الوقت- تقول الباحثة سارة فيليبس من مركز دراسات الأمن الدولي في سيدني، إن السعودية عملت على زرع عملاء لها في شمال وجنوب اليمن، وقد أوصى عبد العزيز آل سعود ابناءه بإضعاف اليمن بأي وسيلة.
هذه الكلمات تختصر سياسة آل سعود في اليمن لعقود منذ قيام السعودية في ثلاثينيات القرن العشرين، لأن عبد العزيز آل سعود اعتمد في بسط سلطته على عاملي القبيلة والدين، فمن لم يستطع شراء ذمته من رؤساء القبائل، وجّه نحوه قطعان الوهابية تحت مسمى نشر التوحيد ومحاربة البدع. ولأن اليمن استعصت عليه في كثير من مواقعها خاصة المناطق ذات الاغلبية الزيدية والشافعية، فقد اكتفى النظام السعودي بسياسة شراء الذمم ودعم رؤساء بعض القبائل الى جانب التبشير الوهابي، الذي تحقق في أعتى صوره بدار الحديث التي أنشأها الشيخ الوهابي المتطرف مقبل بن هادي الوادعي والذي ذهب الى حدّ القول بهدم القبة الخضراء المشرفة على قبر النبي (ص)، على بعد كيلومترات من صعدة! وجامعة الايمان التي أنشأها السلفي الإخواني ورئيس شورى حزب التجمع اليمني للاصلاح، عبد المجيد الزنداني، أحد العرب الأفغان في ثمانينيات القرن الماضي.
والهدف السعودي من وراء ذلك، هو:
منع أية وحدة يمنية حقيقية تنتهي الى قوة اليمن الذي يشكل ثقلاً بشرياً وجغرافياً واستراتيجياً ومذهبياً في جزيرة العرب، لذلك يأتي نقل العاصمة من قبل الرئيس الهارب عبدربه منصورهادي الى عدن وانتقال السفارة السعودية اليها مباشرة بمجرد ان سيطرت القوى الثورية المناهضة للتبعية والوصاية الأجنبية على العاصمة صنعاء، خطوة سعودية اعتبرها المراقبون دعوة الى تقسيم اليمن.
تفتيت اليمن الى إمارات متنازعة ضمن سياستها في تفتيت كل بلدان شبه الجزيرة العربية وإعادة صياغة علاقاتها مع الرياض، لتبقى هي القوة الوحيدة في شبه الجزيرة العربية وتبقى البلدان الأخرى حديقتها الخلفية.
إبعاد أية قوة اقليمية أو دولية منافسة عن اليمن، الذي يمتلك موقعا استراتيجيا علي صعيد الجيوسياسية الدولية، فهو يشرف علي مضيق باب المندب من خلال ضفته الشرقية والجزر الموجودة في مدخله من الجهتين، إضافة الي جزره في البحر الاحمر وسواحله الممتدة علي بحر العرب. لذلك حاربت السعودية الجمهورية اليمنية (في الشمال) واليمن الديمقراطية (في الجنوب) لأن الاولى كانت على علاقة بمصر في الحقبة الناصرية والثانية كانت على علاقة بالاتحاد السوفيتي والمعسكر الاشتراكي.
إشغال اليمن عن التفكير باستعادة مناطق عسير وجازان ونجران المحتلة من قبل السعودية من عشرات السنين، بكل ما تملكه هذه المناطق من مواقع استراتيجية وثروات وسواحل مطلة على البحر الأحمر وجزر فيه.
أما الحديث عن خطأ السياسة السعودية في اليمن وعدم اعتمادها سياسة التنمية والنهوض الاقتصادي فيه، فإنه كلام بعيد عن الواقع السعودي نفسه، لأن فاقد الشئ لا يعطيه، وينم عن عدم معرفة بالاوضاع العامة في السعودية، لانه لا يمكن اختصار 2149690 كيلو متر مربع، بأربعة مدن هي مكة والمدينة والرياض وجدة، في حين تفتقر حتى هذه المدن للبنى التحتية، وقد فضحت سيول جدة هشاشة وضعف البنى التحتية في ثاني أهم مدينة سياسية بالبلاد.
