الوقت – المتتبع لظروف نشأة الوهابية والكيان الإسرائيلي والإجراءات التي قاما بها يلمس بوضوح إنّ هذين الكيانين يعملان معاً كسكّين لتمزيق أوصال الأمة الإسلامية بشكل عام ومنطقة الشرق الأوسط على وجه الخصوص.
فجميع الوثائق التاريخية تشير إلى دور بريطانيا في إنشاء هذين الكيانين "الوهابية والكيان الإسرائيلي" في جسد الامة الإسلامية. وقد حصل ذلك في بداية القرن الماضي عندما أرادت بريطانيا أن تواجه الدولة العثمانية وذلك من خلال تشكيل "الكيان الوهابي" الذي يحمل في ظاهره إسم الإسلام لكنه يعمل في الحقيقة على ضرب الإسلام في الصميم. كما قامت بريطانيا بإيجاد الأرضية من خلال وعد "بلفور" المشؤوم لتشكيل الكيان الإسرائيلي على أرض فلسطين إلى أن تحقق لها ذلك في أربعينات القرن الماضي وتحديداً في عام 1947 من خلال تشجيع اليهود على الإنتقال من كافة أنحاء العالم إلى هذه الأرض.
وكانت بريطانيا تدرك إن الدولة العثمانية تتبع المذهب السني، فعمدت إلى إيجاد الوهابية من خلال إغراء بعض رؤساء العشائر العربية في الحجاز والأردن وفلسطين والعراق للترويج لهذا "المذهب" وقدمت لهم كل أسباب الدعم المادي والعسكري للوقوف بوجه الدولة العثمانية إلى أن تمكنت بمساعدة بعض الدول الغربية من إسقاط هذه الدولة. وعمدت بريطانيا وفرنسا بعد الحرب العالمية الأولى إلى تقسيّم دول المنطقة في إطار إتفاقية "سياكس بيكو"، فأصبح العراق وفلسطين والأردن تحت الوصاية البريطانية، فيما أصبحت سوريا ولبنان تحت الوصاية الفرنسية.
وتمكن حملة الفكر الوهابي من توظيف الإمكانات النفطية الهائلة التي تزخر بها أرض الحجار لثبيت حكم آل سعود الذي يتبنى هذا "المذهب"، إلى جانب توظيف وجود الديار المقدسة لدى كافة المسلمين على هذه الأرض خصوصاً مكة المكرمة والمدينة المنورة لخداع الأمة الإسلامية التي يتوجه ملايين الأشخاص منها سنوياً لأداء مناسك الحج والعمرة وزيارة قبر الرسول "ص" ومراقد الأولياء الصالحين في هذه الديار المقدسة.
وأطلق حكّام آل سعود على أنفسهم لقب "خادم الحرمين الشريفين" إمعاناً في هذا الخداع، وسعوا إلى ترويج "الفكر الوهابي" الذي ساهم بدوره بتشكيل ودعم الجماعات التكفيرية والسلفية المتطرفة لنشر هذا الفكر في أرجاء العالم الإسلامي عن طريق الترغيب وشراء الذمم تارة، والترهيب والتهديد بالقتل لكل من يرفض هذا الفكر تارة أخرى، كما حصل في السنوات الأخيرة من خلال دعم الجماعات الإرهابية لاسيّما تنظيم "داعش" في العديد من دول المنطقة لاسيّما في العراق وسوريا ولبنان وكذلك المنطقة الشرقية من السعودية.
من جانبه قام الكيان الإسرائيلي الغاصب لأرض فلسطين بإرتكاب شتى أنواع الجرائم بحق سكّانها الفلسطينيين وشعوب العديد من دول المنطقة لاسيّما في لبنان في إطار المشروع الإستعماري الرامي إلى إضعاف الأمة الإسلامية وتنفيذ الأجندة الصهيونية في المنطقة جنباً إلى جنب مع حملة الفكر الوهابي.
ولم تكن العلاقة بين الكيان الإسرائيلي والفكر الوهابي واضحة في السابق كما هي الآن خصوصاً بعد التطورات التي شهدتها المنطقة خلال العقود الأخيرة لاسيّما بعد إنتصار الثورة الإسلامية في إيران التي فضحت حقيقة الوهابية ورفعت لواء الدفاع عن القضية الفلسطينية ودعت جميع المسلمين إلى توحيد جهودهم لإستعادة أرض فلسطين السليبة وتحرير القدس الشريف، بالإضافة إلى محور المقاومة الذي تمكن من إلحاق الهزيمة بالكيان الإسرائيلي على يد حزب الله في عامي 2000 و2006، وفضح أيضاً دعاة الوهابية الذين يقفون ضد المقاومة والدول الداعمة لها وفي مقدمتهم إيران وسوريا واليمن.
