الوقت- في 22 ت2 1943 اعلنت الدولة اللبنانیة استقلالها عن الانتداب الفرنسي، فکان للجهود المقاومة، بالسلاح والکلمة، دورها الفعال في استقلالیة دولة لم تبصر الحریة بالقرار منذ العام 1860، فمن الاحتلال العثماني الی الانتداب الفرنسي، حالة انتقال " من تحت الدلف لتحت المزراب" کما یعبر المثل اللبناني. استقل لبنان بشموخ الارز المروي من نهر العاصي وتکاتف ابناءه، وبدا صراعه مع ذاته لتشکیل دولة قویة تقف بوجه کل مصالح الهیمنة الاجنبیة. لکن العام 1958 کان الطعنة الاولی في الخاصرة اللبنانیة لیبدا الصراع الداخلي، و یتجلی بعد اتفاقیات عام 1973 التي اعطت الکیان الصهیوني ضوءا اخضر للهیمنة علی المنطقة، فکانت الحرب الاهلیة الاولی عام 1975، بوابة شؤم فتحت علی مصرعیها ، ولم تغلق حتی خطفت معها انفاس الالاف من المدنیین. انتهت المعارک مع اتفاق الطائف 1990و لکن الحرب استمرت، حرب باردة، مخطط صهیوني بامتیاز لابتلاع ما تبقی من روح الثورة الاستقلالیة اللبنانیة. فماذا عن الیوم؟
تعد اهمیة لبنان الاستراتیجیة اهم ابعاد الموقف الاسرائیلي من الازمات اللبنانیة. فالجنوب اللبناني یقع علی مسافة قریبة من مراکز الکثافة السکانیة و الانتاج الصناعي في الکیان الغاصب، اضافة الی انه صالح لتمرکز المقاومین و انطلاقهم نحو المواجهات داخل الاراضي الفلسطینیة المحتلة. و تسمح طبیعة لبنان بسهولة بزیادة فرص التوسع الزراعي الصهیوني، و باعتبار مشکلة المیاه ایضا من اهم العقبات التي تواجه الکیان الصهیوني، یشکل الجنوب اللبناني مصدر وفیر بالمیاه. و بعد السعي العربي لاستغلال میاه الجنوب وخاصة نهر اللیطاني في مطلع الستینات بدات المطامع الصهیونیة تزداد یوما بعد یوم.
لم يتراجع الکیان الغاصب عن خطته في تقسيم لبنان، فمصالحه تقتضي ذلک علی مبدا فرق تسد، فکان عام 1982 کفیلا بالطعنة الثانیة، اجتیاح اسرائیلي حمل فکرة القضاء علی الحرکات الفلسطینیة المقاومة ذریعة لاحتلال بلاد الارز. ولا یخفی علی احد اعماله الاجرامیة التي کانت کفیلة بتقسیم لبنان الی دویلات قامت علی انقاض بیوت مدمرة و عوائل مهجرة. جند الکثیرین تحت عنوان جیش لبنان الجنوبي، و لکن اخرین کانوا لبنانیون بامتیاز، لبنانیو الثورة و الجهاد، لبنانیو العزة و الکرامة و شموخ الارز. و استطاعوا بقدرتهم و صمودهم و مقاومتهم من دحر العدو الاسرائیلي في ایار من عام 2000، مخلفا وراءه خرابا هائلا، و مجازر بالجملة، امهات ثکلی و نساء ارامل و اطفال ایتام.
لکن المشروع لم یقف هنا فالصهیونیة لا تری مکانا لقوة عربیة في "منطقتها"، و اکمل العمل و کان التحریض الداخلي، یوما بذریعة سلاح الدولة داخل الدولة، و یوما باشکالات مذهبیة تدمر کل رکائز العیش المشترک، کفیلا لشرذمة الداخل اللبناني لمحاربة المقاومة داخلیا بعد فشل الحرب الخارجیة علیها. و کان اغتیال الشهید الراحل رفیق الحریري عام 2005، السکین الثالث الذي کان کفیل في ابعاد المسافات الی سنوات ضوئیة. فتشکلت قوی 8 اذار و قابلها تشکیل مضاد لقوی 14 اذار، وعاد الانقسام من جدید.
