الوقت- "خط أحمر" واقع يوصف حال سوريا بالنسبة لروسيا، ولطالما كان رد الكرملين على التهديدات الأمريكية بتوجيه ضربة عسكرية لدمشق "قاسياً"، فسوريا حليف أساسي لروسيا في المنطقة وتخوض المعركة حالياً الى جانب الرئيس الأسد بصفتها معركتها، فلماذا تدافع روسيا عن سوريا، وتستميت في الدفاع عن هذا النظام وتمثله في المحافل الدولية؟
"استماتة" روسيا في الدفاع عن النظام السوري كانت محط أنظار الجميع، وجعل كثيرين يعودون إلى البحث من جديد عن السر الذي يجعل روسيا تدافع بهذا العناد، فهل روسيا حسبما قال الرئيس الأسد "بالدفاع عن النظام السوري تدافع عن نفسها"؟
وما تفاصيل هذه العبارة وماذا تعني استراتيجيا؟
خسرت روسيا مواقع نفوذها العسكرية والسياسية في الشرق الأوسط منذ بداية تسعينات القرن الماضي، حيث لم يبق لها آنذاك سوى العراق، وليبيا، وحالياً لم يبق لها سوى سوريا، ربما أنه ليس ثمة ما يضمن أنّ المعارضة السورية لن تتخلى عن الشراكة مع روسيا في حال استلامهم الحكم، نظراً لتوجه معظم زعمائها نحو الغرب وبلدان الخليج وتركيا، لذلك لا خيار أمام موسكو سوى دعم النظام القائم حالياً، ولكن في تحليل أسباب وجذور مسألة العناد الروسي تجاه سورية علينا التطرق إلى عدة نقاط:
أولا: تمثل سورية موقعاً جيوسياسياً مهما بالنسبة لروسيا في منطقة الشرق الأوسط، فهي الجزء الأخير من بقايا حلفاء الاتحاد السوفييتي، واذا ما فقدت روسيا هذه المنطقة لصالح الغرب لن يبقى لها موطئ قدم في العالم وبالتالي ان أي حرب جديدة ستهدد العمق الروسي "مقطوع اليدين".
ثانياً: تحتضن مدينة طرطوس السورية أهم قاعدة عسكرية روسية في المنطقة تطل منها على البحر الأبيض المتوسط، وهي بالأساس قاعدة إمداد وصيانة وتموين لا أكثر، لكن إذا علمنا أن الحكومة الأوكرانية قد أبلغت الجانب الروسي أنها لن تمدد معاهدة إبقاء الأسطول الروسي في أراضيها، التي تنتهي عام 2017، وبالتالي زوال القاعدة البحرية الرئيسية لأسطول البحر الأسود الروسي في مدينة (سواستوبول) الأوكرانية ، لذا فإن روسيا مضطرة للحفاظ على قاعدة طرطوس من الناحية الاستراتيجية.
ثالثاً: نظراً للوضع الاقتصادي الصعب التي تواجهه روسيا خاصةً بعض العقوبات الاخيرة المفروضة عليها، تعد المسائل الاقتصادية أيضا، سبب آخر من أسباب الدعم الروسي لسورية، حيث يصل حجم المبادلات التجارية السورية بالنسبة للأسلحة ما يقارب 1 مليار دولار، والمبادلات التجارية (غير الأسلحة) تصل إلى حدود 1 حتى 5/1 مليار دولار.
رابعاً: جانب آخر للأزمة السورية يغفل عنه الكثيرون ولا يتيح لروسيا أن تبقى مكتوفة الأيدي، ففي سورية يعيش حوالي ثلاثين ألفا من المواطنين الروس (ويصل هذا الرقم وفقا لبعض الإحصائيات إلى مائة ألف من حملة الجنسية الروسية)، وفي حال انتصار التيارات التكفيرية في سوريا، فإن هؤلاء جميعا سيجدون أنفسهم عرضة للتنكيل والقتل.
خامساً: يعد وصول التيارات التكفيرية إلى السلطة في الشرق الأوسط، وكذلك المسلمين الروس والمتواجدين في المنطقة القريبة منها أحد أبرز التعقيدات الطبيعية التي ترسم مستقبل روسيا، فالحديث في كواليس القيادة الروسية عن انتشار الإسلام المتطرف في أقاليم روسيا الجنوبية يفوق التوقعات، لذلك لا تستطيع موسكو إغماض العين عن حقيقة أن المقاتلين الإسلاميين ينتقلون إلى سورية ويكتسبون خبرات قتالية يمكن أن يستخدموها في أي مكان في العالم، بما ذلك في شمال القوقاز، في الشيشان وداغستان، وذلك يعني اندلاع موجة جديدة من الإرهاب" على الأرض الروسية.
سادساً: بعودة بوتين إلى سدة الحكم، شابت العلاقات بين روسيا وأمريكا الكثير من المشكلات والتعقيدات السياسية في الشرق الأوسط خاصةً بعد اسقاط قوات التحالف الدولي ليبيا وتقاسم مصادر النفط فيما بينها، لذلك ترفض روسيا سقوط سوريا التي تعتبر القاعدة الاخيرة في المنطقة، لأن العالم سيعود الى قطبه الأحادي اذا ما حوصرت روسيا داخل أراضيها، وبالتالي توجيه ضربة لروسيا لعلها توازي انهيار الاتحاد السوفياتي نسبيا.
سابعاً: يعتبر التحكم بمصادر النفط والطاقة من الأولويات الرئيسية للأنظمة الكبرى في العالم، لذلك تسعى روسيا التي عُرفت سابقاً باستخدامها مواردها الهائلة من الطاقة (10.4 مليون برميل نفط يومياً خلال عام 2012) كسلاح جيوسياسي، للسيطرة على النفط السوري، حيث اظهرت الاكتشافات الجديدة احتياطات ضخمة من الغاز والنفط في شرق البحر المتوسط.
ثامناً:لا يستطيع الروس الوقوف مكتوفي الأيدي أمام خساراتهم المتتالية، ولطالما أكدت روسيا أنها ستظل تنظر إلى مشروع إنشاء نظام الدفاع المضاد للصواريخ في أوروبا على أنه يمثل تهديدا لها، ما يدفعها الى تعزيز دفاعاتها، لذلك فان نشر "منظومة اسكندر" فائقة التطور التي ستتركز ضمن الأراضي الروسية أو الدول المحيطة بها والمتحالفة معها مثل بيلاروسيا وكازاخستان. سوريا أيضاً ستكون من ضمن الدول القليلة التي ستنصب على أراضيها "منظومة اسكندر" الصاروخية وقد جرى بالفعل تدريب وحدات خاصة من الجيش السوري على استخدامها.
اذاً، روسيا لا تدافع عن رئيس في سوريا، بل عن مصالح استراتيجية تتجاوز الرئيس ونظامه، وبالتالي تدافع عن مصالحها الأوراسية، وطالما لم تجد موسكو شخصية جديرة تثق بها بإدارة سوريا والحفاظ على مصالحها هناك فلن تتخلى عن الرئيس بشار الأسد وسوف تلعب كل الأوراق للدفاع عنه، باختصار روسيا تدافع عن سوريا لعيون"روسية".