الوقت - انقلاب صيف 2013 في مصر وإزالة محمد مرسي، كان عبارة عن سلسلة من الحقائق أهمها أن حكومة الإخوان الجديدة قد فشلت في التعامل والاهتمام بحقائق مثل نوعية التحولات في مصر، الهيكل الاجتماعي والسياسي، الترتيبات الإقليمية والدولية، دور الجيش في هيكل الحكومة وتجربة الإسلاميين والنسيج الإسلامي المصري والحتمية الجغرافية للبلد.
وما ساق
الأجواء إلي مزيد من التدهور، كان إصرار مرسي والإخوان المسلمين على تجاهل ما يقرب
من 49 في المائة من الناس الذين لم يصوتوا له، الميل إلي احتكار السلطة، الاستهانة
بقوة المؤسسات التقليدية مثل الجيش والمؤسسات الأمنية والاستخباراتية، مشاركة 33
في المائة في الاستفتاء على الدستور، وأخيراً عدم الكفاءة في الاستجابة لمطالب
الثوار المشروعة، في مجال إيجاد التغيير في اقتصاد الناس وإزالة الحواجز التي تحول
دون خلق فرص العمل وكذلك تزايد البطالة وصعوبة سبل العيش.
وفي
النهاية وقعت أزمة الشرعية التي خطط لها المنافس، وكان الرد هو الاستفتاء على عدم
كفاية حكومة مرسي وتدخل الجيش. والأخير الذي جري تهميشه عبر سياسات مرسي، دخل علي
الخط بحجة الحفاظ على النظام وإدارة الأزمة، وكانت النتيجة عسكرة أجواء البلد
وإنهاء حكومة الإخوان المسلمين التي استمرت لمدة عام واحد، واعتقال مرسي وقيادات
التنظيم العليا.
وبعد
الانقلاب مباشرة، أصبح رئيس المحكمة الدستورية العليا السيد عدلي منصور، رئيساً
مؤقتاً لمصر. فقام بتعيين لجنة من عشرة أعضاء لتعديل الدستور. ثم عين فريق عمل من
خمسين عضواً في الجمعية التأسيسية للدستور المصري. وأقرت الجمعية التأسيسية برئاسة
عمرو موسى مسودة الدستور بعد ستين يوماً. وقام الجيش بعد الانقلاب العسكري بتغيير
الدستور المصري الجديد.
وبعد
التطورات في مصر والإطاحة بمبارك في عام 2011، تولي المجلس العسكري برئاسة وزير
الدفاع اللواء طنطاوي السلطة، ولكن معارضة الغالبية من الناس للحكم العسكري،
أجبرتهم علي إحالة السلطة إلي نواب الشعب. فقاموا في البداية بتعديل الدستور
السابق ووضعه للاستفتاء، فحصل علي 77 في المائة من أصوات الناس المؤيدة. وأجريت
الانتخابات الرئاسية في عام2012 وفقاً لهذا الدستور، وعلي أساسها فاز محمد مرسي
مرشح جماعة الإخوان المسلمين في الجولة الثانية للانتخابات.
ومع وصول
مرسي إلي السلطة، بدأت المحاولات لتغيير الدستور، وأمر الرئيس الجديد بإجراء
انتخابات الجمعية التأسيسية، التي كان هدفها صياغة دستور جديد. ومن الطبيعي أن
الدستور الذي تعده مجموعة من جمعية 75 في المائة منها من الإسلاميين، لا يروق
للعديد من الجماعات السياسية والهيئات الرسمية.
انقلاب
الجيش بقيادة وزير الدفاع اللواء عبد الفتاح السيسي في منتصف عام 2013، واستخدامهم
المعارضة الواسعة النطاق للشعب والأحزاب الوطنية والعلمانية لعدم كفاءة حكومة محمد
مرسي وتفرد جماعة الإخوان المسلمين بالسلطة، أدي فعلياً إلي إزالة الإخوان
المسلمين من السلطة.وأعلن السيسي خارطة طريق لانتقال السلطة إلي المدنيين، ومن ثم
أجريت كتابة الدستور والاستفتاء عليه.
