شهدت العلاقات بين ايران وباكستان توتُّرًا غير مسبوق مع مجيء طالبان إلى الحكم في أفغانستان في التسعينات من القرن العشرين، وهي الحركة التي أعلنت عداءها للشيعة وإيران، لكن بعد سقوط طالبان عادت العلاقات لتشهد بعض التحسُّن، لكنها لم تصل إلى المستوى المأمول منها إلى اليوم على الرغم من توافر الرغبة والأرضية المناسبة .
تتشابك المصالح السياسية والاقتصادية بين البلدين، وفي إحدى المراحل انتعشت الآمال بتطوير التعاون بينهما عبر مشروع خط أنابيب الغاز وتصدير الطاقة من إيران إلى باكستان، والذي لو لم تفسده السياسة لكان منقذاً لباكستان من حاجتها الماسة والمتزايدة لإمدادات النفط بأيسر السبل .
اذاً تبدو العلاقات الاقتصادية والتجارية محكومة بتعقيدات الأوضاع السياسية، حيث تتشابك هذه العلاقات وتصطدم بعلاقات كلٍّ منهما مع أمريكا والسعودية والهند، فعلى الرغم من الحديث عن العلاقات السياسية الطيبة فإن حجم التبادل التجاري بين إيران وباكستان يقلُّ عن المليار دولار، تبدو هذه الأرقام مفاجئة مع وجود الكثير من الاتفاقيات التجارية.
خط أنابيب الغاز
لاقى مشروع أنبوب الغاز ترحيباً باكستانياً، ووجدت أنه مشروع يخدم حاجتها من الطاقة، وقد وضع حجر الأساس لأنبوب نقل الغاز من حقل "بارس" في جنوب غرب إيران إلى منطقة "نواب شاه" بالقرب من كراتشي على الساحل الجنوبي الشرقي لباكستان مارًّا بأراضي ولايتي السند وبلوشستان الباكستانيتين، وسُمِّيَ "مشروع السلام"، وذلك بطول يبلغ 2000 كيلو متر، وتقدَّر كلفته الإجمالية بـ7,5 مليار دولار، وقد تمَّ إنجاز مدِّ الأنبوب في الجانب الإيراني بطول 1220 كيلو مترًا، بينما يبلغ طول أنبوب الغاز في الأراضي الباكستانية 780 كيلو مترًا.
وكان من المقرَّر الانتهاء من المشروع - الذي كان يُخطَّط له الوصول إلى الهند- خلال عامين، وبموجب الاتفاق -الذي تمَّ توقيعه بين البلدين في يونيو/حزيران 2010- توفِّر إيران نحو 21,5 مليون متر مكعب من الغاز يوميًّا لباكستان لمدَّة 25 عامًا بداية من ديسمبر/كانون الأول 2014، التي ستُمَكِّن باكستان من توليد نحو 3000-4000 ميجاوات من الكهرباء،لكن هذا المشروع يُواجه عقبات كبيرة، لعلَّ في مقدمتها المعارضة الأميركية، فضلاً عن حساسية السعودية تجاه تحسين العلاقة مع ايران، ولم تكن زيارة ولي العهد السعودي الأمير سلمان بن عبد العزيز الى اسلام آباد عن هذا ببعيد.
طهران دعت إسلام آباد لاتخاذ خطوات فاعلة لتنفيذ المشروع، وتلتقي المواقف الباكستانية مع الرأي الإيراني في أهمية المشروع وضرورة تنفيذه، ولكن تنفيذه يبدو بحاجة إلى قرار سياسي من صانع القرار الباكستاني، ويبدو هذا القرار ضروريًّا لتتخلَّى طهران عن تغريم باكستان مبلغًا يصل إلى 200 مليون دولار شهريًّا بسبب التأخير في إنجاز المشروع خلال المهلة القانونية التي انتهت في 31 ديسمبر/كانون الأول 2014،
واتفق الطرفان الإيراني والباكستاني على تغيير مهلة إكمال المشروع لغاية يناير/كانون الثاني عام 2015، وضمنت إيران منح حصتها الاستثمارية لإكمال المشروع، وأكملت مدَّ معظم أنبوب الغاز بطول 900 كيلو متر إلى الحدود مع باكستان، إلا أن إسلام آباد لم تنجز المطلوب لإكمال المشروع.
