الوقت - كان منتجع شرم الشيخ المتواجد في شبه جزيرة سيناء قبلة للسياح الأجانب فضلا على المواطنين المصريين؛ حيث يعج بالسياح من جميع أنحاء العالم خاصة في موسم الصيف وارتفاع الحرارة عندما يلجأ السياح إلى الشواطئ للاستحمام والبحث عن الراحة والأجواء المعتدلة كما يحتوي هذا المنتجع على فنادق فخمة ومطاعم راقية ومراكز التسوق والقرى السياحية الضخمة والخلابة، غير أن سقوط الطائرة الروسية بعد إقلاعها بقليل من مطار شرم الشيخ غير معالم الحياة في المدينة الواقعة على البحر الأحمر فتحولت المدينة التي كانت لا تنام إلى مدينة الاشباح.
وعقب توالي المؤشرات على أن الطائرة تعرضت لعملية إسقاط، قامت عدد من البلدان الكبيرة والشركات العالمية وفي مقدمتها بريطانيا وروسيا بإلغاء كافة رحلات طيرانها إلى شرم الشيخ، علما بأن أكثر السياح في المنطقة يأتون من هذين البلدين تحديدا واليوم لم يعد يهبط في مطار شرم الشيخ سوى طائرات معدودة ويترحم أهالي المدينة على أيامها؛ حتى في عهد الثورات والإنفلات الأمني والأحداث الإرهابية؛ حيث أعلنت صحيفة "ديلي ميل" البريطانية أن صناعة السياحة في مصر تشهد حالة من الفوضى وانخفض عدد السياح من 15 مليون سائح عام 2011 إلى 9 مليون فقط. وأشارت الصحيفة أن حادث تحطم الطائرة الروسية ترك المنتجعات المصرية مهجورة، مع فنادق وشواطئ فارغة.
الخسائر الإقتصادية
شكلت حادثة سقوط الطائرة الروسية المنكوبة في سيناء، محنة جديدة للاقتصاد المصري الذي يُصارع النجاة في ظل العجز الذي يعيشه على خلفية تراجع الاحتياطي النقدي الأجنبي، وتراجع حجم المنح الخليجية. وأدى الحادث إلى سحب السياح الروس والبريطانيين، ما أدى إلى فقدان مصر نحو 280 مليون دولار شهريًّا بعد إعلان دول -بريطانيا وتركيا وروسيا- عن وقف رحلاتها إلى شرم الشيخ.
ويتراوح عدد السياح الروس الذين يزورون مصر شهريًّا ما بين 100 ألف و250 ألف لقضاء العطلة، بنسبة تصل إلى 31% من إجمالي عدد السياح الذين يزورون مصر. ويصل متوسط سعر الرحلة إلى 600 دولار، ويبلغ متوسط إنفاق السائح الروسي في مصر نحو 57 دولارًا يوميًّا، مقابل 70 دولارًا للسائح البريطاني.
وتحتل روسيا المركز الأول في قائمة الدول المصدرة للسياحة إلى مصر، حيث بلغ عدد المواطنين الروس الذين قصدوا مصر بهدف السياحة عام 2014 نحو 3.16 ملايين سائح، تليها بريطانيا، وتأتي ألمانيا في المرتبة الثالثة، وشكل السياح الروس خلال هذا العام ربع إيرادات مصر من العملة الأجنبية خلال العام الماضي بقيمة 1.3 مليار دولار.
وقالت مؤسسة موديز العالمية للتصنيف الائتماني إن حادث سقوط الطائرة الروسية في مصر سيؤثر بشكل سلبي على التصنيف الائتماني للدولة، بعدما قرر عدد من منظمي الرحلات في العالم تعليق رحلاتهم السياحية لمصر مبررة ذلك بتقليل معدلات السياحة الوافدة لمصر، الأمر الذي يساهم في تقليل موارد العملة الأجنبية والتأثير على موقف مصر الائتماني.
وقال سيمون ويليامز، كبير خبراء الاقتصاد لدى «إتش إس بي سي»، إن ما يزيد على 10 مليارات دولار من الاستثمارات الأجنبية في أذون الخزانة المصرية تدفقت خارج البلاد بعد عام 2011، و”من الصعب جدًّا قياس إلى أي مدى يعد الجنيه في حاجة إلى التراجع”.
