الوقت- لا زال الإعلام السعودي يروّج لوقوف «إسلام آباد» إلى جانب الرياض في المواجهة القائمة مع طهران حيث لا تريد الرياض الإقتناع من الرسائل السابقة بالموقف الحقيقي للحكومة الباكستانية تجاه العلاقة مع إيران.
هذه المرّة، أعادت باكستان تجديد رسائلها السابقة عبر وزير دفاعها «خواجهآصف» الذي أكّد في كلمة له أمام المجلس الوطني الباکستاني أن بلاده « لن تنضم لأي تحالف معاد لایران»، متسائلاً في الوقت عينه «إن باکستان تضم اکبر عدد من الشیعة بعد ایران بین الدول الاسلامیة، فکیف یمکنها أن تفکر بالانضمام لتحالف معاد للشیعة».
تأتي التصريحات السعودية الجديدة في إطار الزيارة التي قام بها رئيس الوزراء الباكستاني نواز شريف، وقائد الجيش الجنرال رحيل شريف إلى الرياض، تلتها زيارة مماثلة للعاصمة الإيرانية طهران بغية التوسط لحل الأزمة بين البلدين. الرياض حاولت الإستفادة من إنضمام باكستان «الشكلي» للتحالف العسكري الإسلامي الذ أعلنته السعودية حيث لم تعلن شیئا عن مستوی مشارکتها و تفاصیل الانضمام الیه حتی كتابة هذه السطور.
لا يختلف إثنان على دور باكستان المحوري في المنطقة بإعتبارها القوة الإسلامية الوحيدة التي تمتلك ترسانة أسلحة نووية، فضلاً عن القوة البشرية الضخمة التي ناهزت الـ185 مليون نسمة. كذلك، لا ينتابنا أي شك في إعتبارها أقوى حليف سنّي للمملكة، ولكن ما تغفل عنه الرياض ووسائل إعلامها، هو علاقة «إسلام آباد» الجيّدة مع طهران من ناحية،وعدم تضحيتها بمصالحها الإستراتيجية لعيون أي بلد آخر، فباكستان ليست البحرين أو السودان، وهذا ما ترفض الرياض سماعه فضلاً عن الترويج إليه، ولكن الشمس لا يحجبها الغربال.
لقد جدّد وزير الدفاع الباكستاني في تصریحاته المطولة أمام البرلمان علی ان باکستان لن تلجأ الی الخیار العسکري ضد أي دولة اسلامیة، وذلك باللتزامن مع تأكيد رئيس الوزراء نواز شريف من طهران على عمق العلاقة بين البلدين، بالإضافة لقائد الجيش الجنرال رحيل شريف الذي رحب من المكان نفسه بتطویر التعاون الدفاعي والعسکري والامني بین ایران وباکستان، معتبراً أن « الشعب الباکستاني یشعر بقرابة کثیرة مع شقیقه الشعب الایراني المسلم». هذه التصاريح التي ليست بجديدة، وبالإضافة إلى المواقف السابقة تؤكد على جملة الرسائل، أبرزها:
أولاً: لم تأتي هذه التصريحات من فراغ، بل تحتكم للتقارب التاريخي بين الجارين، سواءً على الصعيد الرسمي أو الشعبي.
ثانياً: يحتكم موقف الحكومة الباكستانية لمصلحة البلاد العليا، وبالتالي لم يكن مستغرباً لدى كافّة الخبراء ما صدر مؤخراً عن «إسلام آباد». بعبارة آخرى، تريد باكستان الحفاظ على مصالحها سواءً مع الرياض أو طهران، وهذا السبب الرئيسي في عدم الدخول في الخلاف الحالي بين البلدين، بل العمل على رأب الصدع وتطويقه.
ثالثاً: رغم أهمية «مليارات البلد المسلم» للحكومة الباكستانية، إلا أن «إسلام آباد» تتطلع، وبالتحديد بعد رفع العقوبات، إلا تزويدها بالطاقة من «الجار الإيراني» عبر إستكمال مشروع بناء أنبوب الغاز لتغطية حاجياتها المزمنة من الطاقة.
رابعاً: لا يمكن لباكستان أن تضرب راي أكثر من 40 مليون شيعي، فضلاً عن عشرات الملايين من السنة عرض الحائط، أو خدمة لمحمد بن سلمان، لذلك تعتمد سياسة «النأي بالنفس» في أي خلاف يحصل بين البلدين. هذا الأمر يعزّز الأوضاع الأمنية في الداخل، ويُبعد شبح التوتّرات الطائفية حيث تسعى بعض الجماعات التكفيرية في الداخل الباكستاني لإستغلال أي موقف تحريضي للحكومة بغية الإصطياد في الماء العكر.
ما يجب على الجميع وضعه نصب أعينهم أن باكستان تراعي مصالحه القومية في الدرجة الأولى، وفي حال نشوب أي نزاع جديد بين طهران والرياض، لا سمح الله، فإن إسلام آباد ستنأى بنفسها عن الدخول لجانب أي طرف، بل ستحاول الدخول في وساطة، لا لعيون إيرانية أو سعودية، بل بسبب «المصلحة القومية».
الوساطة الباكستانية، أو النأي بالنفس، سيحفظ أي مساعدات سعودية مقبلة، إضافةً إلى النفط السعودي وإستثمارات الرياض داخل باكستان، مقابل الحفاظ على الغاز الإيراني والعلاقات الإقتصادية بين البلدين، وبين هذا وذاك، تساهم سياسة النأي بالنفس في كبح جماح التوترات الطائفية والمذهبية في الداخل الباكستاني.
سواء إقتنعت السعودية، أم لم تقتنع بحقيقة الموقف الباكستاني، فالشمس لا يحجبها العربال، كما أن الترويج الإعلامي لـ«أكذوبة» الموقف الباكستاني ستتبدّد سريعاً، ولن تؤثر على ميزان العلاقة مع طهران مثقال خردلة، فالعنوان الأول والأخير في موقف إسلام آباد يكمن في المصلحة القومية العلیا.