الوقت- ذكرت مجلة نيوزويك الأمريكية أن قوة الطائرات المسيرة الإيرانية وتطوراتها وتقدمها الجديد استثنائيًا لا مثيل له بين الدول غير الغربية في غرب آسيا، مشيرةً إلى أن الكشف عن الطائرات المسيرة الجديدة هو رد إيران على التهديدات، وكتبت: "في خضم التوترات مع الولايات المتحدة، كشفت الجمهورية الإسلامية الإيرانية عن أسطول جديد من الطائرات المسيرة القتالية القادرة على الإقلاع والهبوط عموديًا، ويُعتبر هذا التطور خطوة مهمة في تعزيز القدرات القتالية الإيرانية، وقد عُرض في قاعدة عسكرية للطائرات المسيرة في زاهدان، بالقرب من الحدود الجنوبية الشرقية للبلاد".
وعُرضت هذه الطائرات المسيرة تحت أسماء "هوما" و"ديدبان" و"شاهين-1"، صُممت "هوما" للحرب الإلكترونية والاستطلاع، بينما صُممت "ديدبان" للاستهداف الدقيق، وصُممت "شاهين-1" لتوجيه ضربات دقيقة لمواقع العدو.
تحتاج البحرية الإيرانية بشكل خاص إلى هذه الطائرات المسيرة، إذ لا تستطيع العديد من سفنها دعم الطائرات المسيرة التقليدية، وتُعدّ هذه التطورات جزءًا من استراتيجية إيران الشاملة لحماية الأصول العسكرية من الغارات الجوية وعمليات الاستطلاع، بينما تسعى البلاد إلى إظهار قدراتها الدفاعية لأعدائها.
سبق أن أعلنت إيران عن خطط لتطوير العديد من أنظمة الطائرات المسيرة وإنشاء قواعد جديدة لها، كما كشفت عن أول سفينة حربية تحمل طائرات مسيرة في فبراير، وهو تطور جديد في الصناعة العسكرية الإيرانية فريد من نوعه واستثنائي بالنسبة لدولة غير غربية في غرب آسيا.
كما استخدمت روسيا تكنولوجيا الطائرات المسيرة الإيرانية على نطاق واسع في حرب أوكرانيا، وهو سلاحٌ ساهم في منع روسيا من الهزيمة الميدانية في حربها مع أوكرانيا وحلفائها الغربيين.
في الوقت نفسه، عُقدت الجولة الخامسة من المحادثات النووية بين إيران والولايات المتحدة بوساطة عُمان، وأعلن الجانبان عن إحراز بعض التقدم، على الرغم من الحاجة إلى مزيد من العمل.
مع ذلك، حذّر دونالد ترامب من أنه لا يستبعد اللجوء إلى الخيار العسكري في حال فشل المحادثات، وردّت القوات المسلحة الإيرانية على التهديد الإسرائيلي المحتمل، مؤكدةً استعدادها للرد على العدو عند الضرورة. وفي معرض إشارته إلى الاستثمارات في مجال التكنولوجيا العسكرية، صرّح نائب قائد القوات البرية للجيش الإيراني بأن القوات البرية للجيش تُعرف الآن بأنها "قوة رائدة" في الاستفادة من الإنجازات الدفاعية الجديدة، وأعلنت إيران أنها ستواصل تطوير قدراتها العسكرية وأنظمة دفاعها الجوي في ظل تهديدات الحرب مع الولايات المتحدة أو "إسرائيل".
تاريخ قصير لمشروع المسيّرات الإيراني
تعود كلمة السر وراء تطوير صناعة المسيّرات الإيرانية، إلى ثمانينيات القرن الماضي، حيث فُرضت على إيران حزمة من العقوبات الدولية أثرت بقوة على جيشها، فلم يعد بإمكانه تطوير ترسانته العسكرية ومن هنا سعت طهران للاستفادة من البدائل الرخيصة التي يمكن تصنيعها محليًّا.
