الوقت- بعد قطع العلاقات الدبلوماسية وإقفال الحدود البرية والبحرية والجوية، ورفع سقف التوتر الإعلامي إلى مستوى إعلان حرب على دولة قطر يبقى السؤال الأهم إلى أين ستصل هذه الخطوات وهل خيار التدخل العسكري مطروح بجدية اليوم من قبل السعودية، إضافة إلى مدى تأثير كل هذه الخطوات على الواقع القطري؟
بالعودة إلى التدهور السريع والدراماتيكي للعلاقات، وما أقدمت عليه السعودية ومن خلفها الإمارات وبعض الدول الأخرى، فإن المتابع للمشهد قد يعتقد أن الحرب باتت على الأبواب، خاصة وسط قرع طبول الحرب من قبل الأبواق الإعلامية التابعة للسعودية وأتباعها، في استمرار لحملة إعلامية بدأت منذ أيام وبلغت أشدها البارحة مع الإعلان عن قطع العلاقات، هذا الأمر قوبل قطريا بداية الأمر بالسعي للتهدئة الإعلامية بالإضافة إلى بث برامج للدفاع عن الموقف القطري، لينتهي البارحة بإعلان بداية الهجوم المعاكس على السعودية وأتباعها من قبل الأسطول الإعلامي القطري وعلى رأسه قناة الجزيرة.
حصار اقتصادي هش
الخطوات الأخرى التي بدأت بتنفيذها السعودية تتسم بطابع الضغوطات الاقتصادية بعد السياسية، فعلى الرغم من المحاولات المستمرة كويتيا لحل الأزمة إلا أن خطوات الحصار الاقتصادي والمالي بدأت تتفاعل تباعا، حيث وبعد فرض الحصار البري والبحري والجوي على قطر بدأت البنوك السعودية والإماراتية والمصرية بقطع ارتباطاتها مع البنوك القطرية، وهذا الأمر انعكس على بنوك أخرى تابعة لهذه البنوك في دول كسريلانكا وجزر المالديف وغيرها، حيث امتنعت عن التعامل بالريال القطري. إلا أن التأثير يبقى محدودا جدا بسبب هشاشة هذا الحصار أمام شبكة العلاقات الاقتصادية والمالية التي شكلتها قطر خلال السنوات الماضي.
الحديث عن انقلاب قريب في الداخل القطري
لم تتوقف الأمور عند هذا الحد، بل إن التجييش الإعلامي السعودي والإماراتي وحتى المصري، وصل إلى حد نقل صحف سعودية أخبار عن انقلاب داخل عائلة آل ثاني الحاكمة في قطر، في مقابل تقارير مصرية عن لقاءات جمعت المعارضة القطرية في الخارج تمهيدا لتأليف حكومة انتقالية. طبعا لكل من مصر والسعودية والإمارات غاياتها من هذه الحرب المفتوحة على قطر، ويخطأ من يعتقد أن الإمارات وحتى مصر تابعة للسعودية في الموضوع القطري، بل إن لكل منهم هدفه وغاياته، فمصر والإمارات تعادي القطري لسبب رئيسي وهو دعم قطر للأخوان المسلمين في العالم. على كل حال فإن هذه المؤشرات إضافة إلى تحليلات شخصيات إعلامية مرموقة في العالم العربي تؤكد أن التوتر لن يقف عند هذا الحد.
حيث تحدث عبد الباري عطوان اليوم عن تجهيز سعودي لغزو قطر عسكريا، فيما تحدث أنور عشقي المسؤول الأمني المقرب من دوائر القرار السعودي حول طريقين لقطر لحل أزمتها وعودتها إلى ما سماه الحظيرة العربية، وهي إما التوجه لأمريكا أو لروسيا للتوسط لها لدى الدول الخليجية ولضمان ترك دعمها للإرهاب.
الموقف الدولي والاقليمي
بعد هذه القراءات التي تؤكد جميعها استعداد السعودية لخوض مغامرة جديدة في قطر بعد اليمن، يجب المرور على موقف القوى العالمية والإقليمية المؤثرة لنستطيع تكوين صورة كاملة عن حقيقة إمكانية تحقيق هذه المنية السعودية الإماراتية. والقوى المؤثرة اليوم على هذا القرار هي إضافة إلى أمريكا، روسيا وتركيا ناهيك عن التأثير الحتمي للموقف الإيراني.
الموقف الأمريكي أتى رماديا، فالمتحدث باسم البنتاغون أكد استمرار الطلعات الجوية من قاعدة العديد القطرية، فيما دعا وزير الخارجية ريك تيلرسون إلى حل المشاكل عبر الحوار. موقف يقرأ منه ضوء أخضر للتوتير دون التخلي عن الحلف مع قطر، أي على الطريقة الترامبية ابتزاز جميع الأطراف.
الموقف الروسي أيضا جاء رماديا، حيث اعتبر وزير الخارجية أن ما يحصل شأن داخلي عربي متمنيا أن لا يؤثر على جوهر نية مكافحة الإرهاب.
وفي مقابل هذا أتى الخطاب التركي محذرا من خطر العبث في أمن المنطقة، فيما أعلنت إيران استعدادها لتزويد قطر بالسلع وفتحت أجواءها لطيرانها، والأهم من ذلك التنسيق من أجل اجتماع إيراني عراقي تركي في بغداد حول الأزمة القطرية، وهذا الأمر يشكل رسالة قوية من أطراف مؤثرة وقوية في المنطقة بأن لا تتطاول السعودية وتعتبر المنطقة مسرحا لها بسبب جرع الدعم الأمريكية الفارغة.
إذا نعم هي أزمة ليست كسابقاتها من حيث مستواها، ولكن ورغم النية التي قد تكون لدى بن سلمان وبن زايد على وجه الخصوص لاستخدام الخيار العسكري، إلا أن هناك الكثير من العوائق التي تواجهه. لذلك لن يجد وسيلة سوى أسلوب الضغط أكثر على قطر بحيث قد يُتخذ قرار إخراج قطر من مجلس التعاون ولكن هذا لن يحل المشكلة ولن يوصلهم إلى ما يريدون. خاصة أن هذا المجلس الذي يتشكل من 6 دول يحوي دولتين غير قطر لا تتماهى مع الموقف السعودي أي الكويت وعُمان.
بناء على ما تقدم، ستثبت الأيام القادمة للسعودية أنها أقحمت نفسها في ورطة لم تكن بحاجتها، فالحلف الذي شكلته في مواجهة قطر لن يتعدى الدول الستة التي أعلنت منذ البارحة انخراطها فيه، دول ثلاثة منها أشباه دول وثلاث لا يجتمعون على الهدف نفسه. في مقابل رفض عربي وإسلامي وعالمي لقطع العلاقات مع دولة قطر، وبالتالي فإن هذا الحصار الذي بدأوه ستفشل أهدافه ويبقى منه الورطة السعودية التي ستطلب مخرجا منه فلا تجده.