أما الخطوات التي اعتمدتها السعودية للإبقاء على الجار الجنوبي ضعيفاً هشاً ممزقاً يمكن تحويله الى دولة فاشلة في أية لحظة ، حسب تصورها:
نشر الفكر الوهابي وتأجيج الصراع الطائفي في بلد تتنوع فيه المذاهب والأفكار ( زيدية وشافعية وحنفية واباضية وصوفية واثنا عشرية واسماعيلية وحنابلة وعلمانيون قوميون وآخرون يساريون وغيرهما ليبراليون و... الخ)، وما تبع ذلك من تدمير للتراث الزيدي والمعالم الصوفية كخطة ممنهجة لتدمير هوية البلاد وثقافتها.
شراء ذمم قيادات عسكرية وزعامات قبلية ودينية، تعميقا لنظام أوليغارشي واستئثار بالسلطة والمال والوجاهة من قبل الزعامات والنخب، وقد شكلت لهذا الأمر ما عرف بـ"اللجنة الخاصة" منذ بداية ستينيات القرن الماضي وصرفت اموال طائلة عليها بلغت سنويا حسب أحد التقارير مليار ونصف المليار دولار سنوياً وشملت آلاف الاشخاص، في مقدمتهم عبدالله بن حسين الأحمر وأسرته.
استقدام أكبر عدد من العمالة اليمنية، لهدفين: الأول، الاعتماد عليها في العديد من القطاعات الاقتصادية وحتى في القوات المسلحة! والثاني، للضغط من خلالها على الواقع الاقتصادي اليمني، حيث ان هؤلاء يحولون سنويا ما يقرب 2 مليار دولار الى اليمن. وكما حصل قبل اكثر من عام عند بداية الصراع بين الرئيس الهارب هادي والقوى الثورية فقد جرى إخراج آلاف اليمنيين من السعودية بحجة الإقامة غير الشرعية وكان الهدف من ذلك تأجيج الشارع اليمني ضد القوى الثورية.
توجيه العديد من قيادات القاعدة وعناصرها نحو اليمن، لإفراغ السعودية من عناصرها المتطرفة ومن ثم إلهاء اليمن بها وفتح باب التدخل الأمريكي المباشر بشؤونه بأمل ان يحدث صدام بين القوى الوطنية اليمنية والأمريكيين. حتى ان بعض المراقبين يرون ان دمج فرعي القاعدة في اليمن والسعودية والإعلان عن (القاعدة في شبه جزيرة العرب) عام 2009 كان خطوة بهذا الاتجاه.
واذا كانت أفكار القاعدة ومن ثم داعش تشكل تهديداً للنظام السعودي لما أصرّت المؤسسة الدينية والاعلام السعودي على تأجيجها، بل يؤكد ذلك ان مشروع القاعدة هو ذات المشروع السعودي بغض النظر عن بعض التفاصيل والاجتهادات في صياغة السيناريوهات او براعة المخرجين!
ومما تقدم تتضح أسباب وخلفيات استجابة القاعدة لدعوى السعودية في مواجهة القوى الوطنية اليمنية وفي مقدمتها حركة انصار الله والجيش اليمني، ودخولها على ساحة الصراع الدائر بين مرتزقة التحالف السعودي الأمريكي (الرئيس الهارب هادي وحزب الاصلاح الاخواني) وبالطبع لصالح السعودية وعملاءها، فلم تعد أمريكا والسعودية اعداء للقاعدة ولا السعودية وابواقها تتحدث عن الفكر الضال والخوف من التطرف! بالعكس ظهر مدى الترابط المصيري والعضوي بين الفكر الضال (القاعدة) ومملكة الدرعية السعودية. ولم يقتصر هذا التعاون المكشوف على اليمن بل شمل العراق وسوريا ولبنان ايضاً، وذلك كله ضمن الاستراتيجية الأمريكية للمنطقة، لذلك لا نستغرب عندما نسمع بدعم الكيان الإسرائيلي للجماعات التابعة للقاعدة في سوريا، لأنها جميعاً أجزاء وحلقات في مشروع واحد تمسك بخيوطه الرئيسية أمريكا التي تدرب وتسلح النصرة في سوريا وتسلح وتهرب داعش في العراق(تكريت وغيرها).
