخي الإيراني.
قال "توبى داج"، أستاذ العلاقات الدولية في مدرسة الاقتصاد بلندن، لهيئة الإذاعة البريطانية (بي بي سي) إن حكومة إيران أكثر استقرارًا مما يُشاع، ونظرًا لتاريخ إيران الطويل في الالتزام بتحديث وتوسيع التكنولوجيا، فإن قدراتها لا يمكن أن تتلاشى ببساطة بواسطة قنبلة واحدة.
وكذلك، توقع "دانيال سي. كورتزر"، السفير الأمريكي السابق في "إسرائيل"، و"ستيفن إن. سايمون"، من الأعضاء السابقين في مجلس الأمن القومي الأمريكي في وقت سابق في مجلة "فارن أفيرز"، أن أي عمليات عسكرية أمريكية ضد إيران ستواجه برد فعل من طهران، مما سيوضع الولايات المتحدة أمام مأزق الاستمرار في الحرب أو الانسحاب منها. وقد تحقق هذا التوقع، حيث ردت القوات الإيرانية بعد قصف منشآت فردو من قبل الولايات المتحدة بإطلاق صواريخ على قاعدة العُديد الأمريكية في قطر. وفي النهاية، أعلن ترامب عن انسحابه من المأزق مع إيران ووقف إطلاق النار، خوفًا من الانزلاق إلى حرب استنزاف جديدة في المنطقة.
آفاق وهم تغيير الحكم في إيران
يعدّ تغيير الحكم في إيران نتيجة العدوان والحرب التي شنتها "إسرائيل"، أحد الشعارات التي رفعها نتنياهو والصهاينة خلال الصراع الأخير ضد إيران. غير أن الكثيرين خارج إيران يبدو أنهم يعارضون بشدة أي تغييرات سياسية تحدث في البلاد.
فقد السيد علي السيستاني، مرجع الشيعة في العراق، في خطوة نادرة، من المخاطر العميقة التي تهدد المنطقة، وفي الوقت ذاته اعتبرت بعض الدول الأوروبية، مثل فرنسا، أن تغيير الحكم في إيران نتيجةً لعملية عسكرية، يعد عملاً يفتقر إلى الاستقرار.
وعبّر "أندرياس كريغ"، الأستاذ المساعد في قسم الدراسات الدفاعية بجامعة كينغز في لندن، والذي عمل بشكل واسع في شؤون الشرق الأوسط، عن شكوكه في إمكانية أن تؤدي الهجمات الجوية وحدها إلى التأثير الذي تسعى إليه "إسرائيل" في إيران. وقال: "لقد تعلمنا أن القوة الجوية وحدها لا تكون فعالةً في الدول الأخرى. لقد شهدنا في العراق وأفغانستان أن حتى تواجد عدد كبير من القوات البرية لا يأتي بأية جدوى. ما نراه (في العمليات الإسرائيلية) ليس نهجًا استراتيجيًا، بل هو أسلوب عملي يعتمد على القوة الجوية، وهذا النهج العملي سيواجه الانهيار، ولن يحقق النتائج المرجوة."
لماذا تدخلت الولايات المتحدة في المعركة؟
يجب أن نأخذ في الاعتبار أن "إسرائيل" كانت قد واجهت استنزافًا عمليًا في عدوانها العسكري ضد إيران. ووفقًا لما ذكرته صحيفة نيويورك تايمز، لو لم تتدخل الولايات المتحدة في الحرب ضد إيران لدعم تل أبيب، لكان جيش "إسرائيل" سيواجه تحديات متزايدة، إذ بدأت تلوح في الأفق علامات نقص في بعض الصواريخ الاعتراضية. وبعد التدخل الأمريكي، أدرك ترامب، وهو على دراية بالقيود والعقبات التي تعيق استمرار الحرب مع إيران، أنه يجب توجيه نتنياهو نحو وقف إطلاق النار وإنهاء المواجهة.
وقد أشار في وقتٍ سابق أيضًا أحد أعضاء مجلس الشيوخ الروسي، إلى أن جزءًا من إدارة ترامب كانت تخشى من الانجرار بالولايات المتحدة إلى صراع في الشرق الأوسط. فقد صرح "أليكسي بوشكوف"، عضو مجلس الشيوخ الروسي، بأن بعض أعضاء حكومة دونالد ترامب، يخشون من وقوع مزيد من الانزلاق الأمريكي إلى حرب بين إيران و"إسرائيل"، وأن هناك خلافات جدية حول هذا الموضوع.
إن التعب والشعور بالإرهاق الذي كان يعاني منه الجنود الإسرائيليون الناتج عن التحليقات الطويلة، ودورات صيانة الطائرات، وعدم قدرة "إسرائيل" على متابعة صراع طويل الأمد في ظل التوترات الحالية، قد دفع تل أبيب وواشنطن إلى التحرّك نحو تحقيق وقف إطلاق النار مع إيران.