الوقت- وثقت الإحصاءات الرسمية الجزائرية استشهاد مليون ونصف المليون جزائري في حرب التحرير ضد الاستعمار الفرنسي، التي امتدت بين 1954- 1962، وطالما اعتبر هذا الرقم دليلاً على تعامل الاحتلال الفرنسي بمنتهى الوحشية مع الجزائريين، لكن الرقم الحقيقي لعدد الشهداء الجزائيين أكبر من ذلك بكثير.
إن إماطة اللثام عن الرقم الحقيقي لعدد الشهداء في الجزائر، خلال حقبة الاستعمار الفرنسي، دليل جديد على همجية المستعمرين الفرنسيين، وارتكابهم لجرائم حرب وإبادة جماعية ستبقى شاهد إدانة ضدهم على مر العصور.
وأصدرت "الرابطة الجزائرية لحقوق الإنسان"، وهي رابطة مستقلة، استناداً للأرشيف الفرنسي الخاص بفترة الاحتلال، واعترافات مسؤولين وقادة عسكريين فرنسيين سابقين وحصيلة أعمال خبراء بالتاريخ، جزائريين وفرنسيين، أصدرت تقريراً بمناسبة الذكرى 54 لاستقلال الجزائر أكدت فيه أن العدد الإجمالي لشهداء الجزائر إبان الاحتلال الفرنسي فاق تسعة ملايين مواطن جزائري، ما بين 1830- 1962، سقطوا في الانتفاضات والثورات ضد الاحتلال، لاسيما في المناطق الريفية، على غرار مقاومة المقراني والشيخ الحداد وفاطمة نسومر وغيرها من المقاومات الشعبية، وفي الحملات الدموية التي قام بها الجيش الفرنسي في محاولة لإخضاع الشعب الجزائري وشطب هويته الوطنية والقومية.
وأعادت الرابطة في تقريرها التذكير باستمرار تعنت الحكومات الفرنسية في رفض الاعتراف بجرائم الاحتلال الفرنسي للجزائر، والاعتذار عن تلك الجرائم، التي وثقها مؤرخون فرنسيون من بينهم المؤرخ اليساري جاك جوركي، ومؤرخون جزائريون من بينهم محمد الحسن زغيدي، ومحمد قطاري، وتتقاطع الأرقام التي أوردوها مع تصريح لمدير الإعلام أثناء الثورة التحريرية، الدكتور محمد الصالح الصديق، أكد فيه أن عدد الشهداء في الجزائر بلغ 7 ملايين و700 ألف شهيد، وليس مليونا ونصف المليون فقط. وربما يكون هذا الفارق الكبير بين الرقم الرسمي المعتمد والرقم الذي يتحدث عنه المؤرخون ومسؤولون سابقون في الثورة الجزائرية ومنظمات حقوقية مستقلة، مثار تساؤلات تبحث عن إجابات.
وزير المجاهدين، الطيب زيتوني، رأى في تصريح له، في السياق ذاته، أنه لن تكون هناك علاقات طبيعية بين فرنسا والجزائر إذا لم تتم معالجة ملف المفقودين والضحايا الذين مازالوا على قيد الحياة، والتعويض لذويهم، وكذلك بالنسبة لضحايا التجارب النووية الفرنسية في الصحراء الجزائرية 1963-1966. علماً بأن فرنسا جندت مئات الآلاف من الشبان الجزائريين رغماً عنهم للقتال في صفوف الجيش الفرنسي، خلال الحربين العالميتين الأولى والثانية، قتل منهم 180 ألف في الحرب العالمية الأولى و200 ألف في الحرب العالمية الثانية، ولا تعرف على وجه الدقة أرقام القتلى من بين الجزائريين الذين اقتدهم الاحتلال الفرنسي للخدمة العسكرية في مستعمرات فرنسية أخرى.
لم يكتف الاحتلال الفرنسي بإبادة ملايين الجزائريين، بل عمل على إخفاء الحقائق وتشويه التاريخ والذاكرة، بتقديم قراءات ملفقة لتزوير الوقائع التاريخية، والتشكيك في عدد الشهداء، والهوية والوطنية الجزائرية، من خلال تقديم صورة وردية عن حقبة الاحتلال الفرنسي للجزائر، وتقديم الكولونيالية كنعمة وليس نقمة، والتابعين له والمتعاونين معه كشرفاء، في مسعى لدفن التاريخ والذاكرة، ودس رواية تاريخية ملفقة، الأمر الذي لن يساعد أبداً فرنسا بالتصالح مع الحقائق التاريخية، ولن يساعد أيضاً في تعافي العلاقات الجزائرية الفرنسية من ثقل الحقبة الاستعمارية، بل سيبقيها في حالة مراوحة بالمكان، وسيعرضها للهزات بين الحين والآخر.