الوقت - حظيت جولة رئيس وزراء الكيان الإسرائيلي "بنيامين نتنياهو" إلى القارة الأفريقية والتي شملت (أوغندا وكينيا وإثيوبيا ورواندا) بإهتمام المراقبين لما تضمنته من أهداف سياسية وإقتصادية وأمنية تسعى تل أبيب لتحقيقها في ظل الظروف الشائكة والحسّاسة إقليمياً ودولياً.
في هذا المقال سنسلط الضوء على أهداف هذه الجولة وهى الأولى منذ 1994 لرئيس وزراء إسرائيلي إلى القارة الأفريقية التي تضم 54 دولة، وممثلة بـ 54 صوتاً في الأمم المتحدة.
وكانت العلاقات بين الكيان الإسرائيلي وأفريقيا قد ضعفت بعد حرب أكتوبر 1973. وقررت 35 دولة أفريقية قطع علاقاتها الدبلوماسية مع هذا الكيان في تلك الفترة. ووصلت العلاقات بين الجانبين إلى التدهور التام في عام 1975 وذلك بعد صدور قرار الأمم المتحدة الذي إعتبر الصهيونية شكلاً من أشكال العنصرية والتمييز العنصري، لكن عادت هذه العلاقات إلى سابق عهدها بعد توقيع إتفاق "كامب ديفيد" بين مصر وهذا الكيان عام 1978.
الإختراق السياسي وحشد التأييد الدبلوماسي الأفريقي
- إستهدفت جولة نتنياهو في القارة الأفريقية إستقطاب حلفاء جدد لوقف الإدانات ضد ممارسات الكيان الإسرائيلي في الأراضي الفلسطينية المحتلة بعد أن نجحت العديد من الدول الأفريقية في خلق قرار أممي يزعج القيادات الإسرائيلية في هذا المجال.
- تركيز جولة نتيناهو لدول حوض النيل لم يكن من قبيل المصادفة، بل يعتبر بمثابة تشجيع لهذه الدول للوقوف في وجه المصالح المصرية، خاصة في ظل التوتر بين مصر وإثيوبيا بسبب "سد النهضة" لاسيّما وإن الدراسات الفنية والتمويلات اللازمة لبناء السد الإثيوبي قادمة من تل أبيب وحلفائها. ويحاول الكيان الإسرائيلي إستهداف المفاوضات المصرية الإثيوبية وتعقيدها كورقة ضغط على الجانب المصري.
- إستهدفت جولة نتنياهو محاصرة قضية الشعب الفلسطيني عبر كسب مزيد من الداعمين للتطبيع مع الكيان الإسرائيلي الذي يخشى من إتساع دائرة التعاطف مع الفلسطينيين من خلال قدرة الأطراف الأفريقية في التأثير على المنابر الدولية الداعمة للقضية الفلسطينية.
الكيان الإسرائيلي ودول حوض النيل
- يسعى الكيان الإسرائيلي للحصول على عضوية دول حوض النيل، خاصة بعد فشله في الحصول على مياه النيل عن طريق الحدود البرية التي تربطه بمصر. ويرى المراقبون أن هذه المساعي من الممكن أن تسفر عن تعاون تل أبيب مع الدول الأفريقية لتنفيذ مشاريع مشتركة تقلل من كمية المياه لمصر والسودان في وقت يتزايد فيه حجم الإستهلاك.
الإختراق الإقتصادي وفتح أسواق جديدة
- بدت الأهداف الإقتصادية حاضرة وبقوة في جولة نتنياهو في القارة الأفريقية، حيث ضم الوفد المرافق لنتنياهو أكثر من مئتي رجل أعمال كانوا يدخلون أفريقيا تحت غطاء شركات أوروبية. وتتركز المصالح الإسرائيلية الإقتصادية في كينيا ورواندا على وجه الخصوص على مناجم المعادن الثمينة من الذهب واليورانيوم والأحجار الكريمة.
