الوقت - بعد مرور عام كامل على العدوان السعودي على اليمن والذي أدى إلى إزهاق أرواح الآلاف من المدنيين الأبرياء وجرح آلاف آخرين، وتخريب البنى التحتية لهذا البلد، أيقنت الرياض والدول الحليفة لها بفشلها في تحقيق أهدافها المعلنة من وراء شن هذا العدوان وفي مقدمتها القضاء على حركة "أنصار الله" التي تمكنت من قيادة الشعب اليمني وقواه المسلحة في التصدي لهذا العدوان.
وبعد إتفاق الجانبين السعودي واليمني على إقرار هدنة طويلة الأمد وإجراء محادثات دبلوماسية لتسوية النزاع بين الطرفين، والذي يدلل بشكل واضح على إعتراف الرياض بحركة "أنصار الله" التي أثبتت قدرتها على إرغام السلطات السعودية على التفاوض بعد أن كانت ترفض ذلك في الماضي، بات من الضروري جداً لحركة "أنصار الله" أن تعمل على تعزيز موقفها السياسي والشعبي في هذا الظرف لإثبات أهليتها وجدارتها لإدارة البلد في المستقبل، كما نجحت في قيادة القوات اليمنية في التصدي للعدوان السعودي.
ويمكن تلخيص الخطوات التي ينبغي لحركة "أنصار الله" إتخاذها من أجل تحقيق هذا الهدف بما يلي:
1- تقوية الموقف العقائدي والديني
من المعروف إن حركة "أنصار الله" تدين بالمذهب الزيدي الذي تمكن من حكم اليمن لقرون طويلة خصوصاً في شمال البلاد وتحديداً في مدينة صعدة. واستمر الحكم الزيدي حتى عام 1962 بعد الإطاحة به في الإنقلاب الذي قاده "عبد الله السلال" وقيام الحكم الجمهوري.
وبعد إندلاع الثورة الشعبية في اليمن عام 2011 حاولت بعض الأطراف السياسية خلط الأوراق من خلال إتهام حركة "أنصار الله" بالسعي لتمكين الطائفة الزيدية من بسط هيمنتها من جديد على بقية الطوائف. ومن أجل طمأنة الشعب اليمني خصوصاً طوائفه السنيّة لابد لحركة "أنصار الله" من أن تعلن موقفها بشكل واضح من هذه المسألة، ولابد لها أيضاً من إقناع بقية الطوائف بأن نوع الحكم الذي ستعتمده في المستقبل هو حكم ديمقراطي يحترم إرادة الشعب في تقرير مصيره ورسم مستقبله.
2- تعزيز المشروعية القانونية
عُرفت حركة "أنصار الله" بأنها جماعة قبلية شبه عسكرية، ولهذا سعت السعودية والأطراف السياسية الموالية لها في اليمن إلى تشويه سمعتها بأنها فاقدة للشرعية القانونية، ومن أجل إجهاض هذه المساعي يتوجب على هذه الحركة العمل على بلورة تعريف دقيق لنهجها ومتبنياتها الفكرية على غرار ما فعل "حزب الله" في لبنان والحشد الشعبي في العراق، وذلك من أجل حفظ إستقلالية الحركة وإبراز هويتها الحقيقية كي تتمكن من مواجهة أيّ مساع لنزع سلاحها في المستقبل.
3- المشاركة الفعّالة والمؤثرة في حكومة الوحدة الوطنية
لابد لحركة "أنصار الله" من تثبيت مكانتها السياسية من خلال المشاركة الفعّالة والمؤثرة في إدارة البلاد إلى جانب الحركات الوطنية الأخرى ومنع أي حزب أو حركة من الإستئثار بالسلطة، وهذا الأمر من شأنه أن يرفع من الرصيد الشعبي للحركة في المستقبل.
4- تشكيل مؤسسات عقائدية وثورية
تمكنت حركة "أنصار الله" من تثبيت مكانتها الدينية في أوساط أتباعها من خلال إقامة دورات عقائدية وإحياء المناسبات الدينية ورفع شعار " اللهاکبر، لاالهالاالله، الموت لأمریکا، الموت لإسرائیل واللعنة علی الیهود". ومن الضروري أن تتمكن الحركة من المحافظة على هذا التوجه الثوري من خلال تشكيل مؤسسات تأخذ على عاتقها تطوير هذا الجانب.
5- المشاركة الفعّالة في تعزيز الأمن والإستقرار السياسي في البلد
يرجح الكثير من المراقبين أن تقوم السعودية بعد وقف عدوانها بتحريك عملائها في داخل اليمن لاسيّما في المدن الجنوبية لإثارة الفتنة الطائفية عن طريق الجماعات السلفية والتكفيرية الموالية لها، ولهذا يجب على حركة "أنصار الله" العمل على إجهاض هذا المشروع من خلال المشاركة الفعّالة في حكومة الوحدة الوطنية والتنسيق التام مع بقية القبائل والطوائف لتعزيز اللحمة الوطنية والسلم الأهلي في عموم البلاد.
6- إعادة الإعمار وتحسين الأوضاع الإقتصادية
ينبغي لحركة "أنصار الله" الإسراع بوضع الخطط والبرامج الكفيلة بإعادة إعمار ما دمره العدوان السعودي في عموم البلاد، وإتخاذ خطوات عملية للنهوض بالقطاع الإقتصادي الذي يشكل الركيزة الأساسية للنهوض ببقية القطاعات الصناعية والاجتماعية والخدمية والثقافية والعلمية، والذي سيسهم بدوره في تثبيت الوضع السياسي وبسط الأمن في عموم البلاد.
من خلال قراءة هذه المعطيات يتبين أن الدور الذي يمكن أن تلعبه حركة "أنصار الله" في رسم وبناء مستقبل اليمن هو دور محوري شريطة أن تسعى لتلبية متطلبات مرحلة ما بعد العدوان السعودي في مختلف المجالات الدينية والسياسية والأمنية والإقتصادية بالتعاون مع الحركات والأحزاب الوطنية الأخرى لضمان أمن وإستقرار البلاد والعيش بحرية وكرامة وسلام بعيداً عن أيّ تدخل أو هيمنة أجنبية.