عقبات العلاقة
تقف في وجه العلاقة الايرانية –الباكستانية عقبات عدّة، تتعلَّق معظمها بالعلاقات الدولية، فلا مشكلة حدودية بين البلدين، وعلى الرغم من التوتُّر الذي حدث على الحدود مؤخَّرًا فإن الطرفين يُبديان حرصًا على تجنُّب أيِّ تصعيد حدودي، وإن كان هذا الحرص يصطدم من فترة لأخرى بالوضع الأمني المتردِّي على الحدود، لذلك يمكن إجمال هذه العقبات بالتالي :
العلاقة مع أمريكا
على مدى العقود الأربعة الماضية كانت العلاقة مع واشنطن نقطة خلاف بين الجانبين، فقد ساهم التحالف الأمريكي –الباكستاني في تعويق تطوير العلاقة مع طهران، وتمثَّل هذا بصورة كبيرة في معارضة واشنطن لعدد من المشاريع الاقتصادية بين إيران وباكستان. باكستان اليوم تمتلك رغبة كبيرة في إعادة تعريف العلاقة مع واشنطن، خاصة مع تشكُّل قناعة في الأوساط العسكرية والسياسية الباكستانية عبَّر عنها وزير الدفاع الباكستاني بقوله: "الولايات المتحدة الأميركية ليست حليفًا يمكن الوثوق به، فقد كانت حليفًا نسبيًّا لنا في الستينات والسبعينات، وكانت سياساتها في الشرق الأوسط وجنوب آسيا كارثية".
العلاقة مع الهند
تطوُّر علاقة إيران مع الهند في السنوات الأخيرة، يُثير قلقًا باكستانيًّا، خاصة أن الهند استثمرت العلاقة مع إيران لتحصيل موطئ قدم في أفغانستان عبر مشاريع اقتصادية كانت بوابة الدخول إليها إيران. وتسعى الهند لعلاقات قوية مع إيران خاصة على الصعيد الاقتصادي، لكنها تُحجم عن السماح لباكستان أن تكون شريكة في هذا التعاون، وقد بدأت الهند في تسريع وتيرة العمل في ميناء تشابهار الذي سيكون مدخلاً لمنطقة آسيا الوسطى وأفغانستان الغنية بالموارد.
العلاقة مع السعودية
لقد مثلت باكستان نموذجاً واعدا لنقل السلفية السعودية اليها، وهي ايضاً دولة تتبع المعسكر الغربي الذي تنتمي اليه السعودية نفسها، لهذا وجدت الرياض ان باكستان خير حليف ممكن لحماية امنها الإقليمي لذلك قامت بالاستثمارات الاقتصادية وتقديم المعونات الى الحكومات الباكستانية المتوالية، ولكن ـ كالعادة - السعودية المعروفة بإنها لا تستخدم استثماراتها السياسية دون ان يردفها استثمار مذهبي /وهابي، ظهرت نتائجه واضحة في العقود الثلاثة، على شكل تطرف وارهاب وصراع محلي طائفي دموي لازال مستمراً . هذه الجماعات الارهابية لم تتوان في ضرب حرس الحدود الايراني والقيام باعمال ارهابية على الحدود بين البلدين.
اذاً الرياض لم تقبل ان تُختطف باكستان منها، والعلاقات السياسية بين البلدين كانت وثيقة الى حدّ اصبحت فيه الرياض لاعباً رئيسياً محلياً، فهي قد دعمت الانقلاب على رئيس الوزراء ذو الفقار علي بوتو اواخر السبعينيات الميلادية،الى أن تمّ تعليقه على المشنقة على يد حليف الرياض الجنرال ضياء الحق .
الرياض أيضاً ورّطت باكستان عميقاً في الشأن الأفغاني، وتحديداً في نشوء القاعدة، ومن ورائها الطالبان الأفغانية ودعمهما، وذلك بالتنسيق المباشر بين الاستخبارات السعودية والإستخبارات العسكرية الباكستانية .
في الختام تتشابك المصالح السياسية والاقتصادية بين ايران وباكستان ، لكن العقبات الخارجية تقف في وجه ارساء علاقة بمستوى المرحلة نظرا إلى الأهمية الجيوسياسية والجيوستراتيجية لكلا البلدين، فسياسة باكستان الخارجية محكومة بقرارات بعض الدول الاقليمية والدولية، متجاهلةً حاجة شعبها المتزايدة من الطاقة التي يلبيها الجار الايراني.