الوقت- وكالة المخابرات المركزیة الامیریکیة او ما یعرف بالـ"سي آي آيه " هي وكالة استخباراتیة حكومية تعمل علی جمع المعلومات عن الحكومات والأحداث الخارجية وتقديمها إلى جهات مختلفة في الحكومة الأمريکیة. و ينسب إلى وكالة المخابرات المركزية سلسلة طويلة من العمليات السياسية والعسكرية في العديد من دول العالم، وخاصة في الشرق الاوسط .و تمتلک الوکالة هذه حوالي ال 65 مرکزا للتنصت داخل السفارات والقنصلیات الامیرکیة بالعالم بما فیها عواصم دول الشرق الاوسط وجنوب وشرق اسیا. و کشف تقرير في 500صفحة أعدته لجنة بالكونجرس ممارسات غير مشروعة لعناصر وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية خلال التحقيقات مع عناصر متهمة بالإرهاب و تهديد بعض المحققين للمحتجزين بعائلاتهم، ووصف التقریر سلوك الـ"سي اي ايه" بأنه "وصمة عار" في تاريخ امیریکا وانه لن يستطيع محو تلك الوصمة و لكنه جاء مضللا ليقول للشعب الأمريكي والعالم أجمع أن "امیریکا بلد عظيم يعترف بأخطائه إذا وقعت و يشعر بالثقة بأنه سيتعلم من تلك الأخط". فهل اقتصرت ممارسات الـ" سی ای ایه" علی العنف ضد الاسری الارهابیین ؟و ما هو دور هذه الوکالة في الشرق الاوسط؟
باسترجاع بعض وقائع الماضي والتنبه إلى تدخل ال"سي آي إيه" في الشرق الأوسط، و ما أسفر عنه من تدهور في المنطقة، یظهر جلیا دور الاستخبارات الامريكية البارز في تدهور أوضاع منطقة الشرق الاوسط .
فقد ساهمت الوکالة بشکل فعال جدا في تنظیم انقلابات في المنطقة، فکان تدخل الـ" سي اي ایه" جلیا في العام 1947 في إطاحة الحكومة في سوريا، ولعبت دورا کبیرا في الاطاحة بحكومة مصدق الإيرانية في عام 1953، و لكن الملفت أن جهود الوکالة الأميركية في ايران فشلت بسرعة اثر قيام الثورة الإيرانية واحتلال الشباب الايراني للسفارة الامريكية وكشف وفضح اعمال تجسسها على ايران. کما تعتبر وکالة الاستخبارات الامیریکیة من المخططین الاوائل للحرب العراقیة على إيران، وهي التي ساهمت في استخدام غاز الاعصاب القاتل ضد إيران.
و تشیر المصادر ان الوکالة قبل غزو العراق في العام 2003، أوعزت بقصف و استهداف نظام صدام حسين في تسعينيات القرن الماضي . و بعد دخول العراق استخدمت ابشع و اعنف انواع التعذیب لاستجواب المعتقلین بممارسات غير قانونية في مواقع سریة. وقد انتهکت الوکالة السریة الامیریکیة القوانين الدولية بإسم محاربة "الإرهاب"، في العديد من الدول في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا و ساعدت أميركا علی تخطي القانون الدولي في ملاحقة "ارهابيين" مزعومين، و لمصر في زمن مبارك سجل تاريخي حافل في العمل مع الـ "سي آي إي" للقبض على المشتبه بتورطهم "بالإرهاب"، إلى جانب الأردن و المغرب و الجزائر ولیبیا وغیرها. و قد اسفرت غارات، بطائرات من دون طيار، شنتها الوکالة الاستخباراتیة في العدید من دول الشرق الاوسط عن مقتل أكثر من 2400 شخص خلال 5 سنوات فقط .
و الیوم لم تنته تدخلات الوکالة الاستخباراتیة الامیرکیة في المنطقة فتسليح و تدريب المسلحين في سوريا، المثال الأحدث على تدخل الـ"سي آي إيه" بالشرق الأوسط، و فيما الحرب الدائرة في سوريا مستمرة وتهدد الشرق الأوسط بأكمله، تظهر نشاطات الوكالة کما انها تصب الزیت علی النار لتزيد من سوء الوضع السوري وتشعل العنف المتطرف في الدول المجاورة . و معارک داعش في العراق و سوریا و غیرها من الدول شاهد علی ذلک.
و بتصریح واضح لمصدر أمني أردني یظهر قیام عناصر من وکالة الـ "سي آي ايه" بتدریب الجماعات التكفيرية على اراضيها و أفاد المصدر الامني أن هذه الدورة تقوم فیها المخابرات الامريكية بتدريب مسلحين تصفهم بـ"المعتدلين" لارسالهم الى سوريا بهدف قلب موازيين القوى لصالح الجماعات المسلحة هناک. وأوضح انه يتم تدريب المسلحين على استخدام أجهزة حديثة لجمع المعلومات وعلى أنظمة دفاع جوية. و أشارت مصادر اخری الى أنه من المحتمل ان هذه الدورات التدريبية تقوم ایضا على الاراضي التركية.
التقریر الذی قامت بإعداده لجنة من مجلس الشیوخ الأمریکی والذي استغرق ۴ سنوات بمیزانیة تقارب ۴۰ ملیون دولار، یظهر فعلا أن وکالة الاستخبارات الأمیرکیة لجأت إلى أسالیب عنیفة وغیر فعالة في استجواب المعتقلین و ذکر أنه "بعد دراسة ۲۰ حالة" تأکد أن التعذیب الذی مارسته وکالة الاستخبارات على محتجزین لم یخلص إلى نتائج إیجابیة، وکان له أثر عکسي. لذلک اتهم التقریر وکالة الاستخبارات بالکذب على الجمیع حول سلمیة برامجها للاستنطاق بمن فیهم مجلس الشیوخ والبیت الأبیض. و الواضح ان الهدف من التقریر الذي وضعته لجنة الاستخبارات في مجلس الشیوخ إثر تحقیق دقیق استمر أکثر من ثلاث سنوات بین ۲۰۰۹ و۲۰۱۲، إلقاء الضوء على البرنامج الذی وضعته الـ"سي آي إیه" سرا لاستجواب أکثر من مئة معتقل یشتبه ارتباطهم بالارهاب بین ۲۰۰۱ و ۲۰۰۹ باستخدام تقنیات مشددة مثل الإیهام بالغرق والحرمان من النوم، و غیرها .
تقریر الکونغرس کشف ممارسات الـ" سي اي ایه " الغیر مشروعة و اعمال العنف ، ضد المعتقلین في السجون الامیریکیة، و لکن هذا التقریر جاء بعد سنوات من هذه الاعمال الاجرامیة، و لم یستطع منعها في الوقت التي کانت تقاریر اخری قدیمة تطالبه بذلک، ولا یخفی علی احد الصور و الافلام التي اظهرت العنف في "ابو غریب". و لکن لم یلتفت التقریر الی العملیات الاجرامیة و التدخلات السافرة التي تقوم بها الوکالة بعیدا عن المعتقلات، فلم یذکر التقریر مثلا التدخل السافر في سوریا ولا تدریب وتسلیح الارهابیین فیها و لا عملیات الاغتیال التي کان لها دور کبیر في اشعال المنطقة.
اذا جاء هذا التقریر علی قاعدة ان تاتي متاخرا خیر من ان لا تاتي ابدا، فهل یظهر تقریر ثان التجاوزات الاخری للـ" سی ای ایه"، فیکون " غدا لناظره قریب"؟؟