الوقت- في خضم التوتر الذي صاحب بداية العهد الأمريكي الجديد، ظهرت علامات الحنين الأمريكي نحو علاقة أكثر تميُّزاً مع تركيا. حنينٌ تُصاحبه براغماتية معهودة، لكنها اليوم مدروسة. فالإدارة الأمريكية الجديدة قادرة على إيجاد مُبررات إعادة الطرف التركي الى الحاضنة الأمريكية بسهولة كونها لا تخجل في تقديم نفسها على أنها تُناقض الإدارة السابقة. وهو الأمر الذي بدا ظاهراً في سلوك ترامب، تجاه روسيا وإيران. فماذا في التطور الجديد في العلاقة التركية الأمريكية؟ وكيف سارت العلاقة من الإدارة السابقة الى الحالية؟ وما هي الحقائق المهمة حول مخاوف تركيا أمام الأهداف الأمريكية؟
ترامب يهاتف أردوغان: شراكة استراتيجية!
أكد الرئيس الأمريكي دونالد ترامب دعم أمريكا لتركيا كشريكٍ استراتيجي وحليفٍ في حلف شمال الأطلسي، وذلك خلال محادثة هاتفية مع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان. فيما التزم الطرفان بمكافحة الإرهاب في كل صوره.
تركيا تُلمِّح: مطالب قد تجعل العلاقة أفضل!
أشار رئيس الوزراء التركي بن علي يلدريم إنه لا توجد حاجة للتشاؤم بخصوص العلاقات بين أنقرة وواشنطن في ظل حكم الرئيس الأمريكي الجديد دونالد ترامب، مضيفاً أن هناك مؤشرات إيجابية من جانب الإدارة الجديدة. وأوضح يلدريم أن بلاده تترقب ما ستفعله واشنطن حيال مطالبة أنقرة بتسليم فتح الله غولن وإنهاء تحالف واشنطن مع حزب الإتحاد الديمقراطي الكردي في سوريا. مُنتقداً إمداد أمريكا لحزب الإتحاد الديمقراطي الكردي بالدعم العسكري.
أمريكا وإدارة التناقض بين تركيا والأكراد
خرجت صحيفة "نيويورك تايمز" لتفضح التناقض الأمريكي بناءاً لمقترحات قدمها مساعد وزير الخارجية الأمريكي السابق "أنتوني بلينكين"، حول العلاقة الأمريكية بالأحزاب الكردية في سوريا. حيث خرجت هذه الحقائق منذ فترة قصيرة، ونشرتها الصحيفة، ضمن الحديث عن مسار التحوُّل الأمريكي في العلاقة مع أنقرة.
وفي المقترح، دافع بلينكين عن آرائه في ضرورة تسليح حزب الإتحاد الديمقراطي الكردي لمواجهة تنظيم داعش في مدينة الرقة حيث توجد نية أمريكية جدية للقضاء على التنظيم بحسب المقال. وهو ما أكدته خطوة أوباما الذي قدَّم تقريراً شاملاً لخلفه دونالد ترامب، قبل ثلاثة أيام من مغادرته البيت الأبيض، حول موضوع تسليح الحزب الديمقراطي الكردي. فيما تضمَّن المُقترح تفصيلاً مهماً يتحدث عن إمكانية فصل حزب الإتحاد الديمقراطي عن حزب العمال الكردستاني، وذلك إرضاءاً لتركيا، كما يمكن تسليم أحد زعماء حزب العمال الكردستاني في جبال قنديل للحكومة التركية.
العلاقة بين أنقرة وواشنطن: توترٌ مع الإدارة الديمقراطية ولكن!
لقد كانت الفترة الثانية لرئاسة أوباما كارثية بكل المقاييس على العلاقة الأمريكية التركية بحسب الخبراء التركيين. حيث تعتبر أنقرة أن سياسة واشنطن كانت سلبية وتُناقض المصالح التركية، خصوصاً عبر دعم الفصائل الكردية المُسلحة في سوريا والمصنفة على قوائم الإرهاب التركية، ثم الضلوع الأمريكي والدور المشبوه في الإنقلاب الفاشل في تموز 2016 ورفض إدارة أوباما اعتقال "فتح الله غولن" وتسليمه لأنقرة. كل هذه العوامل، دفعت تركيا لإنتظار نتائج الإنتخابات الأمريكية، مع اتباع سياسة الحذر الشديد تجاه هيلاري كلينتون والتي كانت ستُشكِّل امتداداً لحقبة أوباما باعتبارها مرشحة الحزب الديمقراطي، وكونها روَّجت لانتهاج سياسة خارجية لا تبتعد كثيراً عما خطه أوباما في سنواته الأخيرة.
