الوقت - إن السياسة التركية التي حاول الأتراك اتباعها تحت عنوان صفر مشاكل مع الخارج لم ترتق الى حد جزئي من تحقيقها، بل على العكس انقلبت معكوسة على تركيا في يومنا هذا، فنجد تركيا اليوم في ورطة كبيرة، إذ أن حال البلاد من ناحية العلاقات مع الدول الخارجية مضطربة جداً خاصة الدول الجيران، حتى أن الداخل التركي أصبح مفككاً بسبب السياسات التركية الصارمة داخلياً أيضاً، خاصة بحق الأكراد الذين يشكلون الآن تحدياً انتخابياً بوجه الأكثرية وهذا أمر لم يكن مألوفاً في السابق، ما جعل الأكراد بعين "أردوغان"، من المغضوب عليهم.
"مسلم" و"دميرتاش" في اثينا لأجل "أوجلان"
إجتمع "صالح مسلم محمد" رئيس حزب الاتحاد الديمقراطي السوري الكردي مع "صلاح الدين دميرتاش" زعيم "حزب الشعوب الديمقراطي" اليساري الكردي في أثينا في اليونان، في اطار المشاركة في المؤتمر المعقود في اثينا من أجل القائد المؤسس لحزب العمال الكردستاني "عبدالله أوجلان"، الذي ألقي القبض عليه عام 1999 ولا يزال يقبع حتى الآن في السجون التركية في أمرلي.
وشهد هذا المؤتمر حضور بعض قيادي حزب العمال الكردستاني اضافة لممثلين عن ائتلاف الحزب الحاكم في اليونان "سيرزا"، وفعاليات أخرى وصحافيين واعلاميين.
وفي سياق متصل صرح "دميرتاش" بانه: لو كان "أوجلان" موجوداً خارج السجن، لكان ايجاد حل لمشاكل الأكراد أسهل وأسرع، حتى التطورات في سوريا كان يمكن تلافيها بوجوده.
وأضاف أنه في تركيا يعطى احترام لبعض المجموعات كداعش والنصرة في وقت يغيب فيه التعامل والاحترام اتجاه "أوجلان"، فنرى بعض جرحى هذه المنظمات تتداوى في المشافي التركية.
واستطرد رئيس حزب الشعوب الديمقراطي قائلاً إن "أوجلان" سعى لعقد لقاء مع صحفيين واعلاميين لتوضيح وجهة نظره للشعب التركي، لكن السلطات لم تدعه يحظى بهذه الفرصة.
كما مجّد أفكار "أوجلان" وفي هذا السياق عبّر قائلاً: "إن القوى الكردية تقاتل لأجل القيمة الانسانية".
اليونان وتركيا صراع قديم متجدد
امتعض الأتراك كثيراً من احتضان اثينا لهكذا مؤتمرات يعتبرها الأتراك مستفزة، وقاموا باجراءات فورية واحتجاج على هذا الأمر وبحق المجتمعين فيه.
إلا أن الدلالة أبعد من ذلك فتركيا واليونان طالما كانا على خلاف وشهدت جيوشهما حروباً ونزاعات كما حصل في قبرص وبعض الجزر التي لا يزال النزاع عليها قائماً، لذا فإن اليونان دائماً ما كان يحتضن المعارضة التركية ويحميها من بطش السلطات التركية وذلك في اطار الصراع القديم المتجدد بين هاتين الدولتين الجارتين وأبرز مثال على ذلك لجوء "أوجلان" أبرز أعداء تركيا الى السفارة اليونانية في كينيا أيام هروبه من السلطات التركية في عام 1998.
تركيا على خلاف مع الجميع خاصة الدول الجارة لها
في نظرة سريعة لخريطة العالم وبالتحديد الدول التي تحد تركيا نجد أن وضع هذا البلد ليس بخير، وأن هناك مشاكل في سياساته الخارجية، لأن انعكاس أسلوب هذا البلد في التعاطي مع جيرانه هو المصداق الأسرع لمعرفة سلامة سياسات هذا البلد الخارجية.
