الوقت - شكل اعلان روسيا سحب جزء من قواتها من سوريا مفاجأة للكثير من المهتمين بالشأن الاقليمي، وكَثر القال والقيل، وتعددت التحليلات والتكهنات عن سر هذه الخطوة والدلائل خلف هذا التوقيت المتزامن مع محادثات جنيف، وتضاربت المعلومات حول العديد الفعلي للقوات التي سحبتها روسيا، فلمعرفة حيثيات الخطوة الروسية، ارتأينا الحديث مع صاحب الاختصاص العميد أمين حطيط، والذي جاء في نص حوارنا معه التالي:
أول أسئلتنا للعميد حطيط كان التالي: ما سر هذا التوقيت خصوصاً أنه تزامن مع انطلاق المحادثات بين المعارضة والحكومة السورية في جنيف؟
أجاب حطيط: "لتخفيض حجم الوجود الروسي في سوريا في هذا التوقيت تحديداً، أو تفسير هذا التوقيت يمكن أن يكون من زوايا متعددة، أولاً يعلم الجميع أن روسيا عندما استجابت للطلب السوري كانت الاستجابة محددة ولمهلة محددة، وضعتها روسيا لأربعة أشهر ثم مددتها لستة أشهر، وثانياً كانت في المضمون أيضاً محددة وهي ضرب المجموعات الارهابية لحرمانها من القدرات الهجومية، وهذان الأمران تحققا، ولامسنا الستة أشهر في نهايتها والمهمة أنجزت، لنرى تحرير أكثر من عشرة آلاف كيلومتر مربع من الأراضي السورية وأصبحت القوات السورية على مشارف تدمر، واستعادت معظم حقول النفط الوسطى، بالإضافة الى تحرير أكثر من 400 قرية وبلدة، وبالتالي المهمة التي أتت من أجلها أنجزت والمهلة مضت."
وأكمل قائلاً: "والنقطة الثانية وهي مهمة جداً، أن روسيا مع أمريكا هما الراعيان للعملية السياسية في سوريا، وبهذه الرعاية توصلت روسيا مع أمريكا لاصدار القرار 2854 الذي ينص على وقف الأعمال القتالية، ومن المنطقي أن تنسحب روسيا من الميدان لأنها تريد أن تطبق القرار 2854، ولا يمكن أن نقول روسيا تقاتل وإن روسيا تلتزم بوقف الأعمال القتالية، وهنا كان التمييز الروسي في شأنين من الناحية العسكرية، اذ صنفت روسيا الأعمال العسكرية ثلاثة أصناف، انسحبت من واحدة وبقيت في اثنتين، الصنف الأول هو المشاركة في العمليات المباشرة في دعم القوات العربية السورية، في هذا الصنف خفضت المساعدة وانكفأت استجابة لموضوع وقف الأعمال القتالية، أما الصنف الثاني فهو الحرب على داعش وقررت روسيا البقاء في هذه المواجهة وتوفير الطائرات اللازمة لتأمين مكافحة الإرهاب، أما الصنف الثالث فهو تأمين الحماية الجوية الردعية وخاصة في وجه تركيا وهذا ما تمسكت به روسيا خاصة بإبقائها منظومة الدفاع الجوي اس 400 في سوريا."
واستنتج قائلاً: "وبذلك تكون روسيا جمعت الأمرين المصلحة العسكرية والدفاع عن سوريا والمصلحة السياسية لتسريع أو تشجيع العملية السياسية في جنيف، فيكون القرار مرتبطاً بالعملية السياسية مباشرة."
ثانيا سألنا حطيط عن أي معلومات دقيقة عن الحجم الفعلي للقوات المسحوبة في ظل تضارب المعلومات حول نوعية وعدد العديد والعتاد الذي تنوي روسيا سحبه من سوريا ؟
فأجاب حطيط: "أولاً القوات التي ستنسحب هي قوات جوية بشكل أساسي، أما بالنسبة لحجم القوات الموجودة والتي ستسحب فهي أربعون طائرة سوخي وطائرة تزويد الوقود وطائرة دعم جوي، طبعاً مع العناصر اللوجستية والطواقم التي تخدمها، ولا يوجد أصلاً حجم لقوة غير هذه القوة الجوية التي ستنسحب، أما القواعد اللوجستية في حميميم وطرطوس فستبقى على حالها وقد أعلنت روسيا هذا الأمر، اذاً فالانسحاب يقتصر على القوات الجوية التي تقوم بعمليات جوية."
