الوقت- لم يكن الإعتداء الإسرائيلي الأخير على قطاع غزة هو الأول من نوعه منذ إنتهاء عداون غزة عام 2014، حيث ينتهز الجيش الإسرائيلي بين الفينة والآخرى الوضعين الداخلي والإقليمي لتوجيه ضربات محدودة إلى سكّان القطاع غير آبه بالوساطة الدولية التي أفضت إلى وقف إطلاق النار في عداون 2014.
لا شكّ أن الكيان الإسرائيلي لا يريد حرباً مفتوحة مع المقاومة الفلسطينية، لاسيّما أن الظروف الحالية قد لا تخدمه بإعتبار أن الرئيس الأمريكي "باراك أوباما" لن يسمح قبيل إنتهاء ولايته بشن حرب مشابهة لعدوان 2014، إلا أنه لا يمكن فصل الإعتداء الأخير الذي وجه برد مناسب من المقاومة عن جملة من المتغيرات العربية، سعودية، والإقليمية، تركية، ترسم واقعاً مختلفاً عن واقع العام 2014.
سعودياً، يختلف الواقع عن عدوان 2014 حيث تطورت العلاقات مع الكيان الصهيوني، ووصلت للقاء الأمير "تركي الفيصل" مسؤولا صهيونيا، بعد المرحلة الأولى التي تمثّلت بلقاء اللواء "أنور عشقي" مع مستشار "نتنياهو" ثم ألحق الأمر بزيارة وفد إسرائيلي رفيع للرياض قبل فترة وفق ما أعلنت صيحفة "هآرتس"، وقبيل مرحلة مرتقبة تعقد فيها السعودية لقاء رسمي، من كافة النواحي، مع الجانب الإسرائيلي (يعتقد العديد من الخبراء أن الجزيرتين المصريتين تيران وصنافير ستكونا باب للدخول إلى لقاء علني في الفترة المقبلة) . تركيا أيضاً، إختلف المشهد كثيراً عن العام 2014 حيث أنهت أنقرة خلافها مع تل أبيب إثر الأزمة مع روسيا، لتدفن حادثة سفينة مرمرة وتدفن معها جملة من الوعود التي أطلقها الرئيس التركي "رجب طيب أردوغان" بالدفاع عن فلسطين، ما دفع بالإعلام الإسرائيلي للحديث عن ضمانات تركية مقدمة للجانب الإسرائيلي حول مستقبل العلاقة مع حماس.
الواقع المفترض يهدف لرسم قواعد إشتباك جديدة، تفضي إلى تمهيد الطريق لعدوان جديد يهدف للقضاء على المقاومة في غزّة وإقتلاعها من جذورها. ما يعزّز فرضية قواعد الإشتباك الجديدة جملة من الشائعات أثارتها السلطات الإسرائيلية في اليومين الماضيين لقيت رفضاً فلسطينياً من مختلف الفصائل، فعلى سبيل المثال نفت كل من حركة حماس والجهاد الإسلامي بشدة مزاعم جيش الاحتلال بوجود تفاهمات تتيح لها العمل لمسافة مئات الأمتار داخل قطاع غزة، مؤكدة رفضها فكرة وجود نقطة عازلة شرق القطاع.
إدعاءات الإحتلال هذه بوجود تفاهمات لوجود منطقة عازلة داخل حدود قطاع غزة، والتي وصفتها المقاومة الفلسطينية بالأكاذيب التي لا أساس لها من الصحة، نافيةً ما أوردته صحيفة يديعوت أحرنوت الإسرائيلية اليوم، أنه "تم التوصل إلى اتفاق عام بين بين الفصائل الفلسطينية في غزة وإسرائيل بعد جهود وساطة من قبل أطراف دولية في الأيام الأخيرة، حيث تم تبادل عدة رسائل بين الجانبين عبر الوسطاء"، ترافقت مع معلومات مشابهة نقلتها القناة الثانية الاسرائيلية مفادها أن "اسرائيل تريد مقايضة أنفاق حركة حماس بإنشاء ميناء لغزة والتي من الممكن ان تحل المشكلة مع حماس وتنقلب الامور بطريقة اخرى توفر الحد الأدنى من الهدوء على جبهة غزة".
إن الحديث عن منطقة عازلة على حدود قطاع غزة، يهدف لتحقيق أهداف فشل الكيان الإسرائيلي في تحقيقها في العام 2014، وهذا ما أراده "نتنياهو" بسعيه لفرض واقع جديد على طول خط الهدنة شرق القطاع، لأن قوات الإحتلال المتوغّلة ستعمد إلى البحث عن الأنفاق القريبة من الحدود لهدمها بإعتبار أن هذه الأنفاق مثّلت كلمة السر في صمود وإنتصارغزة 2014.
وأما الحديث عن موافقة قيادة الجيش الإسرائيلي وبعض الوزراء منهم "يسرائيل كاتس" و"يؤاف جالانت" على بناء ميناء في غزة مقابل الأنفاق، يهدف بشكل رئيسي لدعم موقف الكيان الإسرائيلي السياسي تجاه الفلسطينيين، فضلاً عن وضع المقاومة في مواجهة مباشرة مع سكّان القطاع بتحميلها مسؤولية فشل مشروع الميناء ورفع الحصار، وهذا ما أوضحه المحلل العسكري الإسرائيلي في صحيفة "معاريف" بن دافيد، قائلاً: "إن بناء ميناء في غزة سيمنح قيادة حماس السياسية سببا للوقوف بقوة أمام "دعاة الحرب من الجناح العسكري"، حسب تعبيره.
"بن دايفيد" أشار إلى أحد أبرز أسباب العدوان الأخير في تقريره، وهو ما أشرنا إليه أعلاه، حيث قال المحلل العسكري في معاريف "أن إسرائيل تدرك تماما معضلة حماس المتمثلة بفقدان الحلفاء في المنطقة، ما يضعها في مأزق سياسي ومادي واقتصادي صعب"، وهذا ما سينهزه الكيان الإسرائيلي للإنقضاض على المقاومة الفلسطينية.