طوّر الجيش الإيراني قدرةً بحرية تعتمد على بناء عدد كبير من القوارب الصغيرة المسلحة ببنادق وصواريخ دقيقة -قدر الإمكان- ليجد موطئ قدم في مواجهة البحرية الأمريكية ذات السفن السطحية الكبيرة، وهي ذات الإستراتيجية التي تتبعها روسيا الآن مع قواتها البحرية، وخاصة في ظل قدرة موسكو على تطوير صواريخ عالية الدقة، بما في ذلك الصواريخ فرط الصوتية، التي تسعى إيران لامتلاك التكنولوجيا الخاصة بها حاليًّا.
وفي هذا السياق، بدأت إيران الاستثمار في المسيّرات الحربية، ففي عام 1985 انطلقت المسيرة "مهاجر-1″، بعد تفعيل برنامج هندسي بحثي انطلق من الجامعات الإيرانية، كان لها جسم أسطواني ضيق، وأذرع خلفية مزدوجة، وأجنحة مستقيمة مثبتة عاليًا في الجزء الخلفي من جسم المسيّرة، وحملت كاميرا ثابتة مع فيلم فوتوغرافي، حاولت إيران تسليحها بصواريخ من طراز "آر جي بي" لكن لا توجد دلائل على نجاح هذه المحاولات.
وفي حرب الخليج الأولى، استخدمت "مهاجر-1" للتصوير بشكل أساسي، بغرض التصوير الفوتوغرافي لتصحيح توجيه أنظمة المدفعية وضربات الطيران، وكان من السهل التشويش عليها، بعد ذلك بدأت تجربة المسيّرة "أبابيل-1" في العام التالي، وقد استُخدمت للتجسس على التحركات والمواقع العراقية.
على مدى أكثر من 20 عاما، كان الاستثمار البحثي الإيراني يدور فقط حول الطرازين السابقين، ثم شهد عام 2009 تطورا مهما على مستوى صناعة الطائرات المسيّرة، إذ طورت إيران نموذج "كرار" الأوّليّ، وهي مقاتلة بمدى يصل إلى ألف كيلومتر، قادرة على إطلاق صاروخَي كروز من طراز "سي-705" أو حمل قنابل موجهة بوزن 250 كيلوغراما، ثم أصبحت إيران بعد ذلك تُصدر فئات المسيّرات بوتيرة متصاعدة حتى وصلت الآن إلى قرابة 15 فئة (حسب الإيرانيين)، بعضها صدرت منه نماذج عدة وبعض آخر استمر في نموذج رئيسي واحد.
تنوعت تلك الفئات في الارتفاع والمدى والدقة وطبيعة المهام المنوطة بها، فبعضها صُمم للاستطلاع والمراقبة وبعضها للقتال كالطائرات الحربية، وهناك المسيّرات التي تعمل في نطاق التشويش الراداري، والمسيّرات الانتحارية، وتلك متعددة المهام، التي تعمل في المراقبة والاستطلاع إلى جانب المهام القتالية.
في هذا السياق أعلنت الحكومة الإيرانية في أبريل/نيسان 2016 أنها قامت بتحديث طائراتها المسيّرة للاستفادة من تقنية نظام تحديد المواقع العالمي، ومع استخدام مثل هذه الأنظمة، لا يتمكن القادة العسكريون فقط من الحصول على رؤية أفضل بكثير في مجريات المعارك بالمسيّرات، بل يصبحون أيضًا قادرين على التواصل بشكل أفضل مع المسيّرات وتوجيهها بدقة أكبر إلى أهدافها.
خلال تلك السنوات تبين للإيرانيين أن هناك فائدة مهمة للمسيّرات داخليا، فبسبب الطبيعة الجبلية الوعرة في إيران، وبالتبعية صعوبة تنقل القوات الأمنية، ومع وجود اضطرابات في بعض المناطق الحدودية مثل إقليم بَلُوشِستان الجاف الممتد بين إيران وباكستان وأفغانستان، كان للمسيّرات أهمية كبيرة داخليًّا في نطاق المراقبة والاستطلاع.
