الوقت-بعد إعلان السعودية قطع العلاقة مع طهران، شهدت الساحات الإعلامية أسئلة مركزية من قبيل: «هل ستكون القطيعة بداية حرب باردة بين البلدين؟»، «هل ستشهد منطقة الشرق الأوسط حرب أقطاب جديدة؟». الأكيد أن مرحلة ما قبل العلاقة ليست كما بعدها، بل إن الشرخ الإقليمي، لاسيّما بعض الخطأ الإستراتيجي التي إرتكبته السعودية في قطع العلاقات، آخذٌ في الإتساع إلى ما لا نهاية.
هل تُعتبر عملية قطع العلاقات نهاية للصدام وردّاً على ما حصل ؟ أم أن ما جرى ليس سوى البداية؟ مصادر عدّة تؤكد أن الحسابات بين طهران والرياض لم تغلق، بل فتحت من جديد.
إن الفصل الجديد الذي شكّل مادّة دسمة للكيان الإسرائيلي، يعزز الشرخ الإقليمي ويدفع بإتجاه «قطبنة» المنطقة بوتيرة أعلى مما سبق، لذلك لا نستغرب إستخضار البعد الطائفي من قبل السعودية في أي ساحات إشتباك غير مباشر مع إيران، والبعد العرقي في أي ساحة إِشتباك مباشر رغم أنه أمر مستبعد. لكن السعودية التي تعتمد دبلوماسيّة البترودولار غير قادرة على «قطبنة» المنطقة وفق ما تريد بإعتبار أن الدول الوازنة لن ترضى بلعب دور «أحجار الشطرنج» في أيادي محمد بن سلمان، كما أن دولاً كالبحرين والسودان يغيب إسمها عند الحديث عن «الإستراتيجيات» في الشرق الأوسط. فما الذي ستعمد إليه الرياض؟
عند الحديث عن التوتّرات المذهبية لا يمكن التغافل عن دور الكيان الإسرائيلي الذي يعيش منذ بدء ما يسمى بـ«الربيع العربي» حالة من الرخاءً والإستقرارً غير المسبوق، ما عدا حوادث الدهس والطعن المباركة والتي بدأت قبل أشهر بمبادرات فردية. هنا ستلتقي المصالح الإسرائيلية السعودية، لتصبان سويةً زيت الحقد على نار الفتنة المذهبية. السعودية بذلك تستطيع أن تكرّس نفسها زعيمة للعالم الإسلامي «التكفيري» متجاهلةً دور كل من مصر وتركيا، وزعيمة للعالم العربي في المواجهة مع «إيران الفارسيّة» بإعتبار أن الدول الوازنة عربياً غارقة في وحول الإرهاب الداعشي.
وأما بالنسبة للكيان الإسرائيلي، فإن إرتفاع حدّة الخطاب الفتنوي في المنطقة يعني إنصراف كافّة الدول وبشكل تام عن القضيّة الفسطينية مما يسمح لها بأت تسرح وتمرح كما يحلو لها على الأراضي الفلسطينية خاصّة أن تركيا أعادت ربيع العلاقة مع الكيان الإسرائيلي بغية تأمين حاجتها من الطاقة. إن أي فتنة مذهبية في المنطقة هي بالدرجة الأولى في صالح الكيان الإسرائيلي ومن ثم السعودية بإعتبار أن نار هذه الفتنة ستطال ثوب «آل سعود»، مقابل إعتبار الشعوب والعربية والإسلامية إضافةً إلى القضية الفلسطينية هي الخاسر الأكبر جرّاء ذلك.
وفي حال نجحت كل من السعودية والكيان الإسرائيلي في صب الزيت على نار الفتنة، يتربّع مشروع محاصر إيران ومنعها من دعم الحركات المقاومة في المنطقة على رأس أولويات البلدين، وبذلك تستطيع السلطات الإسرائيلية أن تنفّذ كافّة مشاريعها على الأراضي الفلسطينية دون قيد أو وشرط وذلك بعد القضاء على الحركات المقاومة هناك، ومن ناحية آخرى تخلو الساحة للسعودية بغية تمرير مشاريعها سواءً في سوريا أو العراق أو اليمن دون رقيب أو حسيب.
محور آخر من المحاور التي ستكون موضع تداول في حال نجح المشروع الإسرائيلي السعودي، هو بروز الخطاب الإعلامي الذي يتحدّث عن النفوذ الشيعي والمدّ الفارسي مقابل غياب شبه تام لإحتلال الأقصى وثوّرة الشعب الفلسطيني. وبالتالي فإن رواج هذا الخطاب يعني سعي هذه الدول لتقليم أظافر محور المقاومة عموماً، وطهران على وجه الخصوص، بصرف النظر عن قدرة الكيانين الإسرائيلي والسعودي على ذلك.
لا نستغرب أي تغييرً في اللهجة بين الكيان الإسرائيلي والسعودية، وربّما برعاية تركية لا تخلو من هدف تعرية الرياض أمام العالم الإسلامي كحليف للكيان الإسرائيلي، وبالتالي إعادة نجم «الخلافة العثمانية» من جديد، إضافةً إلى إضعاف الموقف المصري على الصعيد العربي. وربّما لا يحتاج الأمر إلى أي وساطة تركيّة، بل تكفي اللقاءات السرّيّة أو العلنية التي يتولّى ترتيبها اللواء «أنور عشقي» بإعتباره عرّاب العلاقات السعودية الإسرائيلية.
رغم ذلك، وحتى لو أعلنت السعودية تحالفاً إستراتيجياً مع الكيان الإسرائيلي فإن الأمر لا يدعو للقلق والخوف. صحيح، أن هكذا تحالف يعني المزيد من الدمار على المدى التكتيكي، إلا أنه سيرسم حكاية «آل سعود» على المدى الإستراتيجي. المشهد المقبل يعيد إلى الأذهان تحالف قريش مع اليهود ضد المسلمين في معركة الخندق (الأحزاب) الذي أشاره سلمان الفارسي على النبي الأكرم (ص)، هناك «لما رَأَى الْمُؤْمِنُونَ الأَحْزَابَ قَالُوا هَذَا مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَمَا زَادَهُمْ إِلاَّ إِيمَانًا وَتَسْلِيمًا».