تركيا مع ترامب: استبشار خيرٍ ولكن!
خرجت بعضُ التصريحات التي أطلقها ترامب خلال الحملة الإنتخابية والتي أشاد فيها بتركيا ودورها في سوريا، ودعمه لها في مواجهة الإنقلاب الفاشل والكيان الموازي، وإطلاقه وعود بتشكيل مناطق آمنة في سوريا، وتأكيده على أهمية حلفاء واشنطن التقليديين. الأمر الذي دفع تركيا للتعبير عن تطلُّعاتها نحو عهد أمريكي جديد مع ترامب، مع الحذر من غموض سياسته وعدم وضوح رؤيته تجاه الحليف التركي.
بعيداً عن التحليلات: بعض الحقائق
عدة مسائل بناءاً لما تقدم يمكن الإشارة لها في التالي ضمن الحقائق التي يجب الوقوف عندها وتتعلق بالمخاوف التركية من السياسة الأمريكية، وهي:
أولاً: يمكن القول أن خطاب ترامب العنصري ضد المسلمين والذي تزايد مؤخراً بإطلاق مصطلح "الإرهاب الإسلامي المتشدد"، وقراره المثير للجدل بمنع مواطني سبع دول ذات أغلبية مسلمة من دخول أمريكا، هي من الأمور والعوامل التي تجعل من الطرف التركي وتحديداً إدارة أردوغان الحالية حذرة في العلاقة مع واشنطن خصوصاً أنها تعتبر سياسته تجاه المسلمين أمراً يُشكل إحراجاً لها ولرؤيتها المبنية على الأيديولوجية الأخوانية.
ثانياً: استمرار دعم أمريكا للفصائل الكردية في سوريا وتعاظم ذلك الدعم عبر الإعلان رسمياً عن تقديم مدرعات لها بعد تنصيب الرئيس الجديد، وإظهار التعاون بين البنتاغون والأكراد فيما يخص معركة الرقة، وهو ما قد يعني بالنسبة لتركيا اعتماداً أمريكياً أكبر على قوات حماية الشعب وقوات سوريا الديمقراطية في الفترة المقبلة، الأمر الذي يتناقض مع المصلحة التركية.
أمام هذه المخاوف التركية تظهر عدة أهداف أمريكية، تُشكل إطاراً للعلاقة التي تسعى واشنطن لنسجها مع أنقرة، وهي على الشكل التالي:
أولاً: يُحاول الفريق السياسي لترامب إيجاد حل للأزمة بينه وبين تركيا. حيث يسعى للحفاظ على الورقة الكردية دون خسارة تركيا كحليف مهم في الشرق الأوسط.
ثانياً: يَعتبر الطرف الأمريكي أنه يوجد تناقض بين مصالحه ومصلحة تركيا الأمر الذي قد يفرض منه الوقوف على الإعتراضات التركية وتقديم ضمانات لها، أو إيجاد أوراق ضغط ضد أنقرة تدفعها للحضن الأمريكي من جديد.
ثالثاً: في مساعي الإدارة الأمريكية، تضع واشنطن ضمن أولويتها إبعاد تركيا عن روسيا. وهو الأمر الذي يُساهم في تحقيق مكاسب لأمريكا، في حال تفاهمت مع موسكو حول الملف السوري أو ارتفعت وتيرة الصراع بينهم.
إذن، يبدو أن أنقرة ما تزال تجد في اهتمامها بأولوياتها الداخلية والإقليمية والإلتزام بالمعايير البراغماتية أمراً ضرورياً ويتناسب مع مصالحها. وهو ما يجعلها قادرة على التعاطي مع رئيسٍ من الصعب التنبؤ بقراراته. من جهةٍ أخرى، تسعى واشنطن لتسليح حزب الإتحاد الديمقراطي الكردي مع وعدها الطرف التركي بإنشاء مناطق آمنة في سوريا وصولاً الى تأمين الدعم الجوي الأمريكي في مدينة الباب. وبين مصالح الطرفين، تبقى البراغماتية المدروسة، جوهر العلاقة التي تجمع كلاً من أنقرة وواشنطن.