الوقت - ترتبط الهوية التكفيریة في الشرق الأوسط بأكثر طرق التفكير تحجراً، وهذا النوع من التفکیر یبدي المقاومة لأي ظاهرة جديدة، وتسعی هذه النظرة الاستراتيجية المتحجرة في نهایة المطاف إلی تحقیق هدف أساسي ألا وهو بقاء الهویة خالصة نقیة وذلك باستخدام الطرق السلبية.
مازالت السعودية لا تجیز للنساء قيادة السیارة ، وکانت حرکة طالبان لا تسمح للمرأة أن تعمل وکانت تحرّم التلفزيون والإنترنت وتعارض بشدة أي جانب من جوانب العالم الحدیث.
ومن المعروف أن الفكر التكفيري مختلط بنوع من التعصب ونبذ ظواهر الحياة العصرية، وهذا التعصب یشکل "حزام الحماية" للهوية التكفيرية ولا یسمح لأتباع هذا الفکر أن یتأثروا بالثقافات الأخرى. ویستخدم التكفيریون التعصب وسيلة لـ"البقاء على قيد الحياة"، لأن بقاء هذا التیار يعتمد على بقاء هویته.
ويبدو أن داعش لا یؤمن کثیراً بالحاجة إلی الحفاظ على أساس هويته عن طریق الهروب من مظاهر الحداثة، وعلى مدى الأشهر القليلة الماضية وقعت أحداث ينبغي الالتفات إلیها، من بینها :
- عندما لم تصدر صورة موثوقة واحدة من زعیم طالبان "مولوي محمد عمر" ، نجد زعیم تنظیم داعش الإرهابي "أبابکر البغدادي" منذ سیطرة التنظیم علی مدینة الموصل، یرقی منبر أحد المساجد ویخطب للناس ویتم تصویر المشهد أیضاً.
- بعد لحظات قلیلة توضع صور الخلیفة الداعشي علی شبكات التواصل الاجتماعي من قبل المتعاطفين مع هذا التنظیم الإرهابي. ومن هذه الناحیة لم یحرّم البغدادي وأتباعه التصوير فحسب، بل أحلوا أیضاً استخدام الإنترنت والحضور في الشبكات الاجتماعية الافتراضية.
- نشر العديد من الأفلام من تنظیم داعش الإرهابي التكفيري في موقع يوتيوب، مثل مجموعة "ولو کره الکافرون" ، وقد استخدمت فیها التقنيات الحديثة في التصوير إلی درجه قال البعض إنها تشبه أفلام هوليوود.
- یقوم بعض أنصار تنظیم داعش بالدعایة لهذا التنظیم الإرهابي في شبكات التواصل الاجتماعي مثل الفيسبوك وتويتر بشكل مستمر.
فمن الواضح أن داعش وعلى عكس أسلافه التکفیریین قد قبل استخدام أدوات الإعلام الحديثة. ولجميع أولئك الذين هم على خلاف مع الفكر التكفيري بما في ذلك الشيعة والسنة وغيرهم، یتضمن هذا النهج الجديد لتنظیم داعش فرصة وتهدیداً في آن واحد.
التهدید
إن الحرمان أحد الأسباب الثقافية الرئيسية للميل نحو التطرف، وهو لیس مادیاً فحسب، بل یجب اعتبار الفقر الثقافي والجهل من مصادیقه أیضاً. ومعظم الذين ينضمون للجماعات التكفيریة هم أناس قد منيوا بالإحباط في مجتمعهم بسبب العوامل الاجتماعية والاقتصادية والثقافية.
وللأسف مازال الحرمان موجوداً بأنواعه المختلفة في كل العالم ولا سيما في غرب آسيا، والأرضیة للانحراف قائمة. وفي مثل هذه الظروف، فإن توسيع نطاق الدعاية الداعشیة من الطرق التقليدية المحضة إلى الأساليب الحديثة ، قد يزيد عدد الأشخاص الذين ينجذبون إلی الفكر التکفیري المنحرف.
وإن انتشار النزعات المتطرفة التي تنجم بحد ذاتها من الجهل والفقر، یهدد الأمن الفكري والاجتماعي للمجتمعات المختلفة وخاصة المجتمعات السنية التي ینسب التکفیریون أنفسهم إلیها.
الفرصة
كما ذكرنا آنفاً، إن بقاء الفكر التکفیري يعتمد على بقاء الهویة التکفیریة، وقد تم بقاء هذه الهویة حتی الآن من خلال حزام حمایة عنوانه التحجر. وعندما یسمح لدخول عناصر من ثقافة الحداثة إلى الهوية التكفيریة المشؤومة، فهذا يعني أن التکفیریین قد خرجوا من حزامهم الواقي ودخلوا إلی ساحة المنافسات الثقافیة، المکان الذي یتّسمون فیه بضعف شدید.
الفکر التكفيري یفتقر إلی الاجتهاد والديناميكية ولا یمتلك القدرة علی التحول الجاد في مواجهة الظواهر الثقافية الأخرى. وما کانوا یفعلونه حتی الآن لحمایة أنفسهم هو تجنب التعرض للظواهر الثقافية الأخرى، ولكنهم اليوم قد خرجوا من ذلك الموقف الدفاعي المحض.
وبهذا وضع داعش نفسه في معركة لا يمكن الانتصار فیها بالبنادق والمدافع، بل یتحقق هذا الانتصار عبر البرمجیات، ومن غير المرجح أن یمتلك هذا التنظیم الإرهابي سیوفاً في المجال الثقافي.
السماح بدخول عناصر ثقافیة جديدة إلی مجال الهوية التكفيرية لیس حدثاً بسيطاً أو من قبيل الصدفة. لقد فضّل داعش ازدیاد عدد قواته علی بقاء هویته، وهذه الظاهرة توفّر فرصة لمعارضي هذه الهوية الخبیثة أن یقصّوا أجنحتها لتسقط علی الأرض ویقضی علیها. وکما أن هذه الأیام تجمع جثث الدواعش المرتزقین من میادین القتال، فإن جسم الهوية التكفيرية سیعدم شنقاً أمام الضمائر .