الوقت- وصل دونالد ترامب الى الحكم وبدأ مسيرته بخطاب القسم الذي ساده الكثير من الغموض. في حين لم يرق فحواه لمستوى خطاب رئيسٍ بحجم الرئيس الأمريكي. ومع بدئه ممارسته لمهامه كرئيس، بدأت تظهر علامات التناقض على السياسة التي ينتهجها ترامب لا سيما في حال قمنا بالمقارنة بين تصريحاته خلال الفترة الإنتخابية وقراراته الأخيرة. ولعل أهم مظاهر التناقض، تتجلى بسياسته تجاه السعودية والتي انتقلت من موقع الإدانة الى موقع تأمين الحماية ودعم الحرب على اليمن. كل ذلك لأسبابٍ تتعلق بتأمين واقعٍ من الحروب يضمن استمرار الإقتتال في المنطقة ويُساهم في تعزيز أمن الكيان الإسرائيلي. فيما كشف هذا التوجه عن أن الرياض وتل أبيب، وجهان لعملةٍ أمريكية واحدة. فكيف يُمكن إظهار التناقض السياسي لترامب فيما يخص العلاقة مع السعودية؟ وماذا يعني ذلك؟
ترامب بين الحملة الإنتخابية وتولي الرئاسة: تناقض واضح تجاه السعودية
من خلال العودة الى تصريحات الرئيس الأمريكي يمكن لِحاظ التناقض الواضح في توجهاته. الأمر الذي نُبرزه في التالي:
أولاً: أثناء حملته الإنتخابية تعهد دونالد ترامب بحماية الكيان الإسرائيلي ونقل سفارة بلاده إلى القدس وبناء جدار عازل مع المكسيك ومنع المهاجرين. لكنه كان ينتقد بشدة السياسة السعودية لقيادتها تحالفاً عربياً في حربها على اليمن. وهو ما تغيَّر اليوم مع إعلانه دعم السعودية في حربها على اليمن!
ثانياً: وقع الرئيس ترامب أمراً تنفيذياً لوقف منح تأشيرات دخول لرعايا سبع دول هي الصومال والسودان واليمن وليبيا والعراق وسورية وإيران بالإضافة الى تعليق برنامج استقبال اللاجئين ومنع دخول اللاجئين السوريين إلى أجل غير مسمى. في حين غابت عن القائمة السعودية والتي كانت ومنذ سنوات تعيش حالة من التوتر في العلاقات بينها وبين واشنطن نتيجة قانون جاستا الذي اتهمها بالإرهاب لا سيما فيما يخص قضية 11 أيلول. وهو ما يوضح التناقض في السياسة الأمريكية الدولية أيضاً.
تحليل ودلالات
عدة دلالات يمكن سردها في التالي:
أولاً: إن تصريحات ترامب خلال حملته الإنتخابية كانت دعائية في بعض نقاطها، وهو ما بات يُدركه الشعب الأمريكي الثائر اليوم على وصول دونالد ترامب وإدارته الجديدة. فيما يُعتبر موقفه الجديد من السعودية مثالاً واضحاً للتناقض والغموض الذي تعيشه السياسة الأمريكية دولياً.
ثانياً: أثبت ترامب أن العقلية التجارية هي التي ستطبع حكمه. فهو من خلال دعمه الرياض وعدم إدراج إسمها ضمن قائمة الدول الممنوع على رعاياها الحصول على تأشيرات دخول لأمريكا، يعني أن أمريكا ستنتهج مبدأ سياسة المصالح المشتركة مع الرياض والإستنزاف المالي لها. وهو ما قد يكون مقابل ضمان بعض من الحماية الأمريكية للدول الخليجية لا سيما التي باتت في وضعٍ متراجعع على الصعد كافة وتحديداً سياسياً وإقتصادياً.
ثالثاً: يعني ذلك أن سياسة الإبتزاز الأمريكي للسعودية ستستمر، خدمةً للمصالح الأمريكية وأمن الكيان الإسرائيلي. حيث أن إبقاء الحرب الدائرة في المنطقة مشتعلة وتحديداً في اليمن، سيمنح الكيان الإسرائيلي فترة من الراحة والقدرة على إعادة التموضع، مع أن ذلك يُعتبر رهن الظروف وسياسات الأطراف الأخرى.
رابعاً: إن الرئيس الأمريكي الجديد، هو رجل أعمال ناجح. الأمر الذي يبدو سيحكم عقليته في العمل السياسي. حيث أن إعلانه دعم الرياض عسكرياً يعني استمرار الحرب الطائفية في المنطقة التي تقودها السعودية الى جانب منع انتهاء الحرب في اليمن، الأمر الذي سيدفع السعودية لشراء الأسلحة، وبالتالي عودة إنعاش سوق السلاح الأمريكي، وهو ما يخدم مصالح أمريكا وترامب التجارية.
خامساً: إن وضع السعودية والكيان الإسرائيلي في الخانة الأمريكية نفسها، يعني أن الطرفين هما السبب في كل أزمات المنطقة، الأمر الذي يجب أن يتم التعامل وفق نتائجه. حيث أن الإعتراف الأمريكي يفضح من جديد حقيقة الدور السعودي، وبراغماتية واشنطن الفاضحة تجاه دول وشعوب المنطقة.
إذن، تعيش السياسة الأمريكية حالة من التناقض الذي يدل على التخبط. فالرئيس الأمريكي الجديد والذي بدأت تتكشَّف أولى توجهاته، يبدو أنه غير مُهتمٍ بالكيفية التي يمكن من خلالها إخراج سياسة أمريكا الدولية. بل إن البراغماتية طبعت أول عهده الرئاسي، وستكون صفة عهده الأساسية. حيث أن أغلب وعوده الإنتخابية، ستعود لتسلُك مسار السياسة الأمريكية المعهودة. مسارٌ يقوم على دعم تقسيم الدول وإشعال الحروب لا سيما في الشرق الأوسط. كل ذلك خدمة لأمن الكيان الإسرائيلي الذي بات يعيش خطر الوجود على الصعيدين الداخلي والخارجي. في حين باتت السعودية طرفاً للإستنزاف لا يقل أهمية عن تل أبيب. حيث سيُشكل الطرفين أدواتٍ لأمريكا، من أجل رفع منسوب الأزمات في المنطقة.