الوقت - نشرت مجلة "نيوزويك" تقريراً صادماً يتحدث عن حياة السكّان السود في مدينة "ديترويت" الأمريكية. ووصف التقرير هذه المدينة بأنها الأسوأ من بين المدن الأمريكية، بسبب التلوث الذي تعاني منه نتيجة وجود مصافي النفط وأفران حرق النفايات.
وذكر التقرير أن أصحاب البشرة السوداء الذين يشكّلون غالبية سكّان ديترويت يعانون من أمراض خطيرة بينها "الربو" بسبب تلوث هواء المدينة، واصفة صعوبة التنفس في هذا الجو بأنه أشبه بتنفس السمكة خارج الماء، مشيراً في الوقت نفسه إلى أن العيش لفترة طويلة في هذه الظروف البيئية الصعبة يهدد معظم سكّان المدينة بالإصابة بمرض الربو في المستقبل.
وأضاف التقرير أن سكّان ديترويت وغالبيتهم من السود ومن الطبقة الفقيرة والمحرومة يرجحون العيش في هذه المدينة لأن أجور السكن فيها واطئة الكلفة وهم مضطرون لتناول أقراص "الستيرويد" المركّز باستمرار لمواجهة أخطار الإصابة بمرض الربو وضيق التنفس، بسبب إنتشار روائح المواد السامّة المنبعثة من مصانع الفحم والغاز والبتروكيماويات القريبة جداً من المدينة، إلى جانب وجود 52 مركزاً للصناعات الثقيلة التي تتسبب أيضاً بتراكم أكثر من 10 آلاف رطل من النفايات السامّة التي يختلط بعضها بمياه الأنهار ومياه الشرب الذي يستهلكه سكّان المدينة، بالإضافة إلى إنتشار الكثير من الغازات الخطرة المنبعثة من هذه المصانع ومن بينها غاز "ثاني أكسيد الكبريت" المسبب الرئيسي لمرض الربو.
وأشار التقرير إلى أن لون السماء في ديترويت يبدو برتقالياً باستمرار بسبب الدخان المتصاعد من المصانع والذي يحتوي على نسبة عالية من أكسيدات النيتروجين والزئبق والرصاص التي تنتشر في الهواء بشكل دائم ويستنشقه سكّان هذه المنطقة. ويتحجج المسؤولون المحليون بأن الكلفة العالية هي التي تمنعهم من معالجة هذا الوضع الذي أدى حتى الآن إلى إصابة آلاف الأشخاص بمختلف أمراض الجهاز التنفسي.
وبسبب هذا الكم الهائل من التلوث إشتهرت مدينة ديترويت بظاهرة "هطول الأمطار الحمضية" خصوصاً في المناطق الجنوبية منها، بسبب وجود مصانع النفط التي تنتج كميات هائلة من ملوثات الجهاز التنفسي، حسبما أكد فريق من الأساتذة المتخصصين في مجال الصحة والبيئة في جامعة "ميشيغان" الأمريكية. وأشار هذا الفريق إلى أنه تقدم بطلبات كثيرة إلى السلطات المحلية لمعالجة هذا الوضع إلّا أنها لم تلق آذاناً صاغية.
وكشفت أحدث الإحصائيات التي أصدرتها سلطات ولاية ميشيغان أن هناك أكثر من 15% من السكّان البالغين والمسنّين في مدينة ديترويت مصابون بمرض الربو، وهي نسبة تزيد بنحو 29% مقارنة بالمدن الأخرى التابعة لهذه الولاية.
وطبقاً لهذه الإحصائيات زادت نسبة السكّان السود المصابين بالربو في ديترويت والذين يضطرون لمراجعة المستشفيات باستمرار بمعدل 150 مرة مقارنة مع جيرانهم من أصحاب البشرة البيضاء. ويشكل السود حوالي 83% من مجموع سكّان هذه المدينة وهي أعلى نسبة بين مختلف المدن الأمريكية.
وأشار تقرير مجلة نيوزويك إلى أن الفقر المنتشر على نطاق واسع بين غالبية سكّان هذه المدينة قد ضاعف من مشاكلهم وعدم قدرتهم على علاج أنفسهم من الأمراض قياساً إلى نظرائهم من ذوي البشرة البيضاء.
وأشار التقرير أيضاً إلى أن 82% من الأطفال السود في ديترويت يتلقون التعليم في مدارس تقع في مناطق ملوثة من المدينة، ما أدى إلى إنخفاض مستويات النجاح في أوساطهم بسبب إصابتهم بكثير من الأمراض التي تحول دون تحسن قدراتهم على التعلم.
ومن المشاكل الأخرى التي يعاني منها السود في هذه المدينة والتي نجمت أيضاً عن التلوث بمختلف أنواع المواد السامّة، إنخفاض أوزان الأطفال حديثي الولادة، وحصول الكثير من الولادات قبل إكتمال مدة الحمل والتي تتسبب في كثير من الأحيان بضمور حجم الدماغ لدى الأطفال وزيادة إستعدادهم للإصابة بمرض الربو الحاد والمزمن، وإضطرابات النوم "الأرق" التي تؤثر دون شك على العملية التعليمية لدى هؤلاء الأطفال في المستقبل.
وأشار تقرير نيوزويك إلى إحدى الدراسات الطبية التي أجرتها جامعة "ستانفورد" في كاليفورنيا والتي أكدت أن الأمراض التي يعاني منها سكّان ديترويت بسبب تلوث المياه والهواء لاسيّما الربو والحسّاسية الشديدة والأمراض الأخرى التي تصيب الجهاز التنفسي خصوصاً الرئتين قد تنتقل بشكل واسع إلى الأجيال القادمة (الأبناء والأحفاد) عبر الجينات البشرية.