الوقت- "الجيش الذي لا يقهر"، عبارةٌ لطالما أرعبت دولاً و أهبطت عزيمة جيوش. جيش هزم جيوشاً عربية في جولات من حرب ما انتهت يوما مع كيان الاحتلال، إنه الجيش "الاسرائيلي"، جيش كان في أوْجِ قوته في سنوات مضت، اما اليوم فهو يغيّر تكتيكاته، يعدّل على استراتيجيته القتالية، ويترك سياسة الهجوم، معتمدا اساليب دفاعية، بعد تنامي قدرات اعدائه، وقرارات سياسية لقيادة ادخلته في مستنقعات لم يستطع الخروج منها، فلماذا انتقل الى الاستراتيجية الدفاعية؟ وكيف تنظر اوساط الكيان الى القيادة السياسة في الاوضاع الراهنة؟
من الاستراتيجية الهجومية الى الدفاعية
معارك الجيش الإسرائيلي السابقة كانت قد اثبتت جدوى استراتيجيته العسكرية، التي تحتلّ مساحة واسعة من الإستراتيجية العليا للدولة، المسكونة بهاجس الأمن، فقد حقق عبرها تفوّقًا نوعيًا في أغلب منازلاته ضدّ الجيوش العربية. وكان دائمًا يضع نصب عينيه، ضرورة حسم الحرب بالسرعة القصوى، لأنّه بحسب وصف الكاتب الفرنسي جاك بينودي: "جيش طويل الباع، لكنّه قصير النفس". ومردّ قصر النفس يعود إلى خصائص الكيان الصهيوني، التي حوّلته إلى مجتمع إسبارطي جميع أفراده محاربون، ليتناسق مع شعار، مؤسس الكيان، "ديفيد بن غوريون" كل الشعب جيش.
أما في الآونة الأخيرة فقد اصبح معلوماً ان المعركة بين االكيان الصهيوني ولبنان لن تقتصر فقط على الاراضي اللبنانية. وعلى الحدود مع جنوب لبنان، تظهر أهم معالم معادلات المواجهة المقبلة، التي بات يسلم فيها قادة كيان العدو السياسيون والعسكريون، الذين يعلمون ان نقل المعركة إلى «أراضيه» لن يقتصر على الصواريخ، بل يشمل أيضاً «أقدام» المقاومين التي ستطأ مستوطناته ونقاطه العسكرية.
في المقابل، وكما عمدت إسرائيل إلى تطوير منظومات اعتراض لمواجهة صواريخ حزب الله، تحاول عرقلة توغل مقاوميه في الجليل، عبر تشييد منظومات «اعتراض» جغرافية طبيعية واصطناعية. من هنا فإن مشهد التضاريس وتعزيز خطوط الدفاع الإسرائيلية، هو في الواقع ترجمة تكتيكية -عملانية لقرارات وسياسات جسَّدت حجم التبدل الذي طال العقيدة العسكرية لجيش العدو، في مواجهة المواقف والخيارات العملانية التي يتبناها حزب الله في المواجهة المفترضة.
وتأتي زيادة نسبة الأعمال على خلفية كلام الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله حول سيطرة المقاومة في أي حرب قادمة مع العدو على الجليل (شمال فلسطين المحتلة)، وذلك في محاولة من جيش العدو لضبط الحدود قدر الامكان مع الاشارة الى عدم حفر او وضع موانع عند بعض المستعمرات التي يمكن العمل عليها من قبل قوات العدو بشكل منسق بحيث يستعملها العدو لإستدراج مجاهدي المقاومة الإسلامية لداخلها والإنقضاض عليهم.
ضعف القيادة السياسية وصراع أجهزة الاسـتخبارات
نقلا عن صحيفة الوصال الاخبارية، يشهد كيان الاحتلال أخيراً جدلاً واسعاً حول غياب القيادة الحكيمة والقوية التي تقود الدولة، من غير أن تنحرف عن يهوديتها وصهيونيتها، حيث دق العديد من كتاب الأعمدة في الصحف "الإسرائيلية" ناقوس الخطر، إزاء هذه الظاهرة التي يشهدها الكيان في العقدين الأخيرين، في مقابل ضعف الجيش وتراجع هيبته، وهزائمه وإخفاقاته المتكررة، في لبنان وغزة، إضافة إلى تغلغل أجهزة الاستخبارات الإسرائيلية الخمسة في تفاصيل المجتمع الإسرائيلي، واتساع تأثيرها في صنع القرار بشكل سلبي، بسبب ضعف القيادات السياسية وغياب القادة التاريخيين للكيان.
وقد أدت هذه الظاهرة، وفقاً لمحللين سياسيين وأمنيين "إسرائيليين"، إلى إيجاد العديد من الثغرات والخلل في عملية اتخاذ القرارات الاستراتيجية والمصيرية، التي تتعلق بالحروب والعمليات العسكرية، ما أدى إلى هزائم وإخفاقات عسكرية وسياسية وأمنية، كان يمكن "لإسرائيل" تجنبها. وقد انعكست هذه الهزائم والإخفافات على المجالات الاجتماعية والدينية والسياسية والثقافية، وأثرت في واقع اليهود بفلسطين.
ارجع الكاتب الصهيوني المتطرف "يحزقئيل درور" هذه الظاهرة إلى التحلل الديني والتراثي والأخلاقي لدى القيادات اليهودية في إسرائيل، وتفرغها لتحقيق المكاسب السياسية والحزبية من منطلق شخصي، على حساب الأجيال والأيديولوجية اليهودية الصهيونية.
الجدير ذكره، أن موقع روتر نت ذكر نقلاً عن Global Firepower Index المتخصص بتصنيف قوة الجيوش، في تقريره السنوي لهذا العام ان الجيش "الإسرائيلي" حلّ في المرتبة الخامسة عشر عالميا، بعد ان كان في المرتبة الحادية عشر في العام 2014. مما يظهر بوضوح تراجعا من مكانة جيش الاحتلال عالمياً، وهذا امر غير مستغرب من جيش يمتلك قيادة سياسية كهذه.