الوقت- مع إطلالة شهر رجب الأغر، وما يحمله هذا الشهر من معانٍ وقيم ومناسبات اسلامية، وفي الاجواء التي يعيشها عالمنا الاسلامي من محن واعتداءات، يؤسف على بعضها انها قامت باسم الدين لتقضي على البشر والحجر ولتدمر الحضارة والقيم بما فيها الدينية والاسلامية، وتشرد الاطفال وتقتل الشيوخ والرجال والنساء، مع كل هذه المآسي يحتل صدارة المشهد العدوان السعودي الوهابي الامریكي على اليمن، والذي اكثر ما يؤسف منه هو انه اعتداء على شعب مسلم مظلوم انتفض مطالبا بحقوقه المشروعة وهو ما يثير غضب بعض الدول التي لا تريد في هذه المنطقة شعوبا احرار بل خاضعين متآمرين مستسلمين.
وفي هذا الاطار تكثر التحليلات والدراسات السياسية التي غالبا ما تكون مبنية على موازين مصالح ومنافع الدول. في هذه الدراسة سنركز البحث عن الجانب الانساني الشرعي وخاصة ان السعودية أعلنت في حربها على اليمن انها دفاع عن الدين، وهنا يطرح السؤال نفسه اي دفاع عن الدين أباح للسعودية قتل الشعب اليمني!!! واين هذه الحرب من الدين الذي حرم القتال في الشهر الحرام!!!
إن احترام الأشهر الحرام الاربعة (القعدة وذو الحجة والمحرم ورجب) كان متبعًا منذ أيام الجاهلية ولم يأت بها الاسلام، وإنما صادق عليها حيث كانت متبعة في شريعة النبي إبراهيم عليه السلام. وفي هذه الاشهر يحرم الصيد وقتل النفس كما أن في هذه الاشهر المحرمة يتضاعف عقاب الاثام والمعاصي. واحترام هذه الأشهر هو فرض على جميع المسلمين ومن يسمي نفسه مسلما حيث لا يمكن أن يجتزأ من الشريعة ما يعجبه ويترك ما لا يعجبه بما يتوافق مع اهوائه.
ويحدثنا التاريخ بأن في عهد الجاهلية ايضاً كانت العرب عندما تخوض الحروب بينهم ويتصادف ذلك مع الاشهر الحرام، كانوا يوقفون القتال لحين انتهاء هذه الشهور ومن ثم يواصلون القتال. لكن هذه الايام ثمة فئة تدعي حماية الدين الإسلامي والشريعة والمسلمون يخوضون حرباً ليس ضد أعداء الاسلام وإنما ضد شعب مسلم ومغلوب على أمره نخرته ويلات الانظمة السياسية الفاسقة على مر الزمن.
حرمة القتال من الكتاب والسنة:
-1 في تحديد الاشهر الحرم يقول الله في محكم كتابه العزيز الآية 36 من سورة التوبة:
(إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِندَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ۚ ذَٰلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ ۚ فَلَا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنفُسَكُمْ ۚ وَقَاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً كَمَا يُقَاتِلُونَكُمْ كَافَّةً ۚ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ).
-2 لقد اتفق المسلمون بكافة مذاهبهم وآرائهم على حرمة القتال في الأشهر الحرم مستدلين بذلك من الكتاب والسنة والاحاديث التي وردت عن الثقات ممن نقلوا وهو ما فاضت الكتب الإسلامية حوله من دون اختلاف في الرأي. والآية الشريفة من سورة البقرة_217 واضحة المفاد ولا تقبل التأويل والتفسيير لغير معناها الواضح. يقول الباري عز وجل:
((يَسْأَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ قُلْ قِتَالٌ فِيهِ كَبِيرٌ وَصَدٌّ عَن سَبِيلِ اللّهِ وَكُفْرٌ بِهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَإِخْرَاجُ أَهْلِهِ مِنْهُ أَكْبَرُ عِندَ اللّهِ وَالْفِتْنَةُ أَكْبَرُ مِنَ الْقَتْلِ وَلاَ يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّىَ يَرُدُّوكُمْ عَن دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُواْ وَمَن يَرْتَدِدْ مِنكُمْ عَن دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُوْلَـئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَأُوْلَـئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ ((البقرة 217)).
