الوقت- بعد وصوله الى السلطة في العام 2002 استطاع حزب العدالة و التنمية معتمدا على دوره المتنامي في المنطقة أن يرسم سياسة خارجية متعددة الأوجه بعلامة تركية، حيث ان تركيا استطاعت في العقد الاول من القرن الحالي أن تعزز مكانتها كوسيط اقليمي، الا انها لم تستمر على هذا المنوال، فظهور الصحوة الاسلامية في العام 2011 جعلها تتعامل مع جيرانها في الشرق الاوسط بسياسة اكثر تدخلية وعدوانية. وفي السنوات التالية اصبحت مكانتها في المنطقة على حافة الانهيار. في الواقع ان حزب العدالة والتنمية خسر تعويله على الاسلاميين المحيطين به و الذين يمسكون بزمام السلطة، و بعدها سرعان ما خسر الكثير من رأسماله الجيوسياسي.
رغم ان النظرة الاستراتيجية للسياسيين الاتراك و على رأسهم رئيس الوزراء الاسبق داوود اوغلو كانت ان على انقرة توظيف علاقات اقتصادية وثيقة مع جميع حكومات المنطقة، و ذلك لحفظ مكانتها بين شعوب تلك المناطق. لكن فجأة وبعد هبوب رياح التغيير، كان لزاما على تركيا بناءا على مصالح طويلة الامد، ان تدعم الاحزاب الاسلامية التي كانت في الطريق الى السلطة، كما انها كانت تدعمهم سابقا.
هكذا ومع بداية المرحلة الانتقالية في الشرق الاوسط في العام 2011 والاطاحة بنظام بن علي في تونس، ومبارك في مصر على يد الاسلاميين تبدل دور انقرة الى داعم لتعزيز الاسلام السياسي في المنطقة وذلك لكي تستفيد من اقتدار الاسلاميين في دول متعددة، و تحقق رغبة اردوغان القديمة في اعادة تاسيس الدولة العثمانية. ولكن سرعان ما اصبح واضحا امام انقرة ان تركيا عاجزة عن فرض هيمنتها في المنطقة، و بعبارة اخرى ان السياسة الخارجية التي تطمح اليها انقرة باتت الى زوال، وفكرتها بعدم ايجاد اي توتر مع جيرانها الذين كانوا يلعبون اهم ادوار في المنطقة اوائل العام 2011 اصبحت سرابا. وتم التخلي بطريقة مريرة عن الآمال الدولية على انقرة لتوجيه انظمة الحكم الجديدة نحو التجدد.
بالتالي فان سياسات انقرة السابقة القائمة على العرقية وعدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول المجاورة افلت بسرعة، وما يحصل في سوريا هو خير دليل على انتهاء هذا الأسلوب. فتركيا لم تكتف فقط بمعارضة الاسد حليفها السابق، بل سهلت امام الاخوان المسلمين ليصبحوا لاعبا سياسيا في سوريا.
ان انقرة التي ساندت الجيش السوري الحر الى جانب قطر و المملكه العربية السعودية، كانت تميل الى الاخوان المسلمين وبالتالي اصبحت طرفا اساسيا في الحرب الداخلية على ارض جارتها. وان وقوفها في صف واحد مع الحكومات الاستبدادية القطرية و السعودية يضع علامة استفهام جدية حول ادعائها ان هدفها هو تحقيق الديمقراطية في سوريا.
ان الدولة التركية لتعجيلها في اطاحة النظام السوري اغلقت اعينها عن الاقدامات الخطرة التي تقوم بها التيارات المتطرفة والتي كانت تمر بدون اي عوائق من الحدود، هؤلاء المتشددين يصلون الى الاراضي السورية عبر الحدود التركية السورية، او ما يسمى بالطريق السريع للارهاب. لكن تبعات هذه الحرب كانت اكبر من توقعات الاتراك و اوقعتهم في فخ الطائفية، فأصبحت تركيا تعرف بزعيم السنة في المنطقة. وايضا مع زيادة التحركات العسكرية في سوريا و فشل تركيا في اقناع حلفائها بالتدخل، ظهرت فجوة عميقة بين طموحات انقرة و قدراتها.
ان الأولويات الجديدة في السياسة الخارجية التركية بعد العام 2011، ليس فقط في سوريا بل في مصر و مختلف الدول ايضا قد بهتت، فالسياسات الشرق أوسطية لحزب العدالة والتنمية تعارضت مع المصالح الجيوسياسية التقليدية للدولة التركية مما ادى الى الابتعاد عن سياسة أنقرة السابقة في المنطقة والتي كانت تعمل تحت قيادة اردوغان و اللجوء الى المناهج الايديولوجية لتوجيه السياسة. وان توسعة الجغرافيا السياسية التركية في السنوات الأخيرة، تبطل خطابها السطحي عن الديمقراطية، ومن علامات ذلك التعامل الغير ديمقراطي في الداخل التركي ومساعدتها ايضا لقوات غير ديمقراطية في المنطقة وخصوصا في سوريا والعراق.
ان هذا الاسلوب التركي ادى الى تشويه سمعتها امام الدول الاوروبية، وضرب سياسة عدم ايجاد اي توتر مع الدول المجاورة، التي كانت تعتمدها تركيا، و ادى ايضا الى خسارة الثقة بأنقرة و عرقل الطريق امام حكومة اردوغان الساعية للانضمام الى الاتحاد الاوروبي. لذلك فان هذا الاسلوب ادخل تركيا في طريق لا عودة فيها وغير معروفة نهايتها.