استراتيجية طهران
تعرف الحرب غير المتكافئة بأنها تلك التي تقع بين متحاربين تختلف قوتهما العسكرية أو استراتيجيتهما أو تكتيكاتهما بشكل كبير؛ ما يؤدي بكل طرف منهما إلى استغلال نقاط الضعف لدى الآخر، وعادة ما يشتمل هذا النوع من الحروب على تفاوت في القوة بين الجهات المتحاربة، وهنا تختار الجهات الأضعف محاربة الجهات الأقوى عبر إستراتيجيات غير مباشرة، أو تستخدم تقنيات عسكرية مختلفة، أسهل في التنفيذ بالنسبة لها، وأعظم في الأثر في سياق مهمات محددة.
وإلى جانب السعر، فالمسيّرات -وخاصة مع التنويع الذي تضفيه إيران إلى فئات مسيراتها- سلاح مرن وديناميكي إلى حد كبير، فهو متعدد الاستخدامات وقادر على التكيف مع مجموعة من السيناريوهات والأهداف، ويمكن توظيفه لابتكار تكتيكات غير مسبوقة عظيمة الأثر في سياق معارك بعينها، إذ تتمكن من أداء مهام المراقبة وجمع المعلومات الاستخبارية عن تحركات القوات والبنية التحتية والأهداف المحتملة في الوقت الحقيقي، كما يمكنها أن تحمل صواريخ أو قنابل لاستهداف أفراد العدو أو أصوله ذات القيمة العالية، وفي مستوى متقدم (وبقيمة سعرية تنافسية) يمكنها توجيه ضربات جوية دقيقة جدا.
ويكون لذلك أهمية خاصة حينما تعمل المسيّرات معًا في أسراب تكتيكية يمكن أن تُشبع قدرات أنظمة الدفاع الجوي فتتجاوز حدود قدرتها على الصدّ، وتعطل الاتصالات والخدمات اللوجستية، وعلى سبيل المثال، فإنه في سيناريو الحرب، سيكون الدور الرئيسي لمسيّرات مثل "مهاجر 6" هو تدمير أنظمة الدفاع الجوي وتمهيد الطريق لسلسلة "شاهد" للتوغل في أراضي العدو، في حين تقوم فرقة ثالثة من المسيّرات بالاستطلاع ودراسة الضربة، كل ذلك على مسافة تزيد على 2000 كيلومتر عن موقع الإطلاق.
في الواقع، يتدرب الحرس الثوري الإيراني بشكل متزايد على تكتيكات الأسراب والعمليات المتزامنة، وفي تدريب تم في مارس 2019 على سبيل المثال، أطلقت المسيّرات في سرب لضرب 50 هدفًا في وقت واحد، وتؤدّي المسيّرات والصواريخ الإيرانية التي تتطور تقنيًّا دورا مهما يومًا بعد يوم، فحينما تصدر إيران تكنولوجيا مسيّراتها وصواريخها إلى حلفائها فإنها تعزز العلاقة معهم، كما أنها تحسن من قدراتهم على مواجهة "أعداء إيران".
ورغم أن إيران لم تكن تاريخيًّا حاضنة للتكنولوجيا الجديدة، فإنها كانت دائمًا سريعة في تبنيها، يظهر ذلك بوضوح في نمط تطور مشروعها للمسيّرات، وفي سياق مشاريع الصواريخ التي تخدم جميعها حرب إيران غير المتكافئة، لكن حتى اللحظة، لا تزال قدرات تلك التقنيات بحاجة إلى تطوير للوصول إلى قدرات المنافسين.
إلا أن تسارع الخطوات الإيرانية في سياق ضغط اقتصادي امتد لعقود يعطي انطباعًا بأن المستقبل ليس محسومًا كما يظن بعض المخططون الإستراتيجيون الغربيون، الذين ظنوا أن المسيّرات ليست إلا بديل إيران الرخيص عن أسطول طائراتها القديمة الطراز ثم تبين فيما بعد أنها تخوض حربا بإستراتيجية مختلفة كليًّا عما عهده العالم، توجد المسيّرات في صدارتها.