وإحدي
أبرز النقاط اللافتة في الدستور المصري الجديد، هي الاهتمام الخاص بالحقوق
والحريات الفردية والاجتماعية (المواد 31 إلى 81 من الدستور). وبالإضافة إلي حق الشعب
في تقرير السيادة السياسية واختيار الحكام السياسيين، فقد تم إيلاء الاهتمام بدور
المواطنين في الإدارة المحلية أيضاً، حيث ستتولي المجالس المنتخبة من قبل الناس،
مهمة اتخاذ القرارات وتنفيذها على المستوى المحلي. ومن المشاكل التي توجد لدي
الشعب المصري والمراقبين، هو أنه من يريد أن يراعي هذا القانون، ومن هنا سيبدأ
الخلاف.
الدستور
الجديد يحظر تشكيل أي "حكومة دينية "، وعلى الرغم من أنه أوجب التشريعات
في الإطار الإسلامي، إلا أنه اعتبر أن كل الأحزاب الدينية باطلة.
نص هذا
الدستور الذي يحتوي علي 247 مادة، يتضمن أحكاماً مثيرة للجدل. فعلى سبيل المثال
أعطيت صلاحيات كبيرة للجيش، ومحاكمة المواطنين المدنيين في المحاكم العسكرية، أحد
أهم الأحكام المثيرة للجدل في الدستور الجديد. وحسب المادة 234 من هذا الدستور،
فإن أي قضية تختص بالمؤسسات العسكرية والقوات المسلحة والشؤون السرية، ينبغي أن
تدرس في المحاكم العسكرية.
والنقطة
الهامة في هذا المجال هي أن الجيش المصري منخرط في النشاط الاقتصادي على نطاق واسع
في هذا البلد، والعديد من المصانع في ملكية الجيش، وهذا سيؤدي إلي نقل الملفات
العادية إلى المحاكم العسكرية بسهولة، ومراجعتها وفقاً لمصالح العسكريين. والهدف
الآخر من هذه المادة، هو حماية المؤسسة العسكرية في مصر من الهجمات السياسية
لجماعات الضغط في المجتمع.
ومن
التغييرات الأخرى هي الإعلان عن أن الشريعة الإسلامية هي مصدر التشريعات، ولكن
الدستور يحظر تشكيل الأحزاب ونشاطها على أساس الدين والعرق والمحتوى الطائفي. وهذا
يتعارض مع المادة الثانية من الدستور نفسه، والتي اعتبرت الشريعة الإسلامية مصدراً
للتشريع. والهدف الرئيسي من هذا البند هو منع النشاط السياسي لجماعة الإخوان
المسلمين باعتبارها الحزب الإسلامي الأكثر تنظيماً في مصر.
ومن
النقاط الأخرى الجديرة بالإشارة في هذا السياق، هي إشارة الدستور إلي الأزهر
باعتبارها المرجعية العلمية والاجتماعية التي لها الحق في إبداء الرأي في القضايا
الشرعية، ولكن لا توجد ضمانة تنفيذية لآراء هذه المجموعة في المسائل الدينية
أيضاً.
إن
النقطة التي يجب أن يلاحظها الساسة في مصر، هي أن الهيكل السياسي في مصر له ثلاثة
أضلاع: الجيش والإسلاميون والليبراليون. وتجاهل أي من هذه الأضلاع، يمكن أن يعرض
استقرار الحكومة في مصر للخطر ويخلق تطورات حادة. فكما أن الإسلاميين خلال فترة
محمد مرسي، قد قادوا البلاد من خلال حذف وإزالة الضلعين الآخرين، نحو عدم التوافق
في الآراء وخلق الأزمة، فإن الجيش والليبراليين أيضاً قد وفروا اليوم من خلال
القضاء على الإسلاميين، البيئة المناسبة لخلق الأزمة والتطرف.
ويبدو أن
الحل لجميع الفئات الاجتماعية والسياسية في مصر، هو النظر في هيكل ونسيج المجتمع
المصري؛ الأمر الذي يستلزم مشاركة كل الأضلاع الثلاثة في السياسة والحكومة. وعلي
أية حال فإن ما نراه اليوم في مصر، هو رد فعل الجيش علي أداء جماعة الإخوان
المسلمين أثناء رئاسة مرسي.ويبدو أن التوازن في الأفعال وردود الأفعال وتصحيح
الأخطاء من قبل الجانبين، أمر ضروري للاستقرار والتنمية في مصر.