هذه الآية نزلت بسبب خطأ وقع فيه عبد الله بن جحش وأصحابه حينما بعثهم رسول الله (ص) إلى نخلة، وهو موضع بين مكة والطائف يتحسسون له أخبار قريش ولم يأمرهم بالقتال. إلا أنهم لما نزلوا نخلة مرت بهم عير لقريش تحمل زبيباً وأدما وتجارة وفيها عمرو بن الحضرمي ومعه ثلاثة نفر فقتلوا عمرو بن الحضرمي، وأسروا اثنين، وفر الرابع، واستاقوا الأسيرين والعير حتى قدموا المدينة، فلما رآهم رسول الله (ص) أنكر عليهم قائلاً: ما أمرتكم بقتال في الشهر الحرام. ومع الخطورة التي كان يشكلها عمرو بن الخضرمي على المسلمين الا ان الرسول أنكر على اصحابه ما قاموا به، فكيف بيومنا هذا اذا الامر العكس فالسعودية هي المعتدي والشعب اليمني هو المعتدى عليه وهو أمرّ وأدهى.
-3 ومن الاحاديث التي أجمع عليها اهل الحديث ووردت في الكتب المعتبرة وهي موضع القبول، ما ورد عن جابر نقلا عن رسول الله (ص): (لم يكن النبي صلى الله عليه وآله وسلم يبتدأ القتال في الشهر الحرام.-إسناده صحيح :أخرجه أحمد في مسنده، مسند المكثرین من الصحابة، مسند جابر بن عبد الله (14623)، والطحاوي في مشكل الآثار (11/ 31) برقم (4261 )-.
هذه الآيات القرآنية الواضحة التي أجمع على تفسيرها اهل النقل والحديث، تجمع على حرمة القتال في الأشهر الحرم فكيف بالحال اذا ما كانت الحرب اعتداءً على الشعب اليمني المظلوم. وتفيض الأدلة على ذلك لکننا نذكر بعضها للاختصار:
- السعودية هي من أعلن الحرب على الشعب اليمني، وفي المقابل كل ما طالب به الشعب اليمني هو الحد الأدنى من حقوقه المشروعة.
- ارتكب عدوان آل سعود الآثم جرائم إبادة جماعية بحق المدنيين الابرياء، وعمد على تدمير المنشآت الخدماتية والاقتصادية وحتى التراثية والمستشقيات والمدارس، وفي مقابل ذلك بالكاد يستطيع الشعب اليمني لملمة جراحه ومعالجة المصابين. بل ان الطائرات السعودية منعت طائرات المساعدات من الدول التي تطمح بتقديم مساعدات طبية وغذائية.
- الشعب اليمني فتح الأبواب امام كل الحلول المعروضة بل وقدم الكثير من التطمينات للدول المجاورة، ولکن في المقابل رفضت السعودية وأغلقت كل ابواب الحلول المتاحة.
والأدلة كثيرة ولكن تبقى نافذة أمل فالقطار لما يفت بعد امام آل سعود للعودة الى حيث يجب ان تكون. ففي هذا الشهر الحرام اي شهر رجب المعظم ينبغي لآل سعود أن يثبتوا التزامهم بما يدعونه في تطبيق التعاليم الاسلامية وأن يتركوا جانب الزيف الذي يغطي كل ادعاءاتهم وأن يحترموا التعاليم في هذا الشهر وأن يوقفوا الاعتداء على اليمن وأن يعملوا على وقفه نهائياً، وعندها يمكن تصديق ما يدعيه آل سعود في حماية الشعب اليمني المسلم.
ثم إن حماية الشعب اليمني تتم عبر توفير الاستقرار والامان له، وليس من خلال القصف والقتل والدمار في الاشهر الحرام. فيا ترى هل آل سعود جاهزون لإثبات صدقيتهم المفقودة في حماية الشعب اليمني المسلم من خلال وقف الحرب في شهر رجب المرجب؟