كما قفزت تكلفة التأمين على ديون مصر الخارجية إلى أعلى مستوى في 18 شهرًا وقالت ماركت للأبحاث إن تكلفة التأمين على ديون مصر لخمس سنوات زادت 12 نقطة أساس عن الإغلاق السابق لتسجل 383 نقطة أساس، وهو أعلى مستوى منذ أبريل/ نيسان 2014. وتصل ديون مصر الخارجية، إلى 48.1 مليار دولار بنهاية السنة المالية 2014-2015 على خلفية المنح والودائع النقدية التي حصل عليها التحالف الحاكم من الدول الخليجية والمؤسسات الاقتصادية الدولية.
بطالة العاملين بقطاع السياحة
من جهة أخرى، يصل حجم مساهمة القطاع السياحي إلى نحو 11.3% في الناتج القومي الإجمالي، كما يساهم بنسبة 7% كمصدر للعملة الأجنبية، وتبلغ نسبة العاملين في قطاع السياحة 12.6% من حجم العمالة المصرية، ويبلغ حجم استثمار السياحة في قطاع الخدمات نحو 5.5%.
نسبة العاملين بقطاع السياحة، والمذكورة سلفًا تُقدر بنحو 3 ملايين عامل في حال كان النشاط مستقرًا، مُعرضة للتسريح كرد فعل طبيعي إزاء الأزمة السياحية الأخيرة في مصر، خصوصًا أن القطاع السياحي “رأسمالي”، يتحكم فيه رجال الأعمال بعيدًا عن القطاع الحكومي، ويُقدر حجم الضرر الذي سيقع على قطاع السياحة، والعاملين به أنه سيمتد لمدة عام كامل جراء الحادثة.
ويظهر ذلك في عملية التسريح للموظفين داخل الفنادق بشرم الشيخ مؤخرًا، وخصوصًا أن غالبية العاملين في هذا القطاع لا يوجد تأمين على أغلبهم، ويعملون وفقًا لأجور شهرية دون عقد، خصوصًا بعد وصول العجز في إشغالات الفنادق إلى ٤٥%، بعد قرارات بعض الدول بوقف رحلات الطيران الخاصة بها إلى مصر، وتراجع إجمالي الحجوزات والإشغالات من ٧٥% إلى ٣٠%.
ووفقًا لمعاهدة مونتريال 1990، التي وقعت عليها أغلب شركات الطيران الروسية، تدفع الخطوط الجوية عادة تعويضًا عن كل مسافر متوفي بمعدل 150 ألف دولار حال كان هذا الخطأ بعيدًا عن الشركة، وتصل هذه القيمة إلى 3 ملايين دولار لكل ضحية حال ثبوت التقصير في اتباع معايير الأمن والسلامة المُتبعة من جانب الشركة التابعة للحكومة المصرية في حالة الحادثة التي راح ضحيتها 224 مسافرًا أغلبهم روس.
مقابل ذلك تكفلت شركة التأمين الروسية “إنغوستراخ” إحدى الشركات الرائدة في سوق التأمين الروسي، بدفع تعويضات لأسر الضحايا منذ الـ 3 من شهر نوفمبر/تشرين الثاني الجاري. وأفادت الشركة في وقت سابق بأنها قامت بدفع تعويضات لأقارب 44 ضحية.
على كل الحال، كان حادث تحطم الطائرة الروسية في سماء شرم الشيخ ضربة قاسية على الإقتصاد المصري وخاصة القسم السياحي وتحول منتجع شرم الشيخ على إثرها إلى مدينة الأشباح حيث تشهد انخفاضا كبيرا في الرحلات السياحية التي كانت تعد مصدر الدخل الأساسي لأصحاب الفنادق والمطاعم والمحلات التجارية والعاملين في القسم السياحي وأثَّر هذا بدوره على الإقتصاد المصري الهش الذي تعتبر السياحة أحد المصادر الرئيسية للدخل العام فيه.