الوقت- دفي أول خطوة رسمية، أعلنت المحكمة الجنائية الدولية، أمس الجمعة، أن الإدعاء سيفتح "تحقيقاً أولياً" في جرائم حرب محتملة وقعت على الأراضي الفلسطينية منذ يونيو/حزيران 2014، مما يفتح الباب لإمكانية ملاحقة المسؤولين الإسرائيليين ومحاكمتهم.
وقال مكتب الادعاء في المحكمة الدولية أن البحث الاولي يهدف الى تحديد ما اذا كان هناك “اساس معقول” لفتح تحقيق، كما اوضح مكتب المدعية العامة للمحكمة فاتو بن سودة في بيان، مضيفا ان “المدعية العامة ستحلل خصوصا المسائل المرتبطة بالاختصاص وامكانية قبول الملف ومصالح المتقاضي ”.
وشددت المحكمة على أن الدراسة الأولية ليست تحقيقا، وإنما هي عملية لفحص المعلومات المتاحة بُغية التوصل إلى قرار يستند إلى معلومات وافية بشأن مدى توفر أساس معقول لمباشرة تحقيق، عملا بالمعايير المحددة في نظام روما الأساسي.
وأوضح مكتب الادعاء إنه سيجري تحليله "باستقلال تام وحيادية"، مضيفا أن من سياساته المعمول بها أن يفتح تحقيقا أوليا بعد أن يتلقى مثل هذه الإحالة.
وكان الرئيس الفلسطيني محمود عباس ارسل للمحكمة وثيقة تسمح للمدعية بالتحقيق حول جرائم مفترضة ارتكبت في "الاراضي الفلسطينية المحتلة منذ 13حزيران/يونيو 2014".
الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون الذي قبل طلب دولة فلسطين الانضمام إلى المحكمة الجنائية الدولية، في 7 يناير/ كانون الثاني، أكد أن الفلسطينيين سيحصلون على العضوية الرسمية للمحكمة الجنائية الدولية في الأول من ابريل نيسان بناء على طلبهم وهي خطوة تعارضها اسرائيل والولايات المتحدة بشدة .
ويمكن أن يؤدي تحقيق أولي إلى توجيه تهم بارتكاب جرائم حرب لإسرائيل سواء اتصلت بالحرب الأخيرة أو الاحتلال الإسرائيلي للضفة الغربية وقطاع غزة المستمر منذ 47 عاما، كما يمكن أن يعرض التحقيق مسؤولين فلسطينيين في غزة أيضا للمحاكمة بشأن الهجمات الصاروخية من قطاع غزة .
ترحيب فلسطيني
القيادة الفلسطينية التي رحبت بالقرار الدولي، أعربت على لسان وزير خارجيتها في رام الله رياض المالكي إنه "لا أحد يستطيع" وقف الإجراءات التي بدأت في المحكمة الجنائية الدولية، معتبرا القرار "أمرا طبيعيا ".
وأضاف المالكي ان رئيس السلطة محمود عباس “وقع على وثيقتين فيما يخص المحكمة الجنائية الدولية، اولاهما معاهدة روما حول انضمامنا الذي ستناقشه المحكمة في الاول من نيسان/ابريل المقبل ”.
اما الوثيقة الثانية، بحسب المالكي، فهي اعلان يخول المحكمة “البحث في جرائم” ارتكبت في الثالث عشر من حزيران/يونيو الماضي .
وأردف قائلاً: ان “البحث الاولي في الجرائم حسب الوثيقة الثانية لا يحتاج الانتظار حتى نيسان/ابريل، وغير مرتبط به ”.
من جانبه قال رئيس الوفد الفلسطيني لدى المحكمة نبيل أبو زيد إن القضية الآن في يد المحكمة الدولية، مضيفا "أن المسألة قانونية الآن ونحن نثق بنظام المحكمة".
غضب إسرائيلي
إسرائيل نددت بقرار المحكمة الجنائية الدولية ، وأعلن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو الجمعة أنه يرفض قرار المحكمة الجنائية الدولية، ورأى أنها لا تملك سلطة قضائية في هذا الأمر لأن فلسطين ليست دولة، بحسب قواعد هذه المحكمة بالذات .
وأضاف أن هذا التحقيق الأولي "عبثي" لأن السلطة الفلسطينية تتعاون مع حركة المقاومة الإسلامية "حماس"، قائلا "إنها الجماعة الإرهابية التي ترتكب جرائم حرب بينما تقاتل اسرائيل الإرهاب وفقا للقانون الدولي، ولديها نظام قضائي مستقل".
من جانبه اعتبر وزير خارجية إسرائيل أفيغدور ليبرمان القرار "أمرا مخزيا" هدفه الوحيد تقويض حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها ضد الإرهاب بحسب بيان من مكتبه، وأكد البيان أن إسرائيل لن تتعاون في التحقيقات .
في السياق نفسه نقلت وسائل إعلام إسرائيلية عن "مصادر رسمية في القدس" قولها، إن "إسرائيل ترفض بيان المدعي عن فتح تحقيق أولي يرتكز على طلب السلطة الفلسطينية المخزي ".
وتابعت الجهات الرسمية إن "السلطة الفلسطينية ليست دولة لذلك لا مجال للمحكمة، حتى وفقاً لأنظمتها، القيام بتحقيق كهذا ".
أمريكا تندّد
من جهتها، أعربت الولايات المتحدة عن انزعاجها من تحرك الفلسطينيين في المحكمة الجنائية الدولية، مشيرة إلى أن فلسطين "غير مؤهلة" للانضمام إلى المحكمة كونها "لا تمثل دولة"، مدينةً بشدّة قرار المحكمة.
وأعلن المتحدث باسم الخارجية الأميركية جيف راثكي الجمعة، إن موقف بلاده واضح بشأن هذا الأمر، مشددا على أن هناك العديد من الدول الأخرى التي تشاركهم وجهة النظر هذه، دون تسمية لها.
واضاف :" انها لمفارقة مأساوية ان تصبح اسرائيل التي تعرض سكانها وأحياؤها لقصف بالصورايخ من قبل الارهابيين موضع تحقيق ".
وتابع راثكي: نحن منزعجون بشدة من تحرك الفلسطينيين في المحكمة الجنائية الدولية، مشددا:"نحن لا نعترف بفلسطين كدولة، ولذا فاننا لا نعتقد أنها مؤهله للانضمام الى المحكمة الجنائية الدولية".
واعتبر المتحدث باسم الخارجية الأمريكية أن "مكان حل الخلافات بين الطرفين الفلسطيني والاسرائيلي هو المفاوضات المباشرة وليس الخطوات الأحادية من قبل أي من الجانبين".
في الختام، لو صرفنا النظر عن النتائج المفترضة لهذا التحقيق الأولي والتي تتلخص في سيناريوهات ثلاثة: إما تمكين المدعية من تقديم طلب لقضاة المحكمة بفتح تحقيق في الوضع بفلسطين، أو مواصلة جمع المعلومات بهذا الشأن، أو رفض الشروع في التحقيق، فان القرار الأخير يعتبر مسماراً جديداً في نعش الكيان الصهيوني على الساحة الدولية، خاصةً أنه يأتي بعد موجة الاعترافات بدولة فلسطين في أوروبا ما أثار غضب الكيان ومعارضة واشنطن، ولكن في ظل الدعم الأمريكي لآلة القتل الاسرائيلية قد يستغرق التحقيق الأولي في مقتل قرابة 2200 فلسطيني في غالبيتهم من المدنيين سنوات طويلة