فالعلاقة التركية السورية بأسوأ حالاتها خاصة بعد التدخلات التركية في الحرب السورية الدائرة ودعمها للجماعات الارهابية في سوريا، وفي العراق كذلك الأمر فالعلاقات ليست بأحسن أحوالها التي كان آخر انعكاساتها السلبية التدخل البري التركي في شمال العراق والذي دفع العراق الى الشكوى دولياً والتهديد بمواجهة عسكرية بعد رفض الأتراك سحب قواتهم اضافة الى لعب الأتراك على الوتر الطائفي واذكاء لهيبه بين الأطراف العراقية في غير تجربة، وفي ايران كذلك الأمر، فرغم العلاقات الاقتصادية الطيبة بين البلدين إلا أن الاختلاف والتصادم في وجهات النظر والسياسات الخارجية للبلدين تظهر واضحة للعوام من الملف السوري الى الملف الفلسطيني والعراقي وغيرها الكثير، واليونان تحدثنا عنه فيما سبق حول علاقته التاريخية السيئة جداً مع تركيا والتي أيضاً لا تزال تنعكس سلباً على علاقة دولة جارة أخرى مع تركيا وهي قبرص، ومن منا لم يسمع بالمجازر التي قام بها الأتراك في ارمينيا البلد الجار أيضاً لتركيا والتي لا تزال انعكاساته واضحة الى يومنا هذا على صعيد العلاقات الثنائية بين الدولتين، أما في جورجيا فأيضاً كان لتركيا يد في مصيبة أخرى في هذه الدول التي انفصلت عن الاتحاد السوفياتي سابقاً والكل يعرف اليد التركية الملطخة بالدم القوقازي وما الى ذلك من تدخلات تركية ما انفكت تنتهي حتى يومنا هذا.
هذا اذا ما اختصرنا العديد من الدول الأخرى التي لا تحد تركيا جغرافياً ولا تتمتع بعلاقات طيبة معها، ولا يلقى مسؤولوه شعبية في دولها كما حصل في جولة "أردوغان" الأخيرة بين دول أمريكا اللاتينية والتي يمكن اختصارها بفضيحة تركية على الصعيد الشعبوي للعلاقات التركية الخارجية، فضلاً عن اقتراب تجدد العلاقات التركية الاسرائيلية وتحسنها وانعكاس ذلك سلباً على شعبية تركيا في الدول العربية وخاصة فلسطين كما أن الوضع بين تركيا وروسيا كالنار على علم لا داعي للتعمق في اظهاره.
الداخل التركي ليس بأحسن أحواله أيضاً !
في كل يوم نسمع عن صدامات واشتباكات وقمع واحتجاجات وضحايا هنا وهناك في تركيا واذا ما اردنا المرور سريعاً على آخر احداثها نشير الى الاشتباكات التي اندلعت مؤخراً جنوب شرق تركيا بعد مظاهرة في ذكرى مرور 17 عاما على اعتقال "عبد الله أوجلان"، زعيم حزب العمال الكردستاني، الحزب الكردي المحظور في تركيا، فتجمع حوالي 300 متظاهر في مدينة ديار بكر التي يغلب عليها أكثرية كردية وهتفوا “سننتصر بالمقاومة” و“يعيش آبو” في إشارة إلى أوجلان.
هذا اضافة الى توسيع الأتراك عملياتهم ضد الأكراد واستجلاب دعم من دبابات وغيرها الى مناطق الأكراد في تركيا كديار بكر وغيرها وتم قصف هذه المناطق بالمدفعية والقذائف، اضافة لاعتقال عدد كبير من المواطنين ومنع التجول في عدد كبير من المناطق، هذا ما ازعج المعارضة التركية ودفعها للاعتراض على تصرفات الحكومة بلهجة عالية واعتبرت أحزاب المعارضة أن العدالة والتنمية يعمل على معاقبة الأكراد لعدم دعمهم له في نقل البلاد إلى النظام الرئاسي.
بالإضافة إلى أن إجراءات تركيا ليست محبذة أممياً فقد أعرب مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة مؤخراً عن مخاوفه من استهداف القوات التركية لمواقع تابعة لحزب الاتحاد الديمقراطي داخل سوريا الأسبوع الماضي بعد رسائل سورية وروسية لمجلس الأمن حول الاعتداء التركي.
فباختصار نطرح التساؤل التالي: ما هو مصير علاقات تركيا الخارجية وإلى أين تتجه تركيا تحت راية الحكم الأردوغاني؟