و الید الغربیة دائما مستعدة لمساعدة الکیان الغاصب علی بناء "دولته" و لا بد لها من الظهور، ودائما الاداة صهیونیة و عادت الحروب، فکان السعي لبناء شرق اوسط جدید، شرق لا یعرف من الشروق الا اسمه، مشروع صهیوني امیریکي لتقسیم الدول الی دویلات ودائما القاعدة فرق تسد، فکان تموز 2006 تاریخ جدید، من الانقسام الداخلي الحاد والمقاومة الباسلة. 33 یوما کانت کفیلة بتوسیع الهوة بین الاطراف، حرب ضروس لم یستطع الصهیوني فیها من تحقیق هدف واحد من اهدافه "الاستراتیجیة" ، فعاد للحلول السیاسیة الفتنویة، و بدا بعملیات التخریب یستهدف خلالها القاعدة الثلاثیة الذهبیة " جیش، شعب، مقاومة". فیمارس الضغوط لمنع وصول سلاح متقدم للجیش من جهة، ویحارب محور المقاومة لاشعال فتن مذهبية وطائفية في لبنان وخارجه للتخلص من مقومات الصمود، سواء كانت مقاومة او جيش، فبدات عملیات الاغتیالات، وتساقطت الشهداء بدماء باردة و بقي الوضع علی ما هو علیه، و "علی المتضرر اللجوء الی القضاء" .
وکان للقضاء الغربي دوره في المعرکة الجدیدة، شهادات مزورة، واتهامات کان لها الدور الابرز في تاجیج الصراع الداخلي، ودائما المخطط اسرائیلي و المساعدة امیریکیة، فاتهم الثامن بدم الرابع عشر، و الهدف دائما استقلال بلاد الارز و بدات الحرب الاهلیة الثانیة. 7 ایار 2008 ، معارک و اعمال عنف لم یشهد لبنان لها مثیل بین ابناءه. وکانت المصالحة الوطنیة لاطفاء نار الحرب. فانتهت حرب بیروت في الدوحة، باتفاق بین اطراف النزاع، و لکن الانقسام لم ینتهی، والمشروع الصهیوني لم یقف هنا.
ظهر الربیع العربي مبشرا باستقلال بعض الشعوب العربیة من غطرسة حکامها، و تحول شتاء عاصفا بعد الصید في المیاه العکر لتقسیم المنطقة، وبدات الحرب علی سوریا، و دائما الهدف واحد "حمایة المصالح الصهیونیة"، بضرب محور المقاومة، و بدا العمل لطعن المقاومة من الخلف و تلقت "الثورة السوریة" دعما غربیا لیس له مثیل. و بدات المصانع الامیریکیة بفبرکة "الثوار" ، فظهرت " داعش " و "النصرة"، حرکات "ما انزل الله بها من سلطان"، و بدا طبخ الاهداف علی نار حامیة. فارسل الارهاب الی الداخل اللبناني، وبدات التهديدات تطال بیروت، فاتخذت المقاومة قرارها، وغزت الارهاب فی عقر داره واستطاعت وقف اعماله المشؤومة في بلاد الارز. فانتفض الصهاینة، وبدات النعرات الطائفیة سعیا لتقسیم جدید، لتبدا معها المناوشات اللبنانیة. و استطاع المشروع الصهیونی الامیریکی، ایجاد هوة بین اللبنانیین وتفرقة تسمح له بسهولة من الوصول الی هدفه الاساسي، ضرب الاستقلال اللبنانی،و لا شک ان الحل الوحید تکاتف و تعاضد لبناني یعید الامجاد اللبنانیة الی اسقلال 1943.
فیا اشرف الناس، و یا شعب لبنان العظیم، التفرقة قرار امیریکي اسرائیلي بامتیاز، والوحدة الوطنیة هو الباب الوحید للخروج من هذه الازمة. فیا ایها اللبنانیون، الستم من تعلمنا على يدكم ان اعتصموا بحبل الله واتحدوا، الستم من تعلمنا علی یدکم بان العود محمی بحزمته ضعیف حین ینفرد، فلماذا الفرقة الصهیونیة ستحکمنا ؟....