ثم سألنا حطيط هل سيشكل انسحاب هذه القوات فرقاً في سرعة العمليات العسكرية التي يقوم بها الجيش السوري في الشمال وغيره من الجبهات؟
حطيط: "لا، فبهذه النقطة ستستمر القوات السورية بتلقي المساعدات العسكرية اللوجستية من روسيا لتحديث الطيران وامدادها بقطعات الغيار، وبات طيران سلاح الجو السوري بعد اعادة تأهيله يفي بالغرض بالنسبة للعمليات المستقبلية التي يخطط لها."
الوقت: نسمع الأطراف الأخرى تدعي بأن القرار جاء فجائياً ودون تنسيق مع سوريا، والدليل أن الاعلان جاء من موسكو ودون حضور سوري، كدلالة على تهميش الرأي السوري في اتخاذ القرارات، ما رأيكم؟
حطيط: "غير صحيح، أولاً أعلن عن القرار بالدخول الى سوريا من روسيا عندما قالت انها استجابت للطلب السوري، وفي طريق العودة أيضاً اعلنها الروس من موسكو وقالوا إنها جاءت بالتنسيق مع الرئيس بشار الأسد، وأكثر من ذلك صرح الروس أن العلاقة الروسية السورية هي علاقة استراتيجية، مستمرة لا تتأثر بمثل هذه المساعدات."
الوقت: نسمع فرضيات كثيرة منها مثلاً أن هناك مقايضة بسحب الروسي جزءاً من قواته في مقابل اغلاق الأتراك حدودهم مع سوريا واستدلوا بأن الرئيس التركي "أردوغان" لم يهاجم الرئيس "الأسد" اليوم في خطابه على غير العادة، ما تعليقكم؟
العميد حطيط: "برأيي لا يوجد مقايضة، إنما يوجد اتجاه دولي بالتقيّد بقرار وقف العمليات القتالية، والتقيّد بهذا القرار يشمل كل الأطراف المعنية بالأزمة السورية، كلٌ بالنطاق المحدد له، وروسيا اتهمت تركيا بأنها تدخل سوريا وتتمدد في الداخل السوري وهذا القرار بانسحاب الروسي من سوريا أو تخفيض المساعدة الروسية سيحرج التركي أكثر، وسيدفع المجتمع الدولي وفيه الولايات المتحدة الأمريكية لوضع تركيا في الزاوية التي تحرجها فيها، وستجد تركيا نفسها ملزمة عاجلاً أم آجلاً باغلاق حدودها قدر المستطاع والامتناع عن توفير المدد والمأوى للارهابيين، من أجل أمرين تطبيق القرار 2854 من جهة ولحماية أمنها القومي من جهة ثانية، خاصة بأن الارهاب بدأ يضرب بقوة في الداخل التركي."
الوقت: هناك فرضية أخرى تتحدث عن الضغط على الرئيس الأسد خصوصاً بعد تصريحات "المعلم" الأخيرة، في الوقت الذي تتساهل مع المعارضة لدفع العملية السياسية الى التقدم أسرع من تجاربها السابقة في جنيف، ما تعليقكم؟
حطيط: "طبعاً، لكل قرار صيّادون في الماء العكر، ويريد أعداء سوريا أن يصطادوا في هذه النقطة، ولكن المساعدة الروسية لم تكن من أجل سوريا فقط بل كانت من أجل الأمن الروسي قبل كل شيء، ولا يمكن لروسيا أن تتصرف تصرف الرجل الأحمق الذي يحلب الحليب في الاناء ثم يسكبه ارضاً، وبالتالي فإن أي خلل في الأمن السوري والسماح بتمدد الارهاب، سيرتد على روسيا بشكل بالغ الخطورة، لذا فهذا المنطق الذي يطرح مثل هذه الفرضية هو منطق السذج البسطاء الذين لا يفهمون بالاستراتيجيات ولا يفهمون بالأمن القومي والأمن العام، لذلك لا أعتقد أن هؤلاء أصابوا الحقيقة في فرضيتهم."