بغض النظر عمّا هی النسبة بین هکذا إجراء و بین القانون و الإعتراف رسمیاً بالدول فی المؤتمرات الحقوقیة فإن هناک العدید من البحوث حول إمکانیة تنفیذ هکذا أمر من عدمه. إن الوقت الطویل الذی تم وضعه لإقامة هذا المؤتمر و التأکید علی أن لا یغادر وفدی الطرفین جنیف خلال مدة أسبوعین، کلها تدل علی العقبات الجدیة التی تحول دون نجاح هذا المؤتمر. قبل یومین قام ممثل الأمین العام للأمم المتحدة فی الشأن السوری الأخضر الإبراهیمی و المسؤول الأساسی عن المؤتمر بالإعلان صراحة أنه لا یمکن أن نؤکد للشعب السوری بأن الدورة الثانیة لمؤتمر جنیف ستتمکن من تحقیق إنجازات مقبولة بالنسبة لهم.
لقد أقیم مؤتمر جنیف عام 2012 و بحضور حوالی 80 دولة و منظمة دولیة؛ حیث تم الإتفاق فی ذلک المؤتمر علی تشکیل «حکومة انتقالیة ذات صلاحیة کاملة»، لکن بمرور الوقت قام الأمریکیون بتفسیر المادة الأساسیة للإتفاق حیث أکدوا أن هذه المادة تمنع استمرار تدخل بشار الأسد و دوره المؤثر فی مستقبل سوریة، و فی النهایة تشکیل الحکومة الإنتقالیة. هذا فی الوقت الذی یعتقد فیه الروس و العدید من الدول الأخری أن الحکومة السوریة الحالیة هی حکومة قانونیة، حیث یجب أن تقام الإنتخابات بناءاً علی إمکانیة حضور مرشحی الطرفین. إن هذا الفرق العمیق فی الوقت الحالی من أهم العقبات التی تحول دون نجاح مؤتمر جنیف2.
لقد أقام الأمریکیون مؤتمر جنیف1 تحت مظلة الأمم المتحدة و بحضور ثمانین دولة و منظمة دولیة، کما أن عدد الوفود المشارکة قد وصل إلی 40 دولة و منظمة، من جهة أخری فإن بین الدول المشارکة کان یوجد عدة دول داعمة للأعمال الإرهابیة التی تحصل فی سوریة من بینها أمریکا، إنکلترا، فرنسه، السعودیة، قطر، ترکیه و الإمارات، و هذا الأمر قد طرح العدید من التساؤلات حول النوایا السلمیة لدی القائمین علی المؤتمر.
عندما تعلن الدول بشکل علنی دعمها لإرسال الأسلحة الخفیفة و المتوسطة للمجموعات الإرهابیة و تتولی بنفسها مهمة إیصاله لهم فکیف یمکن اعتبارهم جزءاً من «الحل السلمی »! فی هذا الوقت حیث یعقد مؤتمر جنیف2 نری أن المملکة العربیة السعودیة تقوم بشکل واضح جداً بإرسال السلاح و إرسال الإرهابیین إلی العراق و منها إلی سوریة، کما أن معاون وزیر الدفاع السعودی و أمام کامیرات التلفزیون یعلن أنه فی حال قام الجیش العراقی بعملیات عسکریة ضد مجموعة داعش الإرهابیة فی محافظة الأنبار العراقیة، فإن بلاده ستتدخل بشکل مباشر لحمایة و دعم داعش! فی هذا الوقت نری أن هکذا دولة تزعم أنه لماذا یقوم الجیش السوری بملاحقة الإرهابیین المسلحین علی الأراضی السوریة و لهذا السبب یجب أن یسقط و أن یشکل الإرهابیون حکومة انتقالیة و أن یبنوا سوریة بناءاً علی إزاحة بشار الأسد و الحکومة السوریة الحالیة!
من هذه الزاویة فإن مؤتمر جنیف2 یعتبر برنامجاً خطیراً لأن هکذا عملیة من الممکن أن تتکرر فی أی مکان آخر، من الممکن أن یتم تجهیز المجموعات المسلحة و دعمها ثم تهب الدولة لمواجهتهم، بعدها یتم تشکیل مؤتمر دولی یقوم باسم المجتمع الدولی بعزل تلک الحکومة و لو کانت مثل بشار الأسد منتخبة من الشعب و یقوم بتنصیب وکلاء الإرهابیین بدلاً عنها. هذه الطریقة ستلغی کافة القوانین و المقررات السیاسیة المعروفة لیأتی نظام مستبد علی أساس نزعات الهیمنة و یحل محل هذه القواعد و المقررات فی دولة أو عدة دول.
