الوقت- لم تعد الحرب في سوريا نزهةً لواشنطن أو الغرب. بل باتت الحرب مكاناً لكبار أطرافٍ إقليمية ودولية، منذ سنوات، حيث يختلف المشهد اليوم، في أن النظام بات طرفاً مركزياً وازناً في المعادلة الإقليمية والدولية الخاصة بسوريا والمنطقة. وهو ما يُعتبر أهم نتائج الحرب في سوريا، والذي له ارتداداته الإيجابية على محور المقاومة حتماً. في حين يمكن القول أن أمريكا باتت مُنهكة ليس بالمعنى الأدبي للكلمة بل بمعناها السياسي. فالوضع الدقيق لحلفائها وتشابك المصالح، جعل الملفات عديدة، إذ يحتاج المُخطِّط الأمريكي لعين ثاقبة، ومن الصعب عليه أن يُدرك كيفية المواءمة بين المصلحة الأمريكية الآنية والأهداف الإستراتيجية لواشنطن. في حين يمكن القول أن روسيا نجحت في إدارة المتناقضات حتى الساعة. لكن المُنتصر الأبرز في المُحصِّلة، كان النظام السوري ومن خلفه محور المقاومة والذي استطاع أن يفرض قواعد في ميدان السياسة المُرتكِز على نجاحات الميدان العسكرية التي باتت مُتلاحقة. فكيف يمكن تقييم نتائج الحرب في سوريا حتى الساعة؟ ولماذا يُعد النظام السوري أكبر المنتصرين، ومعه محور المقاومة؟
نجاحات النظام السوري
يمكن تقييم نجاحات النظام السوري، من خلال معيار القدرة على فرض قواعد السيادة السورية. وهو المعيار الذي يُبرز قدرة الدولة على البقاء كمرجعية لكافة الأطراف. الأمر الذي استطاع النظام الحفاظ عليه خلال الأزمة، مع تراجعٍ في بدايتها، وتقدمٍ مُرتفع الوتيرة منذ سنتين حتى اليوم. وهنا نُشير للتالي:
أولاً: من الناحية العسكرية البرية، استطاع النظام السوري استعادة زمام المبادرة الميدانية العسكرية، بعد أن نجح في إبعاد مناطق نفوذه المركزية عن دائرة الإستهداف. في حين جعلها اليوم، مُنطلق عملياته نحو المناطق الأخرى، حيث بات النظام المُسيطر الأكبر على كافة الأراضي، خصوصاً بعد إسقاط معادلات المسلحين في الشمال، ومنعه إنشاء أي منطقة عازلة تُهدد السيادة السورية وقد تخضع للخارج.
ثانياً: من الناحية العسكرية الجوية، فعلى الرغم من أن القيادة العسكرية للقوات المشاركة في القتال تخضع لغرفة عمليات يتولاها ضباط مشتركون يضمون ممثلين عن الأطراف العسكرية الحليفة لسوريا في حربها، لكن النظام إستطاع إبقاء السيادة الجوية تحت سلطة القوات الجوية السورية.
ثالثاً: من الناحية السياسية، نجد أن النظام السوري ومن خلال سلوكه السياسي على طول الأزمة حتى اليوم، كان يتعاطى بناءاً للقواعد التي تفرضها مسؤوليته كمرجعية سياسية مُمثلة للشعب السوري. وهو ما عاد اليوم ليكون أساساً في أي حراكٍ دولي وإقليمي.
رابعاً: من الناحية الجغرافية والديمغرافية، استطاع النظام الحفاظ على وحدة الأراضي السورية، وهو ما أسقط كافة مشارع واشنطن في التقسيم. خصوصاً بعد أن استطاع إزالة أوراق العديد من الأطراف، الساعية لفرض دويلاتٍ في الداخل السوري.
