الوقت ـ لم تستمع تركيا الی النصائح التي وجهتها الیها ايران خلال الاعوام الثلاثة المنصرمة بعد ما واجهة المنطقة الاحداث الالیمة الاخيرة خاصة التي شهدتها سوريا، مما ادی تخبط انقرا في السياسات الخاطئة الی حدوث ازمات كبيرة في المنطقة بل حتی داخل تركيا. حيث ان هذه السياسة غير السليمة التي تتبعها تركيا اصبحت تهدد امن واستقرار هذا البلد من الداخل وتنذر بازمات لا تحمد عقباها من الممكن ان تشهدها المنطقة في حال استمرت تركيا علی هذا النهج الخاطيء.
ومن يتابع سياسة تركيا خلال الاعوام القليلة الماضية يری بوضوح ان انقرا تخطط للوصول الی طموحات صار الوصول الیها امرا مستحيل. وياتي في مقدمة هذه الامور ان تركيا تطمح الیوم لتشكيل قوی عثمانية جديدة من خلال قمع الاقليات الداخلية خاصة الاكراد وكذلك عبر تضعيف دول المنطقة خاصة سوريا. لكن علی مايبدو فان القادة الاتراك او كما يسميهم البعض العثمانيين الجدد المتمثلين بـ «رجب طيب اردوغان» و«داوود اغلو»، يسيرون دون مخطط واضح بأمل الوصول الی هذه الطموحات التي كما اسلفنا اضحت غیر ممکنة بسبب التغييرات التي شهدتها المنطقة خلال العقود الاخيرة وكذلك الوعي المتزايد الذي نمی بين شعوب المنطقة خلال هذه الفترة.
ويصف «كوريستان كورباي» احد اساتذة جامعة برليين والخبير في القضايا السياسية، سياسة تركيا الحالیة خلال حوار اعلامي له مع احد وسائل الاعلام ان انقرا تحاول الوصول الی ثلاثة اهداف تتمثل في اضعاف حزب الـ « PKK » واسقاط نظام الاسد في سوريا وبعد ذلك محاربة داعش ان كان هذا التنظيم لم يخدم المصالح التركية. حيث يوكد هذا الخبير ان قيام تركيا بوضع الحزب العمالی الكردستاني علی قائمة الجماعات الاسلامية المتطرفة وكذلك التصرفات الارهابية لتنظيم داعش علی الحدود التركية تجاه مدينة عين العرب (كوباني) من شأن جميع هذه القضايا ان تشعل فتيل ازمة طاحنة داخل تركيا. حيث جميع هذه التصرفات من الممكن ان تهيي ء الارضية اللازمة لاحتجاجات الكثير من الاكراد داخل تركيا.
لكن وحسب مايقول هذا الخبير انه بالرغم من ان الساحة التركية بحاجة الی تهدئة من اجل عدم اثارة الاكراد داخل تركيا، لکن بالرغم من كل ذلك لم تبدو تركيا مستعدة للكف عن سياساتها الاستفزازية تجاه الاكراد. كما ان تركيا لا تريد ان يتعاظم دور الاكراد في مواجهة تنظيم داعش بالرغم من الانجازات التي قام بها المقاتلين الاكراد ضد داعش التي ادت الی حماية الاقلية الايزدية في العراق. لان مثل هذه الانجازات ادت الی مطالبة بعض الجهات الدولية لتقليص الحظر المفروض علی حزب العمال الكردستاني من قبل تركيا وهذا ما يزعج القادة الاتراك.
وفي سياق حديثه يقول كورباري ان تركيا تسعي الی محاورة الـ « PKK » لکنه یجب ان یکون منهك وضعيف كما انها تريد تضعيف الاكراد في سوريا والعراق والقضاء علی الحكم الذاتي الذي كسبوه لانفسهم في تلك الدول. جميع هذه النوايا السیئة من قبل انقرا تجاه الاكراد لا تبشر بان تركيا تريد للاكراد الخير حتی وان ابدت استعدادها لاجراء حوار معهم، وهذا التناقض في السياسة التركية المتمثل في اجراء الحوار وفي نفس الوقت اعتبار الحزب العمالی الكردستاني، منظمة ارهابية، جعل الشعب الكردي في تركيا ينظر بريبة الی تصرفات الحكومة التركية. كما من المتوقع ان يفشل الحوار التركي مع الاكراد بسبب ان تركيا لا تهدف من خلال هذا الحوار اعطاء حقوق الاكراد بل تريد تخديرهم وتسكينهم عبر الوعود بعيدة الامد التي يعرف الكرد انها لم تتحقق علی الاطلاق.
دراسة جميع هذه التصرفات التركية يبين لنا ان انقرا تسعي الی خطط جهنمية تجاه الاكراد وشعوب المنطقة كافة سواء كانت تعلم بذلك وتعمله عن قصد ام انها لم تعرف ماذا ستكون نتيجة تصرفاتها وهذا بالطبع مستبعد جدا. ونظرا لهذه السياسة الخطیرة التي تصدر من تركيا فان المنطقة باتت تقع علی شفی الهاوية في حال لم تتدارك تركيا الامور وتكف عن سياستها العدوانية تجاه شعوب منطقتنا الاسلامية.
ومن اللطيف اننا نری تركيا خلال الاعوام الاخيرة تدعي وكأن قلبها يتقطع علی الشعب الفلسطيني بسبب التصرفات الاجرامية التي يواجهها من قبل العدو الصهيوني، لكن وكما شكك الكثير من المراقبين تجاه هذه التصرفات التركية فقد اتضح الیوم وبشكل جلي ان الهدف من جميع هذه الدعاية التركية هو حرف الأنظار عن السياسة الواقعية لتركية والتي تتمثل بالاقتراب من الكيان الصهيوني وامريكا علی حساب سائر الشعوب الاسلامية. لا شك ان تركيا تعرض نفسها الی مخاطر غير حميدة العواقب من الداخل والخارج بسبب تصرفاتها غير الانسانية تجاه فئة كبيرة من شعبها ونعني هنا الاكراد وكذلك بسبب تصرفاتها العدوانية تجاه دول المنطقة خاصة العراق وسوريا. حيث ان تصرفات تركيا تجاه هاتين الدولتين خاصة بالسماح للارهابيين لدخول الاراضي السورية والعراقية ادت لحد الآن الی مقتل مئات الآلاف من العراقيين والسوريين. إذا علی تركيا الكف عن سياستها العدوانية قبل ان تشتعل تركيا غضبا من الداخل وعند ذلك سيكون اردوغان عاجزا عن فعل اي شيء لتهدئة الامور.