الوقت ـ یجب اعتبار الإعلان الرسمي عن بدء المحادثات بین الحكومة السورية والمعارضة من موسكو، نتيجة للجهود الحقيقية والواسعة للديبلوماسية الروسية من أجل تعبئة الرأي العام وتهيئته لقبول ضرورة بدء هذه العملية السياسية التي ستوسّع نطاق الإجماع الوطني في سوريا.
وعلى الرغم من أن الأزمة السورية لا تتطلب الحل السياسي فحسب، ولکن هذه الاستراتيجية هي في غاية الأهمية.
ویقول المنطق إنه مهما كانت نتيجة هذه الاجتماعات، فهي لا تؤثر على المیدان وعمليات الجیش السوري، ولکن هذا الجيش هو الآن بحاجة إلى إجماع الأطراف السورية علی دعمه، خاصة أن المجموعات الإرهابية المسلحة التي تنشط في سوریا، لا تؤمن بالسیاسة والتعبير الديمقراطي عن الأفكار وتعتبرها نوعاً من "الکفر".
ولهذا السبب على الرغم من أن سوريا تحارب الإرهاب بمفردها علی مدی أربع سنوات، وهذا المؤتمر لن یغير موقعها في المیدان، ولكن مع توسیع دائرة الاتفاقات السياسية وإجماع الآراء وتقدیم إطار لتعريف الإرهاب وسياسة وطنية لمكافحة هذه الظاهرة في سوريا، يمكن التصدي لتوسيع رقعة نفوذ الجماعات الإرهابية والتكفيریة في هذا البلد أکثر من أي وقت مضی.
ولا یخفی علی أحد أن المعارضین الذین یؤمنون بالحل السياسي للصراع، ليس لهم تأثير عملیاً على المجموعات الإرهابية المسلحة في سورية، وفي هذه الأثناء على الرغم من أن ما یسمی بـ "الجیش الحر" الإرهابي قدّم نفسه ممثلاً لـ "ائتلاف المعارضة الخارجیة"، لکنه لم یؤثر مطلقاً علی قرارات هذا الائتلاف. ولذلك فمن الطبيعي أن نرى قیادات الجیش الحر یعلنون واحداً تلو الآخر انفصالهم عن ائتلاف المعارضين لذرائع مختلفة بما في ذلك تفاعل الائتلاف مع النظام السوري.
ولهذا السبب فإن السؤال الذي يطرح نفسه هنا هو أنه إذا وصلت الأطراف المعارضة للنظام السوري إلی الاتفاق، فماذا سيحدث في المیدان؟ وهل ستنهي هذه الجماعات المسلحة المدعومة من الخارج أنشطتها؟
ومن ناحية أخرى يبدو أن بدء المحادثات في موسكو لا یحتاج إلی وقف الاشتباکات ووقف إطلاق النار في سوريا ، وخطة المبعوث الخاص للأمم المتحدة إلی سوريا "ستيفان دي ميستورا" تدعو إلی بدء العملية السياسية وتوفير البيئة السياسية والأمنية المناسبة لانطلاق المفاوضات، والتي لا تتعلق أیضاً بالوضع القائم في مدینة "حلب".
إذن لماذا کل هذا الإصرار الغربي علی تنفیذ خطة دي ميستورا ؟ وألا يبدو أن هذا الإصرار یهدف إلی إنقاذ ضباط الأجهزة الاستخباراتیة للبلدان الناشطة الأخرى في حلب، والذین یتعاونون مع المجموعات الإرهابية المسلحة في هذه المدينة؟ ومن ناحیة أخری لماذا ترفض جماعات المعارضة السورية طلب الحکومة السورية هذه المرة ، والذي یدعو إلی التزام السوريین بمبادئهم الوطنية والتخلي عن الاعتماد على الدول الأجنبية؟ والأهم من ذلك کله علی الجماعات المعارضة التي تشارك في المفاوضات وقف تواصلها مع الجماعات المسلحة أياً كانت.
جلوس السوريین على طاولة المفاوضات في إطار المؤتمر الذي أعلنت عنه وزارة الخارجية الروسية، ينبغي أن يؤدي إلى وضع جدول زمني لمكافحة الإرهاب، وأن يتم تحقيق هذا البرنامج من خلال الحصول علی تعريف موحد للإرهاب وشكل وطبيعة الجماعات الإرهابية. ومن هنا يمكننا أن نقول إن الأطراف التي لا ترید تحقيق الحل السياسي في سوريا وتدعو إلی مواصلة الحرب الأهلية والفوضى في هذا البلد وتقسیم سوريا أخيراً ، ستشجّع المجموعات الإرهابية المسلحة الناشطة في سوريا بهدف تفاقم الوضع الأمني فيها ، وهذا هو السيناريو الذي من المرجح أن نشهده خلال الأيام القادمة في مناطق مختلفة من سوريا.
کما أن تقدم الجيش السوري على مختلف الجبهات بما في ذلك حلب ونهاية حصار هذه المدينة، سیقطع تواصل الجماعات المسلحة وکذلك الضباط الموجودین في مدينة حلب مع العالم الخارجي، وهکذا سینقطع اتصال الأطراف الداعمة لهذه المجموعات معهم أیضاً ، وبالتالي ستصطدم خطة تقسيم سوريا إلی الطريق المسدود عملیاً.
ولهذا السبب من المتوقع أن تلجأ هذه الدول إلى خدعة لتعطیل محادثات موسكو ، وأن تعیق تحقيق الأطراف الحاضرة في المفاوضات للحل النهائي، لأن هذه الدول تدرك جيداً أن تحقيق التوافق السياسي السوري –السوري في موسكو سیسقط خطة دي ميستورا ویفرغها من مفهومها.