الوقت- حظي البيان الذي أصدره قائد فيلق القدس اللواء "قاسم سليماني" مؤخراً بشأن الأحداث في البحرين بأهمية خاصة لدى جميع المحافل السياسية والإعلامية، الإقليمية والدولية، لما تضمنه هذا البيان من عبارات صريحة تحذر نظام آل خليفة من العواقب الوخيمة لقراره الأخير بسحب الجنسية البحرينية عن الزعيم الديني في البحرين آية الله الشيخ عيسى قاسم.
واعتبرت الكثير من وسائل الإعلام الدولية هذا البيان بمثابة خروج إيران عن النهج الدفاعي الذي إعتمدته حتى الآن لمواجهة الفتنة التي تشهدها المنطقة والتي تصاعدت وتيرتها منذ تولي الحكام الجدد في السعودية السلطة في هذا البلد.
ماذا قال اللواء سليماني في بيانه
أشار اللواء "قاسم سليماني" في بيانه بشكل غير مباشر إلى أن النظام البحريني يتصور بأن الشعب البحريني ليس أمامه طريق سوى الإستسلام لرغباته وأوامره لتوهمه بأن هذا الشعب لا يتمكن من الإستعانة بالخارج وخصوصاً بالجمهورية الإسلامية في إيران لعدم وجود حدود بريّة مشتركة بين البلدين، إلى جانب تصور هذا النظام بأن الدعم الأمريكي والسعودي الشامل الذي يحظى به يجعله يتوهم أيضاً بأن بإمكانه الضغط على الشعب البحريني وممارسة كافة أنواع القمع ضد هذا الشعب دون حدود ودون أيّ رادع.
ويعكس بيان "سليماني" في الواقع حقيقتين أساسيتين؛ الأولى: إن الشعب البحريني بإمكانه تغيير النهج السلمي الذي إعتمده حتى الآن للمطالبة بحقوقه المشروعة إلى أسلوب ثوري، وعدم الإكتفاء بالتظاهرات والإحتجاجات السلمية. والحقيقة الثانية هي أن الشعب البحريني لن يبقى بدون مدافع أو لن يلقى الدعم المؤثر من الخارج لتمكينه من الدفاع عن نفسه أمام بطش وقمع السلطات في المنامة.
ويظهر بيان "سليماني" بوضوح أن الجمهورية الإسلامية في إيران لن تتوانى في الدفاع عن الشعب البحريني المظلوم، وهو ما أكده كذلك بيان وزارة الخارجية الإيرانية الذي شجب أيضاً بشدة قرار السلطات البحرينية بسحب الجنسية عن آية الله الشيخ عيسى قاسم.
ومن خلال تفكيك عبارات بيان قائد فيلق القدس يتضح بصورة جلية أن الجمهورية الإسلامية في إيران لن تتردد في إستخدام الطرق الثورية لدعم الشعب البحريني ما لم تتخلى سلطات المنامة عن ممارساتها القمعية وتبتعد عن إستخدام القوة ضد الشعب البحريني وتصغي لصوته المطالب بالحريّة والديمقراطية وتعترف بحقه في العيش بعزّة وكرامة، وهو أمر يبدو مستبعداً جداً في ظل التعنت المستمر الذي دأبت عليه سلطات آل خلفية وتجاهلها المتواصل لحقوق هذا الشعب المظلوم.
وهناك مؤشرات تلوح في الأفق تؤكد بأن الشعب البحريني لن يقف مكتوف الأيدي أمام قمع سلطات آل خليفة الأسيرة لأوامر ورغبات أمريكا والسعودية، وسيتخذ التدابير اللازمة لتحطيم الأغلال التي تسعى هذه السلطات لتطويقه بها.
ومن المؤكد أيضاً إن الشعب البحريني الذي إنتفض منذ نحو ست سنوات سينتصر لا محالة في هذه المواجهة وسيتلاشى نظام آل خليفة بسرعة في حال قرر 10 بالمئة فقط من هذا الشعب تغيير أساليبه السلمية إلى النهج الثوري ووضع أصابعه على الزناد بعد أن صبر كثيراً في التعبير عن مطالبه المشروعة من خلال التظاهرات والإحتجاجات السلمية.
