الوقت- فور انتهاء قمته التي عقدت في الدوحة الأسبوع الماضي قرر مجلس تعاون الدول العربية في الخليج الفارسي عقد اجتماع في الرياض خلال الأيام المقبلة لاتخاذ موقف بشأن تصريحات الرئيس التركي رجب طيب اردوغان التي ادلى بها قبل أيام في إسطنبول وزعم فيها إن لأنقرة الحق في التدخل فيما يحدث في مصر وسوريا والعراق وفلسطين والبوسنة والهرسك.
وقال مصدر سياسي مطلع أن دول مجلس التعاون بدأت تحركاً سريعاً بهدف التصدي لأي محاولات للتدخل في الشأن الخليجي والعربي، مشيراً الى أنه تحدد عقد اجتماع عاجل في الرياض لعدد من المسؤولين والمختصين الخليجيين لصياغة تصور وإطار عام لوقف هذه المحاولات التي تعدها دول المجلس خطاً أحمر.
وفي وقت سابق ابدى وزير الدولة للشؤون الخارجية الإماراتي أنور قرقاش تخوفه من الدور التركي الذي وصفه في تصريحات سابقة بأنه مقلق وغير مقبول.
وبيّن مسؤول بأمانة مجلس التعاون أن تصريحات الوزير الإماراتي جاءت بعد تدخل بعض الاطراف في الشأن العربي، مستشهداً بتدخل تركيا في الشأن المصري وشؤون مجلس التعاون.
ويعتقد المراقبون ان من اهم اسباب امتعاض مجلس التعاون من تركيا هو الخلاف القائم بين الجانبين بشأن جماعة الاخوان المسلمين ، اذ تتهم بعض دول المجلس انقرة بدعم الاخوان في مصر والتدخل لصالح هذه الجماعة التي اطيح بحكمها الذي كان يتزعمه الرئيس الاسبق محمد مرسي من قبل المؤسسة العسكرية بقيادة الرئيس الحالي عبد الفتاح السيسي.
وكانت دول مجلس التعاون قد أكدت جميعها في نهاية قمتها في الدوحة دعمها لمصر ولرئيسها السيسي، في خطوة تؤكد انضمام قطر المؤيدة للإخوان إلى باقي دول المجلس في دعم الإدارة المصرية الحالية. وكان دعم قطر للإخوان وللرئيس المصري المعزول محمد مرسي في صلب الخلاف الأسوأ الذي عصف بمجلس التعاون منذ تأسيسه عام 1981.
ورغم اعتراض دول المجلس على تدخل تركيا في شؤونها الداخلية الا انها لا تبدي اي اعتراض ملموس امام تدخل دول غربية في شؤونها وفي مقدمتها أميركا الأمر الذي يثير اكثر من علامة استفهام حول طبيعة المواقف التي يتخدها مجلس التعاون في هذا الشأن، ويعتقد البعض ان هذه المواقف لا تنبع من حرص المجلس على حفظ استقلاله وسيادته، بل تتأثر بمدى ولائه أو مصلحته أو عدائه مع هذا الطرف أو ذلك وتتخذ مواقفها تبعاً لذلك، وإلاّ لو كان الامر متعلقاً برفض المجلس لاي تدخل في شؤونه لظهر ذلك جلياً ازاء التدخلات الغربية التي لا يمكن انكارها لانها معروفة للجميع ولا تحتاج الى مزيد من الجهد لايضاحها.
ولكن مع ذلك فإن هذه الحقيقة لا تبرر على الاطلاق التدخل التركي في شؤون دول المجلس او اي من البلدان العربية الاخرى لاسيما مصر و العراق وسوريا لأنه يخالف الاعراف الدبلوماسية والقوانين الدولية ويتسبب في زيادة حدة التوتر في المنطقة ويعرض أمنها واستقرارها الى الخطر، الأمر الذي يتطلب المزيد من التعاون بين جميع دول المنطقة لمنع اي تدخل اجنبي في شؤونها، بعد ان اثبتت التجارب ان هذا التدخل لا يصب في صالحها بل يهدف الى خدمة المشروع الاميركي الصهيوني والسعي للتحكم في مقدرات هذه الدول والسيطرة على ثرواتها دون اي رادع دولي خصوصاً من قبل الامم المتحدة التي اضحت اداة لتنفيذ مآرب القوى السلطوية والاستعمارية وفي مقدمتها اميركا.
ومن المعروف ان تركيا ومنذ تسلم حزب العدالة والتنمية لمقاليد الحكم فيها عام 2002 سعت لطرح نفسها كدولة مركزية في المنطقة وقائدة لمشروع الشرق الأوسط الجديد الذي طرحته الإدارة الأميركية عقب غزو العراق عام 2003، وعلى هذا الأساس تصرفت أنقرة سياسياً واقتصادياً ودبلوماسياً وعسكرياً وثقافياً تجاه قضايا المنطقة، وهي في تحركها هذا انطلقت حسب رؤيتها من بعد تاريخي وجغرافي وثقافي بات يتلخص بما يعرف بالعثمانية الجديدة.
واللافت أنه بعد انتفاضات واحتجاجات تونس ومصر وليبيا وما يجري في سوريا انتهجت تركيا بعداً طائفيا في سياستها الشرق أوسطية وهو ما أسهم في تعميق الانقسامات السياسية في المنطقة على أساس طائفي.
وثمة أسئلة كثيرة تطرح عن المشروع التركي خصوصا بعد الخسارة الإستراتيجية التي مني بها هذا المشروع اثر انهيار حكم الأخوان في مصر وانسداد سياسة انقرة حيال أزمة سوريا بفضل صمود شعبها وجيشها وقيادتها في التصدي للجماعات الارهابية والمسلحة التي تدعمها حكومة اردوغان. والثابت أن موقف تركيا التي سعت الى رفض كل ما جرى في مصر ووضعه في إطار الانقلاب العسكري لم يكن نابعا من التمسك بالشرعية والديمقراطية بقدر ما كان نابعا من الإحساس بخسارة حليف راهنت عليه في إقامة شرق أوسط جديد بقيادتها في ظل ما تشهده المنطقة العربية من تغيرات كبيرة.
وتزامنا مع التغيرات العاصفة التي جرت في مصر، شهدت العلاقات التركية أزمات مع دول الجوار الجغرافي وتحديداً مع العراق وسوريا، ما دفع هذه الدول إلى النظر بريبة وشك إلى الدور التركي في الشرق الأوسط خصوصاً بعد ان اتخذ هذا الدور بعداً فاضحاً أدى إلى مزيد من التوتر مع دول تعد - الى حد ما - بعيدة جغرافيا عن تركيا ونقصد بها الدول العربية في مجلس التعاون بالخليج الفارسي.
وفي الختام لابد من القول ان من مصلحة تركيا الكف عن التدخل في شؤون الدول الاخرى في المنطقة والعمل على رأب الصدع والتفاهم معها في شتى المجالات السياسية والامنية والاقتصادية والاستفادة الصحيحة من الاواصر التاريخية والدينية والثقافية والاجتماعية التي تربطها مع هذه الدول منذ اقدم العصور.