روسيا وإدارة التناقضات والخطوط الحمر السورية
لا شك أن الطرف الروسي، ومنذ نهاية أيلول 2015، تاريخ دخوله الميداني مُعترك الأزمة السورية، وضع العديد من الأهداف والتي اعتبرها إمتداداً لأمنه القومي. في حين استطاعت موسكو قطف العديد من إنجازات محور المقاومة، والتي قلبت الموازين في سوريا، في ظل الهجمة الدولية لإسقاط النظام. وهنا تجدر الإشارة الى أن حركة روسيا في الميدان السوري، كانت وما تزال تحت سقف الخطوط الحمراء السورية، على الرغم من سلوك روسيا سياسة إدارة التناقضات. فهي تتعاطى مع الواقع السوري من خلال محاولة التفاهم مع أمريكا من جهة، والإبقاء على الحليف الإيراني الإستراتيجي بالنسبة لها من جهة أخرى. فيما يمكن قراءة سلوك روسيا الحالي، من زاوية مصلحة محور المقاومة كالتالي
- إن التفاهم بين روسيا وإيران على استخدام القواعد العسكرية الإيرانية في همدان، هو تفاهم إقليمي - دولي الطابع إستراتيجي المنحى، يعترف ضمنياً بالحاجة لإيران. في حين رسمت طهران قواعد وكيفية الإستفادة الروسية. هذا التفاهم، شكَّل رسالة واضحة لجميع المعنيين. كما جعل محور المقاومة الذي تقوده إيران، طرفاً أساسياً في أي تفاهمٍ إقليمي أو دولي يخص الشأن السوري.
- لكن المشكلة التي قد تعاني منها موسكو، هي في كيفية التوفيق بين مصالحها التي تعتبرها ضرورية لحفظ أمنها القومي، في ظل شعورها بالقوة الإقليمية والدولية اليوم، ومطالب أمريكا التي تسعى موسكو للوصول معها لحلٍ سياسي تراهن فيه على حاجة إدارة الرئيس الديمقراطي الحالي لها. في حين أن أي حلٍ سياسي لا يمكن أن يحصل دون رعاية وموافقة الطرف الإيراني، والذي بات حاجة روسية، الى جانب الرضا الطبيعي للنظام السوري.
محور المقاومة ودور حزب الله المركزي
لا يمكن تقييم دور محور المقاومة ووضعيته الإقليمية والدولية، دون الوقوف عند دور حزب الله المركزي. في وقتٍ يمكن الجزم بأن التحول النوعي لحزب الله من قوة محلية الى قوة إقليمية، قلب الموازين في الحرب السورية، وأثَّر بشكلٍ كبير وإيجابي على محور المقاومة. وهنا نقول التالي:
أولاً: منذ أن دخل حزب الله المنعطف السوري، دخل كطرفٍ حليفٍ للنظام السوري. فيما خاض معاركه والتي بدأت بالقصير، بإستخدامٍ تكتيكات الهجوم والدفاع المُشترك، وهو ما جعله يدخل مرحلة التحوُّل النوعي في الدور والأسلوب. في وقتٍ كانت فيه حركة حزب الله العسكرية في سوريا، محط الإهتمام الأمريكي والإسرائيلي.
ثانياً: إستطاع حزب الله ومن خلال نتائج معارك الميدان السوري، نقل تجربته بشكلٍ نوعي والإستفادة من تجارب الميدان السوري بشكلٍ كبير. وهو ما يُعتبر من الناحية العسكرية مؤثراً في حسابات الأطراف، لا سيما محور المقاومة. حيث أنتقل الحزب من منظومة دفاعية الى منظومة هجومية، أدخلت الى تجربة حزب الله الكثير من الخبرات التكتيكية والميدانية، الى جانب الخبرة في إدارة العمليات المشتركة والتي تحتاج لإدراة الأرض والجو معاً.
ثالثاً: فرض حزب الله نفسه كطرفٍ في الساحة الإقليمية، لا يمكن تجاوزه في أي حل. خصوصاً أن أصل مشاركته في المعركة السورية لم يكن قراراً عاطفياً تضامنياً مع النظام السوري، بقدر ما كان حاجة لأمن لبنان القومي، ونقطة قوة لصالح محور المقاومة في الصراع مع الكيان الإسرائيلي.
نجح محور المقاومة في فرض نفسه بشكلٍ أكبر من خلال الأزمة التي أفتعلتها واشنطن للقضاء عليه. لنجد أن وضع محور المقاومة اليوم، والذي تقوده إيران، بات أقوى وأهم مما كان عليه خلال خمس سنوات. في حين يُعتبر النظام السوري، والذي نجده اليوم أقوى أيضاً، المنتصر الأول في الحرب السورية. ومن خلفه، انتصر محور المقاومة. لتكون سوريا الأسد، مُنعطفاً جديداً في الصراع العربي الإسرائيلي، يُعزَّز من دور سوريا، ويُهدِّد الكيان الإسرائيلي.