الوقت- يُعبّر عن الخطاب الإعلامي بـ" منظومة الرموز التي تعبر عن موقف طرف معين". ويرسم هذا الخطاب صورة عامة عن الحياة السياسية واتجاهاتها ومواقف الدول من التطورات المستجدّة سواءً صدرت عن الأعداء أو الحلفاء.
ولاشكّ في أن هذا المعبر يعد اليوم في عصر الإعلام ووسائل التواصل الإجتماعي من أنجع الوسائل المستخدمة، والتي تتفّق في العديد من الاحيان على السبل الدبلوماسيّة باعتبار أن وسائل الإعلام الفاعلة يمكن أن تؤثر على الرأي العام في بلد ما عبر إثارة بعض النعرات أو الملفات التي لا تروق لحكّامه.
فيما يخص الحدث الإعلامي الأبرز في الآونة الأخيرة، أي إتفاق الهدنة الروسي الأمريكي في مدينة حلب، يمكن أن نستشرف بعض معالم الخطاب الإعلامي الحليف لأمريكا، وتحديداً السعودي القطري، من خلال نظرة على معطيات الساحة الإعلامية والسياسيّة، ونخلص إلى نتيجة واضحة تكشف لنا فحوى الموقفين السعودي والقطري من الإتفاق.
الإعلام السعودي
رغم ضبابيّة الموقف السعودي الرسمي من الإتفاق الروسي الأمريكي، إلا أن رصد الإعلام السعودي يكشف حقيقة موقف الرياض مما يحصل في شمال سوريا. اللهجة السعودية صدرت عن ألسن العديد من الكتاب المعروفين، وتحديداً في صحيفة "الحياة" المقرّبة السعودية.
الإعلامي السعودي الشهير المقرّب من "البلاط" جمال خاشقجي، اعتبر في مقال له تحت عنوان "البيان في أسباب حب الأميركان لإيران" أن "مفاوضات الاتفاق النووي ورقة قوية استخدمها الإيرانيون في اللحظة المناسبة لإنقاذ بشار الأسد، فتنازل لهم أوباما من دون اعتبار لمئات آلاف آخرين سيقتلون بعد ذلك، أو للقيم الأميركية التي يزعم التزامه بها".
بدروه، عبدالوهاب بدرخان، الكاتب اللبناني المعروف في صحيفة "الحياة"، كتب مقالين خلال هذا الأسبوع حول الإتفاق تضمّنا هجوماً علنياً على أمريكا، ففي حين عنون مقاله الأول بـ" لا ثقة بروسيا لضبط الأسد ولا بأميركا لإنصاف الشعب"، عنون مقاله الثاني المنشور بتاريخ الخميس، ١٥ سبتمبر/ أيلول ٢٠١٦ بـ" اتفاق هدنة بشروط روسيا ولمصلحة الأسد وإيران."
كذلك، وفي حين جاء في مقال الحياة تحت عنوان " «خيانة» أميركية للثورة السورية" أن "الروس نجحوا مع الوقت في دفع الأمريكيين إلى الاختيار بين القضم المتدرج للمدن والمناطق الحرة، وبين القبول بالفصل بين «المعتدلين» و «المتطرفين»، أي نقل المشكلة إلى داخل معسكر معارضي النظام، وأدخلوهم في تفاصيل معقدة أنستهم الهدف الفعلي للمفاوضات التي تحولت إلى مساومة على تقاسم النفوذ"، جاء في مقال آخر للصحيفة نفسها بتاريخ ١٤ سبتمبر/ أيلول ٢٠١٦ تحت عنوان " أميركا بين «الإخوان» وإيران" أنه "يطول الحديث عن التناقضات في السياسات الأمريكية والمقارنة بين مواقف إدارة أوباما من الأوضاع في كل من العراق وسوريا مجرد نموذج، لكنه الهوى الإيراني المسيطر على البيت الأبيض". كما أن الأكاديمي السعودي خالد الدخيل اعتبر في مقال له، بالأمس، تحت عنوان " درس أوباما والعلاقات مع العرب" أنه "ما بين الغزو الأمريكي للعراق ونتائجه المدمرة، وتسليم سوريا لروسيا، وقعت إدارة أوباما الاتفاق النووي مع إيران في صيف 2015". هذا وقد ذكرت صحيفة الحياة اللندنية أن الجبير يستضيف اجتماعاً رفيعاً حول "مستقبل سوريا السياسي"، في لقاء وزاري تنظمه إلى جانب المملكة العربية السعودية، كل من فرنسا وقطر وألمانيا وبريطانيا وتركيا. ومن المقرر أن يقدم المنسق العام لـ "الهيئة التفاوضية العليا" المعارض رياض حجاب "رؤية المعارضة لمستقبل سوريا"، الأمر الذي يعيد إلى الأذهان مؤتمر الرياض الذي تشكّل قبل مفاوضات "جنيف 2" بأيام.
قناة العربية أيضاً، ركّزت على الإتفاق من خاصرته الضعيفة، أي المساعدات الإنسانية التي ربطتها بقرار مجلس الأمن رقم ٢١٦٥ لعام ٢٠١٤، بغية إفشاله. وفي سياق الرسالة نفسها التي سعت "الحياة" لإيصالها، عمدت قناة "العربية" على إجراء العديد من المقابلات التي تهدف لضرب الإتفاق وإسقاطه، لاسيّما أنه لم يحيّد كافّة الفصائل المدعومة سعودياً، جبهة فتح الشام التي فكّت ارتباطها بالقاعدة للخروج من قائمة الإرهاب الإمريكية.
قناة الجزيرة
قناة الجزيرة التي تتصدّر الأذرع الإعلامية القطرية انتهجت الأسلوب نفسه في المضمون وإن اختلف في الشكل، فقد أعدّت ملف جديداً في تغطياتها الإخبارية حول معتقل "غوانتنامو"، فضلاً عن تغطية الأخبار التي تتعلّق بشنّ التحالف الدولي غارات تستهدف المدنيين.
لم تكتف قناة الجزيرة بذلك، فقد أجرت "مقابلة خاصّة"، هي الثانية من نوعها، مع زعيم جبهة فتح الشام (جبهة النصرة سابقا) أبو محمد الجولاني الذ وجّه انتقاداً لاذعاً لواشنطن بسبب بقاء جبهته ضمن الجماعات الإرهابية رغم فك ارتباطها مع تنظيم "القاعدة"، وتحدث عن "مخطط روسي امريكي "هدفه استسلام" الفصائل المسلحة التي تقاتل النظام السوري".
لا شكّ في أن العتب السعودي القطري الأبرز على أمريكا، يعود إلى عدم اعتبار جبهة فتح الشام (النصرة) ضمن ما يسمّى بـ"المعارضة المعتدلة". ووفق مراقبين فقد عمدت واشنطن، وتحديداً البنتاغون وليس البيت الأبيض، إلى إرضاء السعودية بقصف الجيش السوري في دير الزور طمعاً بالصفقات العسكرية التي تبرمها هذه الوزارة مع دول مجلس التعاون، والتي تدّر على الكونغرس مئات المليارات من الدولارات.