الوقت- حملات منظمة وممنهجة يشنها الحكم الخليفي ضد علماء البحرين، زادت وتيرتها بشكل ملحوظ خلال الأسابيع الماضية، ولم يراعي فيها آل خليفة أي حرمة للمعتقدات أو المرجعيات أو الرموز الدينية. العشرات من علماء الدين يرزحون في السجون لأسباب سياسية، بمن فيهم الشيخ علي سلمان رئيس جمعية الوفاق الاسلامية، الذي مددت سلطات المنامة فترة سجنه من 4 إلى 9 سنوات، كما أصدرت محاكمها بالأمس 17 يوليو/تموز حكماً يقضي بحل جمعية الوفاق ومصادرة أموالها، بعد أن حكمت بإغلاقها منذ عدة شهور.
وبلغت درجة التمادي في استهداف الرموز الدينية، أن قامت سلطات المنامة بسحب الجنسية من أعلى مرجعية لأتباع أهل البيت "عليهم السلام" في البحرين، واصدر المدعي العام لحكومة آل خليفة قرار بمحاكمته خلال الشهر القادم، الأمر الذي يعتبر استهدافاً لكل الطائفة الشيعية التي ينتمي إليها الغالبية العظمى من الشعب البحريني، ومساساً برموزها ومقدساتها.
ولم تتوقف سلطات آل خليفة مدعومة بقوات الاحتلال السعودي، عن التعرض لكل الأنشطة المرتبطة بالشخصيات العلمائية، وفي مقدمتها فريضة الخمس، حيث عمد آل خليفة إلى ملاحقة الحسابات البنكية المرتبطة بالمؤسسات التابعة للمرجعيات الدينية في البحرين، ومحاولة مصادرتها والعبث بها، بل واتهام الشخصيات المرجعية بجمع الأموال بصورة غير شرعية و تبييض الأموال، بغية الاساءة لهم والتشكيك بنزاهتهم.
ومارست سلطات آل خليفة كل أنواع التضييق على علماء البحرين، تارة بمنعهم من إقامة صلاة الجمعة، وتارة باستدعائهم والتحقيق معهم، ولم تتوانى سلطات المنامة عن اغلاق دور العبادة والتعرض للمساجد والحسينيات.
ومؤخراً أصدرت سلطات المنامة قراراً منعت بموجبه علماء الدين من الدخول في البرلمان أو ممارسة النشاط السياسي، في محاولة لاقصاء دور العلماء وإبعادهم عن ساحة التأثير، الأمر الذي يسلط الضوء الرعب الذي يحيط بآل خليفه ومن ورائهم آل سعود تجاه الدور الفعال الذي لعبه العلماء في البحرين منذ انطلاقة الحراك الشعبي وحتى اليوم.
وفيما يلي نسلط الضوء على جانب من الدور الريادي والبناء الذي اضطلع به علماء البحرين للدفاع عن حقوق الشعب البحريني والتصدي للاضطهاد والظلم الذي تمارسه سلطات المنامة بحقه:
أهمية دور العلماء في البحرين:
1- حماية المطالب الشعبية التي أطلقها الحراك الشعبي منذ 2011، والتي تتركز بشكل أساسي على المطالبة بملكية دستورية، وبانتخابات عامة يقرر فيها شعب البحرين اختيار حكومته بنفسه بعيدا عن هيمنة الاسرة الفاسدة، والمساواة بين أبناء الشعب البحريني في الحقوق والواجبات تحت سيادة القانون، وقد شارك علماء البحرين، في الاحتجاجات والوقفات التضامنية مع حقوق الشعب البحريني، وعملوا على الحفاظ على الزخم الثوري ومواجهة آلة القمع.
2- صيانة هوية الثورة ومنع تشويه صورتها أو ركوب موجتها، حيث فند علماء البحرين في أكثر من مناسبة المزاعم التي تروج لها سلطات المنامة حول أهداف طائفية للثورة البحرينية، حيث أكد علماء البحرين بأن هدف الثورة البحرينية لا يتجلى بدولة ذات صبغة فقهية محسوبة على مذهب معين، بل إن هدف الثورة تحقيق الاصلاح والتساوي في المواطنة بلا تمييز بين الطوائف المذاهب والمكونات بما يعزز روح المحبة والتسامح.
3- التأكيد على الوحدة الاسلامية بين الشيعة والسنة، حيث أطلق المجلس العلمائي منذ بداية الحراك الثوري، "وثيقة الوحدة الإسلامية" ونبذ الفرقة المذهبيّة والنزاع الطائفي، وتكريس مفهوم الأمّة الواحدة والتعاون على الحق والخير، والدفاع عن مصالح المسلمين وقضايا الأمّة، والتأكيد على مركزية القضية الفلسطينية.
4- ضبط خطاب الثورة وابعاده عن الغلو والتطرف، حيث كان للعلماء الدور الأساسي في الحفاظ على النهج المعتدل لخطاب الثورة، وتهدئة ردات الفعل الشعبية الساخطة على خطاب سلطات المنامة، الذي يستهدف طائفة بعينها ويسيء إلى رموزها وعقائدها، ويضيق على حريتها في ممارسة شعائرها.
5- الحفاظ على سلمية الحركة الاحتجاجية، من خلال ضبط الزخم الشبابي، وفرملة ردات الفعل على الممارسات العنيفة التي قام بها أزلام النظام الخليفي وقوات الاحتلال السعودي بحق الشعب البحريني، من قتل واعتقال وتعذيب، والمحاكمات الجائرة بحق المعارضين السياسيين.
6- التصدي لهدم البيوت وهتك الحرمات والاعتقالات التعسفية، حيث دأب علماء البحرين على إدانة الممارسات الجائرة التي يقوم بها آل خليفة بحق المعارضين السلميين، ومواجهة مساعي للنظام الخليفي للاستفراد بالنخب الثورية والتضييق عليها، وتصفيتها وإبعادها عن ساحة النضال.
7- الدفاع عن معتقدات وشعائر الشعب البحريني، حيث تصدى علماء البحرين لمحاولات هتك حرمة الشعائر الدينية والمذهبية، مؤكدين على أنها خط أحمر لا يجوز المساس به إطلاقاً، كما أكد علماء البحرين على مسؤولية الدولة بكل سلطاتها وأجهزتها أن تحمي هذه الشعائر وتحافظ عليها.
هذا الدور الريادي الذي مارسه علماء البحرين في الحراك الثوري، هو أهم ما يميز الثورة البحرينية عن غيرها من الثورات، التي انحرفت عن أهدافها واستطاعت قوى إقليمية ودولية ركوب موجتها، وتسخيرها لخدمة مصالحها. إلا أن الثورة البحرينية بقيت عصية على كل هذه المحاولات، بفضل الدور العلمائي، وهي تمتلك اليوم كل مقومات النجاح، ولذلك فهي تسير بخطى ثابتة نحو تحقيق أهدافها، عاجلاً كان أم آجلاً.