ونتيجة هذه التطورات بات الكيان الإسرائيلي ودعاة الفكر الوهابي يشعرون بالخطر المشترك الذي يهددهم المتمثل بإيران ومحور المقاومة، ولهذا أخذت الرياض وتل أبيب بتنسيق مواقفهما الذي تجلى بوضوح خلال محاولاتهما للحيلولة دون إبرام الإتفاق النووي بين طهران ومجموعة الـ (5+1) بشأن برنامج إيران النووي، بالإضافة إلى المساعي التي يبذلها الجانبان للوقوف بوجه المقاومة والتي برزت بوضوح أيضاً من خلال تصريحات المسؤولين السعوديين وكيان الإحتلال الإسرائيلي في الآونة الأخيرة.
وبتنا نسمع كل يوم أخباراً من مصادر مختلفة إلاّ إنها تؤكد حقيقة واحدة مفادها إن التنسيق بين السعودية والكيان الاسرائيلي وصل إلى أعلى مستوياته، ضد ما يسمى ب"الخطر الإيراني". وعلى حد قول أحد المراقبين إن الوهابية باتت تعني أن تكره إيران وأن تحب "إسرائيل".
ومن مظاهر التعاون المشترك بين السعودية والكيان الإسرائيلي قيام الأخير بإرسال مستشارين عسكريين لدعم القوات السعودية في عدوانها المتواصل على اليمن منذ أكثر من 11 شهراً.
وقبل مدة أعلن إعلام الكيان الإسرائيلي إن وفداً إسرائيلياً رفيع المستوى برئاسة مسؤول بارز زار العاصمة السعودية، وأشار إلى أن هذه الزيارة ليست الأولى ولكن الرقابة لا تسمح بالحديث عنها ولا عن مضمونها وأهدافها. بالإضافة إلى هذا الإعلان تنتشر بين الحين والآخر معلومات وصور عن مصافحات بين مسؤولين سعوديين وإسرائيليين، وهي جزء من سياق أخذ يتطور بسرعة لاسيّما بعد تركيز السعودية على أن العدو في المنطقة هو إيران وليس الكيان الإسرائيلي.
وذكرت "القناة العاشرة" الإسرائيلية في إحدى برامجها قبل مدة إن حكّام السعودية أخبروا المسؤولين الإسرائيليين خلال إجتماعات سريّة بأنهم غير مهتمين بالفلسطينيين ولا يخجلون من إقامة علاقات مع تل أبيب لكنهم يؤكدون على ضرورة إبقاء هذه العلاقات ضمن الغرف المغلقة.
ويعتقد المراقبون إن الرياض لا يمكنها أن تذهب بعيداً في التحالف العلني مع الكيان الإسرائيلي لأن لهذا الأمر مخاطر ومحاذير على نفس النظام الحاكم في السعودية الذي يصوّر نفسه كذباً و زوراً على أنه يمثل العالم الإسلامي.
ومن الأسباب الأخرى التي دعت السعودية والكيان الإسرائيلي إلى توحيد مواقفهما هو شعورهما بالخطر المشترك الذي يهدد وجودهما نتيجة فشلهما في تحقيق أهدافهما الرامية إلى تمزيق وحدة الامة الإسلامية من خلال دعم الجماعات الإرهابية، وضعف قدراتهما على مواجهة محور المقاومة خصوصاً بعد هزيمة الكيان الإسرائيلي على يد حزب الله في عامي 2000 و 2006، وتكبد السعودية خسائر فادحة في الأرواح والمعدات على يد الجيش اليمني واللجان الثورية في هذا البلد بقيادة حركة أنصار الله.
والمتتبع للخط البياني للوهابية منذ ظهورها وإنتشارها في الجزيرة العربية، بدعم من المستعمر البريطاني ومن ثم الأمريكي، يرى بوضوح أنها صنوالصهيونية، وأنها زُرعت في منطقتنا كي تقوم بدورها الذي تضطلع به اليوم، حيث تزرع الدمار والفوضى والفتن وإستباحة القتل في أوطاننا، وتمزق مجتمعاتنا بإسم الدين والدين منها براء، من أجل أن تخرج الصهيونية منتصرة، بعد أن أذلها محور المقاومة الذي تقوده إيران.