الوقت- المتتبع لسياسة مصر الخارجية تجاه سوريا تستوقفه عدّة محطات جديرة بالاهتمام لمعرفة موقف القاهرة من الأزمة السورية، خصوصاً بعد تسلم الرئيس الحالي عبد الفتاح السيسي زمام السلطة في البلاد عقب الإطاحة بحكومة الاخوان المسلمين التي كان يتزعمها الرئيس السابق محمد مرسي في تموز/ يوليو 2013.
وتتبلور العلاقات المصرية السورية حالياً، مع كثرة الحديث عن إعادة الخريطة السياسية في المنطقة، لاسيّما مع ما تشهده العلاقات المصرية الخارجية من تطورات وتحولات في الفترة الأخيرة، فمع وصول العلاقات المصرية - السعودية إلى مرحلة استثنائية من التوتر، يبدو أننا أمام مشهد جديد لعودة العلاقات بين دمشق والقاهرة إلى إطارها الطبيعي السابق.
ومؤخراً تدهورت العلاقات المصرية - السعودية بعد تصويت القاهرة لصالح مشروع القرار الروسي في مجلس الأمن والذي يعيد التأكيد على ضرورة الالتزام بسيادة واستقلال ووحدة وسلامة الأراضي السورية. وقد جاء رد فعل الرياض حيال الموقف المصري بوقف صفقة النفط بين شركة "آرامكو" ووزارة البترول المصرية، الأمر الذي أضاف المزيد من الوضوح على المشهد السياسي الجديد.
وفيما يلي نشير إلى أبرز المحطات التي تدلل على أن العلاقات المصرية - السورية تمر بمنعطف مهم:
- زيارة رئيس مكتب الأمن الوطني السوري اللواء علي المملوك الأخيرة إلى مصر، تلبية لدعوة رسمية بهدف التنسيق السياسي وتعزيز التعاون لمكافحة الإرهاب. وقد تمحور الحديث في هذه الزيارة حول مشروع سياسي يقضي باستبعاد المعارضة المسلحة عن أي حل للأزمة السورية، والإبقاء على المعارضة السلمية التي تؤمن بالحل السياسي لهذه الأزمة. ولم تكن هذه الزيارة الأولى من نوعها. بل سبقتها زيارة قبل نحو عام التقى خلالها المملوك بالرئيس عبد الفتاح السيسي. وتزامنت تلك الزيارة مع زيارة الوفد الإعلامي المصري للعاصمة السورية دمشق.
- تصريحات السيسي خلال مقابلة مع التلفزيون البرتغالي قبل نحو شهر والتي أكد فيها إن بلاده تدعم الجيش السوري في مواجهة العناصر الإرهابية، مشدداً في الوقت نفسه على أهمية التوصل إلى حل سياسي للأزمة السورية والحفاظ على وحدة وسلامة الأراضي السورية وفسح المجال للبدء في جهود إعادة الإعمار.
وجاء تأكيد السيسي على دعم بلاده للجيش السوري في مواجهة التنظيمات الإرهابية، بعد تيقنه من ضرورة القضاء على الإرهاب الذي انتشر في المنطقة وبات يهدد الأمن المصري لاسيّما في سيناء.
- تأكيد وزير الخارجية المصرية سامح شكري قبل أيام على ثوابت الموقف المصري تجاه الأزمة السورية والذي يتمثل بـضرورة إطلاق العملية السياسية للتوصل لتسوية شاملة ونهائية للأزمة في هذا البلد.
- ترحيب ائتلاف "دعم مصر" الكتلة الأكبر في مجلس النواب المصري، بالانتصار الذي حققه الجيش السوري وحلفاؤه في حلب، حيث أكد عضو الائتلاف "محمود بدر" إن هذه الانتصارات تصب في صالح أمن سوريا وتحريرها من الجماعات الإرهابية، كما تصب في مصلحة الجهود التي تبذلها مصر في مجال مكافحة الإرهاب.
- كشفت صحيفة "السفير" اللبنانية قبل مدة أن 18 طياراً مصرياً وصلوا إلى مطار "حماه" لمساندة الجيش السوري في حربه على الإرهاب، فيما نقلت مصادر عن مسؤول أمني سوري رفيع قوله إن يناير/كانون الثاني المقبل سيشهد وصول قوات مصرية كبيرة إلى سوريا للمشاركة في العمليات العسكرية ضد الإرهابيين، ولن تكتفي بتقديم المدد الجوي في قاعدة حماه.
من خلال قراءة هذه المعطيات يبدو أننا أمام مشهد جديد لعودة العلاقات بين دمشق والقاهرة إلى إطارها الطبيعي السابق، لكن وبحسب وزير الخارجية السوري "وليد المعلم" يحتاج الأمر إلى قفزة واحدة للوصول إلى محطة الأمان.
ويعتقد المراقبون إنّ القفزة التي تحدث عنها المعلم تتمثل في فتح السفارة السورية بالقاهرة في أقرب وقت، وهو أمر غير مستبعد في ظل التطور الإيجابي والبناء الذي تشهده العلاقات بين الجانبين، والذي أغاض السعودية التي ذهبت محاولاتها المتكررة لإسقاط حكم الرئيس بشار الأسد أدراج الرياح رغم الدعم الكبير الذي قدمته للجماعات الإرهابية لتحقيق هذا الهدف طيلة السنوات الماضية.
بقي أن نشير إلى أن العديد من الدول العربية أقدمت على خطوات انفتاحية تجاه سوريا في وقت سابق، بينها تونس التي أعادت العلاقات الدبلوماسية مع دمشق، ووصفت قطع هذه العلاقات بالإجراء "غير الصائب"، وهو ما جاء متماشياً مع توجه مماثل من قبل دول أوروبية متعددة، وهو تطور إيجابي، لكن تبقى الخطوة المصرية أكثر أهمية، لما تشكله أرض الكنانة من مكانة ودور مهم على الصعيدين العربي والإقليمي.
من هنا تبلورت الرؤية التي سرعان ما أصبحت ثوابت للسياسة المصرية تجاه سوريا، والتي تؤكد على وحدة وسلامة الأراضي السورية، ورفض الحلول العسكرية للأزمة في هذا البلد، وضرورة إنهاء معاناة شعبه من جراء الصراع.
من هذا المنطلق تحمست مصر أكثر من مرة للمبادرات السياسية التي طرحت على مدار السنوات الماضية سواء كانت على المستوى الإقليمي أو الدولي ومن بينها المبادرة التي تقدمت بها الجمهورية الإسلامية في إيران في آب/أغسطس 2015.