لكن السؤال الأساس الذي يطرح نفسه في هذا الصدد، هو: هل ستحل القاعدة عقدة السعودية التاريخية مع اليمن؟
وللإجابة يمكن الاستعانة بالحالتين العراقية والسورية مع تباين التركيبة المذهبية ونظام الحكم بين البلدين. فلا سقطت بغداد كما هدد المعارضون للعملية السياسية بعد 2003 ولا سقطت دمشق رغم أكثر من أربع سنوات من العدوان الارهابي ضدها والذي شاركت فيه 110 دولة سمت نفسها زوراً بـ"أصدقاء سوريا"! للحدّ الذي اضطرت فيه أمريكا ولتعديل استراتيجياتها المتعثرة في الشرق الأوسط، إنشاء تحالف دولي ضد الارهاب (ولو بشكل ظاهري ومزيف) ولحقت بها جميع البلدان التي تدعم الارهاب في العراق وسوريا!
ان تحول اليمن الى دولة فاشلة من خلال توجيه قطعان القاعدة وداعش والاصلاح ومرتزقة الهارب هادي وقصفه وتدمير مؤسساته وبنيته التحتية من قبل العدوان السعودي، سوف يعود بالضرر الأكبر على السعودية نفسها وعلى أمنها وتماسكها، كما بدأت أضرار الدعم التركي للإرهاب في سوريا تظهر على واقع الأمن والسياسة والاقتصاد داخل تركيا، علما ان الحالة التركية اكثر تماسكاً وتطوراً ومطعّمة ذاتياً ضد الفكر المتطرف والضال حسب التعبير السعودي، وتختلف جوهريا عن الحالة السعودية التي تعتبر منشأ ومنطلق الفكر الضال والمتطرف (الوهابية) حتى أن أحد استطلاعات الرأي تحدث عن تأييد 92% من الشباب السعودي لتنظيم داعش الارهابي! ولا نحتاج أن نذكر أن 16 من مجموع 19 إرهابي صنعوا حادثة 11 سبتمبر الإرهابية كانوا سعوديين وان الذين نفذوا مجزرة المستشفى العسكري في اليمن كانوا سعوديين ...!
وقد لا يوافقني البعض في أن البيئة اليمنية غير مؤاتية للتطرف ولن تكون حاضنة كبيرة للقاعدة، لأسباب مذهبية وفكرية وتاريخية وسياسية واجتماعية، وبالتالي مع وجود سلطة وطنية وثورية في اليمن ستضطر القاعدة للهجرة نحو الرمال الشمالية، التي تعتبر الحاضنة الأساسية للتطرف والتكفير.
ثم ما الذي يمنع ظهور جماعات أكثر تطرفاً داخل القاعدة تحول بوصلتها نحو حكام الرياض، فتكفرهم وتدعو الى قتلهم والإطاحة بهم، وأمامنا تاريخ الحركة الوهابية ـ السعودية نفسها التي شهدت انقلاب الإخوان الوهابيين على عبد العزيز آل سعود وتنكيل الأخير بهم، أو كما تواجه حكومة باكستان "الاسلامية" طالبان التي قامت مخابرات الجيش الباكستاني نفسه بالتعاون مع المخابرات السعودية والبريطانية و... بتأسيس الشق الأفغاني منها.
ولعله لن يكون بعيداً ذلك اليوم الذي نرى فيه طائرات الدرونز الأمريكية وهي تقصف مواقع القاعدة او اي مسمى آخر بنفس المضمون في بريدة وغيرها من مدن وقصبات السعودية، وقديماً قيل: ما كلّ مرّة تسلم الجرّة!