الوقت- في خطوةٍ تعكس هشاشة الموقف العربي أمام تعنت الاحتلال الإسرائيلي، منعت السلطات الإسرائيلية وفدًا وزاريًا عربيًا رفيع المستوى من دخول الضفة الغربية للقاء الرئيس الفلسطيني محمود عباس، ما اضطر الوفد إلى عقد الاجتماع عبر تقنية الاتصال المرئي، كان من المقرر أن يزور الوفد رام الله انطلاقًا من العاصمة الأردنية عمّان يوم الأحد الأول من يونيو 2025، ضمن مساعٍ دبلوماسية عربية لبحث تطورات الحرب المستمرة في قطاع غزة، والدفع باتجاه وقف لإطلاق النار، وإحياء المسار السياسي للقضية الفلسطينية.
الوفد الوزاري يمثل اللجنة المنبثقة عن القمة العربية الإسلامية الاستثنائية المشتركة، ويضم وزراء خارجية كل من السعودية والأردن ومصر وقطر والإمارات والبحرين، قرار المنع الإسرائيلي جاء ليؤكد، من وجهة نظر العديد من المراقبين، رفض حكومة الاحتلال الحالية الانخراط مع المبادرات العربية الرامية إلى التهدئة.
الرئيس الفلسطيني محمود عباس عبّر خلال الاجتماع الافتراضي عن أسفه لقرار المنع، معتبرًا أنه يُظهر إصرار "إسرائيل" على عرقلة أي جهد عربي أو دولي يسعى لإنهاء العدوان على غزة، آملاً في أن تُتاح فرصة قريبة للوفد لزيارة الأراضي الفلسطينية بشكل مباشر.
وزير الخارجية السعودي الأمير فيصل بن فرحان وصف الموقف الإسرائيلي بأنه تأكيد على التطرف والعنجهية السياسية، مؤكّدًا أن هذه السلوكيات لن تُثني الدول العربية عن مواصلة جهودها الدبلوماسية في المحافل الدولية لمواجهة التصعيد الإسرائيلي.
وأضاف إن الاجتماع مع الرئيس الفلسطيني كان شاملاً ومثمرًا، حيث تم بحث مختلف القضايا وعلى رأسها سبل الوصول إلى وقف دائم لإطلاق النار، وتسهيل دخول المساعدات الإنسانية، وضمان انسحاب قوات الاحتلال الإسرائيلي من قطاع غزة، كما شدد الوزير السعودي على أهمية دعم السلطة الفلسطينية باعتبارها الطرف العقلاني في معادلة الصراع.
بدوره، قال وزير الخارجية الأردني أيمن الصفدي إن القرار الإسرائيلي بمنع دخول الوفد يعكس بوضوح سياسات الغطرسة والتطرف التي تنتهجها الحكومة الحالية، مؤكدًا التزام بلاده بالعمل من أجل سلام عادل وشامل، رغم العقبات المتزايدة. وأشار إلى أن الممارسات الإسرائيلية تقوّض فرص الحل السياسي وتُعد انتهاكًا للقانون الدولي والقانون الإنساني، مضيفًا إن استمرار الاستيطان والإجراءات الأحادية من شأنها أن تجعل حل الدولتين شبه مستحيل.
من جهته، أكد وزير الخارجية المصري بدر عبد العاطي أن مصر ترفض بشكل قاطع القرار الإسرائيلي، وتُدين السلوك التعطيلي الذي يعيق جهود التواصل مع القيادة الفلسطينية، كما شدد على أن مصر والأردن ستتصديان بكل حزم لأي محاولات لتهجير الفلسطينيين من أراضيهم، لافتًا إلى أن سياسة التجويع التي تُمارسها دولة الاحتلال في قطاع غزة تمثل انتهاكًا صارخًا لأبسط مبادئ حقوق الإنسان.
أما وزير الخارجية البحريني عبداللطيف الزياني، فأكد أن بلاده ستواصل جهودها داخل مجلس الأمن الدولي لحشد الدعم للاعتراف بدولة فلسطين، وتشجيع المجتمع الدولي على إنهاء الاحتلال ووقف العدوان، كما التقى الوفد العربي بالعاهل الأردني الملك عبد الله الثاني في قصر الحسينية بعمان، حيث جرى التأكيد على أهمية مواصلة تنسيق الجهود مع القوى الفاعلة دوليًا لحشد دعم سياسي وإنساني يفضي إلى وقف المأساة الجارية في غزة، ويفتح أفقًا جديًا لعملية السلام.
التطورات الأخيرة تأتي في ظل استمرار العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة منذ السابع من أكتوبر 2023، في أعقاب عملية عسكرية شنتها حركة المقاومة الإسلامية (حماس) في جنوب "إسرائيل"، أسفرت، حسب الرواية الإسرائيلية، عن مقتل نحو 1200 شخص واحتجاز عشرات الرهائن، وردًا على ذلك، شنت "إسرائيل" واحدة من أعنف العمليات العسكرية في تاريخها، أودت بحياة أكثر من 54 ألف فلسطيني، وتسببت بإصابة ما يزيد على 120 ألفًا، إضافة إلى تدمير واسع للبنية التحتية في القطاع، وفق بيانات وزارة الصحة في غزة.
قرار الاحتلال الإسرائيلي منع الوفد العربي من زيارة الضفة يُمثّل رسالة سياسية واضحة مفادها رفض أي انخراط عربي مباشر في القضية الفلسطينية، كما يضع علامات استفهام حول مدى جدية "إسرائيل" في التعامل مع المبادرات السياسية العربية والدولية، ولا سيما في ظل التحضيرات الجارية لعقد مؤتمر دولي للسلام في نيويورك خلال النصف الثاني من يونيو الجاري، بدعوة من الأمم المتحدة.
الرد العربي، رغم العراقيل، أظهر تماسكًا ملحوظًا في دعم القيادة الفلسطينية والتمسك بخيار الحل السياسي القائم على أساس حل الدولتين، مع التأكيد على ضرورة وقف إطلاق النار بشكل فوري، وتأمين الممرات الإنسانية، وإعادة إعمار ما دمرته آلة الحرب الإسرائيلية، ويجمع المحللون على أن التصرف الإسرائيلي يكشف توجهًا استراتيجيًا رافضًا لأي تدخل خارجي، حتى لو كان عبر أطراف عربية يُفترض أنها معتدلة، وهو ما ينذر بمزيد من العزلة السياسية للكيان في المنطقة.
في ظل هذا المشهد المعقد، يبقى الرهان على تفعيل الضغط الدولي السياسي والقانوني، ودفع الدول الكبرى إلى اتخاذ مواقف أكثر حزمًا تجاه "إسرائيل"، كما يُمثل مؤتمر نيويورك المقبل اختبارًا حقيقيًا للمجتمع الدولي، وفرصة للدول العربية لإعادة طرح رؤيتها لحل شامل وعادل، يستند إلى القرارات الأممية، ويضمن للفلسطينيين حقهم المشروع في إقامة دولتهم المستقلة، وعاصمتها القدس.
إن المشهد الدبلوماسي العربي الأخير، على الرغم من عرقلته، يعكس إدراكًا جماعيًا بضرورة ملء الفراغ السياسي الذي خلفه انسداد الأفق التفاوضي، ويؤكد في الوقت ذاته على مركزية القضية الفلسطينية في الوجدان العربي، مهما طال أمد الصراع.