ولو أدرك آل خليفة بأن الشعب البحريني كان بإمكانه أن يسقط نظامهم منذ سنوات لو كان قد قرر اللجوء إلى القوة ولم يكتفِ بالتظاهرات والإعتصامات السلمية والحشود الكبيرة التي تشارك في إحياء مراسم عاشوراء وزيارة أربعينية الإمام الحسين "عليه السلام" والتي كانت تكتفي بإطلاق هتافات الموت لأمريكا التي إقترنت بشعارات الموت لآل خليفة.
ولولا طلب إيران من الشعب البحريني بضرورة التحلي بضبط النفس والإبتعاد عن إستخدام القوة في التعبير عن مطالبه المشروعة منذ إنطلاق ثورته السلمية في شباط / فبراير 2011 لتمكن هذا الشعب من الإطاحة بنظام آل خليفة خلال مدة قصيرة.
وكان هدف الجمهورية الإسلامية في إيران من هذه التأكيدات هو حفظ دماء المسلمين رغم علمها بقساوة الظروف التي يعيشها الشعب البحريني بسبب القمع الشديد الذي تمارسه سلطات آل خليفة ضد هذا الشعب.
ووصل الأمر بالسلطات البحرينية إلى التوهم بأن الشعب البحريني ليس أمامه سوى التظاهرات السلمية للمطالبة بحقوقه المشروعة، ولهذا لم تعِر هذه السلطات أهمية لهذه المطالب، وتخطت ممارساتها القمعية إلى التجرؤ في إتخاذ قرار سحب الجنسية عن القائد الديني للشعب البحريني آية الله الشيخ عيسى قاسم، ويخشى الكثير من المراقبين أن يستمر هذا السيناريو إلى وقت يتم فيه تعريض حياة آية الله عيسى قاسم إلى الخطر كما فعل النظام السعودي من قبل عندما إرتكب جريمة إعدام عالم الدين آية الله الشيخ نمر باقر النمر قبل نحو ستة أشهر، وهو ما ينذر بعواقب وخيمة ومخاطر كبيرة على البحرين والمنطقة برمتها.
ويؤكد بيان قائد فيلق القدس اللواء "قاسم سليماني" بأن إيران لايمكنها غضّ الطرف عمّا يعانيه الشعب البحريني. وهذا البيان يعبّر في الحقيقة عن رأي الشعب الإيراني الثوري الذي أكد مراراً من خلال تظاهراته الواسعة دعمه التّام للمطالب المشروعة للشعب البحريني.
ومن الخطأ التصور بأن الإجراءات الثورية للشعب الإيراني تتم بعيداً عن السياقات الدبلوماسية الصحيحة، وهذا ما أشار إليه أيضاً بيان وزارة الخارجية الإيرانية الذي أكد أن موقف قائد فيلق القدس جاء منسجماً تماماً مع إرادة الشعب الإيراني ومعبراً عن دعمه الكامل لمطالب الشعب البحريني المظلوم.
وتجدر الإشارة هنا إلى أن بيان اللواء "قاسم سليماني" يأتي في إطار سياسة الجمهورية الإسلامية في إيران الداعمة بقوة لمطالب الشعوب المظلومة ومواجهة القوى الإستكبارية والمتغطرسة وفي مقدمتها أمريكا وحلفائها وعملائها في المنطقة.
كما ينبغي التنبيه إلى أن بيان اللواء سليماني الخاص بالدفاع عن الشعب البحريني ليس مقالة سياسية أو صحفية لطرح نظرية معينة؛ بل هو يعكس بوضوح ثوابت الجمهورية الإسلامية في إيران والمبادئ العقائدية والقيم الثورية التي تنطلق منها وتعتمدها في رسم سياستها الخارجية.
ومن المؤكد أن سلطات آل خليفة ستأخذ تحذيرات اللواء سليماني على محمل الجد لأنها تعلم جيداً بأن أقواله ستترجم إلى أفعال، وعندها ستميل الكفّة لصالح الشعب البحريني، ولن ينفع نظام آل خليفة الندم حين لا ينفع الندم، خصوصاً بعد الإحتجاجات الواسعة التي شهدتها الكثير من الدول تاييداً للشعب البحريني الذي تظاهر بشكل سلمي وحضاري، وقدّم الكثير من الشهداء وتحمل الكثير من الأذى في سبيل نيل مطالبه المشروعة. ولهذا لايمكن أن يُتهم هذا الشعب بالعنف والتطرف في حال قرر اللجوء إلى القوة لإنتزاع حقوقه المشروعة.