وفي ظل نمو إقتصادي يبلغ 6% سنوياً في القارة السمراء، يشكل السوق الأفريقي قناة جيدة للشركات الإسرائيلية في الكثير من المجالات. وتجدر الإشارة إلى أن جولة نتنياهو جاءت بعد أن صادقت الحكومة الإسرائيلية على خطة تهدف لتعزيز العلاقات الإقتصادية مع دول القارة الأفريقية.
- في المجال العسكري سعى نتنياهو لتسويق السلاح الإسرائيلي بمختلف صنوفه إلى الدول الأفريقية ومن بينها الطائرات بدون طيار الحديثة والمتطورة.
الأهداف الأمنية لجولة نتنياهو
- تستهدف الإستراتيجية الأمنية الإسرائيلية في أفريقيا تطويق إيران ومنعها من توظيف إمكاناتها لتوثيق علاقاتها مع الدول الأفريقية، والسعي لمحاصرة إيران من خلال التحالف مع بعض الدول المحيطة بها جغرافياً، وحصر العداء بالجمهورية الإسلامية في إيران ومحور المقاومة الذي يتصدى للمشروع الصهيوأمريكي في المنطقة، وكذلك السعي لمنع إيصال المساعدات من إيران إلى فصائل المقاومة الفلسطينية خصوصاً حركتي "حماس" و"الجهاد الإسلامي" عبر البحر الأحمر والقرن الأفريقي.
- إستهدفت جولة نتنياهو في القارة الأفريقية والتي شملت العاصمة الرواندية "كيجالي" الدفع بإتجاه الإنضمام إلى الإتحاد الأفريقي بصفة عضو مراقب على خلفية ترؤس رواندا الدورة الـ 27 للإتحاد الأفريقي، وذلك من أجل خلق فرص إضافية أمام الكيان الإسرائيلي نحو القارة السمراء.
- يسعى الكيان الإسرائيلي إلى تعزيز علاقاته الأمنية مع دول شرق أفريقيا، لاسيّما أثيوبيا وكينيا وأوغندا وإريتريا وجيبوتي، من أجل السيطرة على المدخل الجنوبي للبحر الأحمر عند مضيق باب المندب الذي يعتبره الکيان الإسرائيلي منفذاً حيوياً لحركته الملاحية من آسيا وأفريقيا وبالعكس.
وترغب تل أبيب كذلك بتطوير علاقاتها مع كينيا التي تقع على المحيط الأطلسي بهدف الحصول على تسهيلات للقطع البحرية الإسرائيلية. أمّا العلاقة بنظام الرئيس الإرتيري "أسياس أفورقي" فيقوم جانب منها على السماح للغواصات والسفن العسكرية الإسرائيلية بإستخدام الموانئ الإريترية.
وتؤكد المعطيات الحالية أن العلاقات الإسرائيلية - الأفريقية قد تشهد تطوراً أكبر خلال المرحلة المقبلة، لكن التاريخ وحقائقه يؤكدان أن تلك العلاقات ما كانت لتشهد هذا القدر من التطور لولا وجود أسس تم تثبيتها منذ عقود، وأن ما يحدث الآن ليس أكثر من إستكمال لتثبيت الأقدام الإسرائيلية في الساحة الأفريقية.
وربما لم يكن الدور الإسرائيلي في القارة السمراء لسنوات مضت جلياً بشكل لافت للنظر، رغم خطورته، لكن هذا الدور يتضح بشدة في أوقات الأزمات، وربما كانت الأزمة التي نشبت قبل أكثر من أربعة أعوام بين مجموعة "دول المنبع" في دول حوض النيل بزعامة إثيوبيا و"دول المصب" بزعامة مصر، بسبب إصرار الطرف الأول على توقيع إتفاق "عنتيبي" الذي يقضي بإعادة تقسيم مياه النيل، ربما كانت دليلاً على ذلك، فشبح الكيان الإسرائيلي كان حاضراً بقوة كلاعب أساسي في تلك الأزمة من وراء الستار.