تحاول أمریکا فی مؤتمر جنیف2 بالظهور فی مظهر نائب مجلس الأمن للأمم المتحدة، لذلک قامت أمریکا بدعوة کافة الأعضاء الدائمین و المؤقتین لمجلس الأمن إلی هذا المؤتمر، إضافة لذلک قامت بدعوة أکثر من ستین دولة إلی هذا المؤتمر و کلها توافق علی برنامج أمریکا فی نقل السلطة فی سوریة لیتم من خلال عملیة خاطفة لأمریکا تحقیق « الحکومة الإنتقالیة بصلاحیات کاملة» فی جنیف2.
بعبارة أخری ترید أمریکا فی جنیف أن تقوم بما عجزت عنه بسبب ارتطامها بالفیتو الروسی و الصینی، و أن تحقق ما ترمی إلیه ضمن إطار قانونی وضعته بنفسها، و هذا فی الحقیقة انقلاب قانونی إذا تحقق فمن الممکن أن یتحول إلی معیار قانونی جدید سیعرض استقلال و أمن و وحدة أرض و استقرار کافة الدول و الشعوب إلی خطر حقیقی.
لکن فی الحقیقة فإن جنیف2 یواجه تناقضات جدیة لهذا السبب فإن إمکانیة نجاحه محاطة بالغموض. أول تناقض هو أن الدول المشارکة فی مؤتمر جنیف2 بشکل کلی تقسم إلی مجموعتین؛ الدول التی لها حقیقة دور فی الأحداث السوریة- دور أعم من کونه مدمر أو بنّاء- و دول أخری لا دور لها فیما یحصل فی سوریة و لا إمکانیة أصلاً لأن تکون مؤثرة. یمکننا القول أن حوالی 20 بالمائة من الأربعین الدولة المشارکة فی المؤتمر هی من المجموعة الأولی، و 80 بالمائة فی المجموعة الثانیة. دول المجموعة الأولی هی فی الغالب تتشکل من دول کان لها خلال ثلاث سنوات ماضیة دوراً هدّاماً، کما کانت تساند جبهة الإرهاب ضد الحکومة السوریة فکیف یمکن لهذه الدول أن تلعب دور حکم و قاضی فی الصراع السوری الحالی؟ کیف یمکن لهم أن یتوقعوا أن ینظر إلیهم الشعب السوری المظلوم و حکومة هذا البلد علی أنهم جزء من الحل؟
المجموعة الثانیة هی الدول التی لیس لها أی تأثیر فی سوریة و لیس أی منها من دول المنطقة و یشارکون فی جنیف2 فقط بعنوان جزء من العقبة الغیر السیاسیة لجبهة فی جنیف2، مع هذا الوصف فإن رأیهم و نظرهم فاقد لأی اعتبار و تأثیر واقعی. إذاً یتضح بشکل کامل أن ترکیبة جنیف2 تعتبر ترکیبة قانونیة لا تتطابق مع الأعراف المعترف بها دولیاً.
التناقض الثانی هو أنه من بین معارضی الحکومة السوریة الحالیة تغیب مجموعتان لهما تأثیر أکثر فی التغییرات السیاسیة و الأمنیة فی سوریة، بینما المعارضون المشارکون یمثلون فقط الجیش الحر و المجلس الإنتقالی حیث یتمتعان بتأثیر محدود علی الأرض فی سوریة. إن حرکة «التنسیق» السوریة المؤلفة من 6 مجموعات تقلیدیة معارضة لم یتم دعوتها لمؤتمر جنیف بسبب معارضتها للإطاحة ببشار الأسد عن طریق القیام بالأعمال المسلحة و الإرهابیة، کما أن المجموعتین الإرهابیتین «داعش» و «النصرة» لم یأتیا إلی مؤتمر جنیف، ففی حال لم ترغب المجموعات الإرهابیة المسلحة و الدول الداعمة لها بالإلتزام بمؤتمر «جنیف2» فإن اتفاق جنیف2 لن یکون له أیة قیمة أو اعتبار.
التناقض الآخر الموجود فی جنیف2 هو عدم حضور بعض الدول و الحکومات و المجموعات التی باعتراف الغرب لها تأثیر کبیر جداً فی الأحداث. یقول الأمریکیون و السعودیون أن من الأسباب الأساسیة التی تقف وراء عدم سقوط بشار الأسد و سوریة هی إیران و حزب الله. إذا کانت هذه المزاعم صحیحة فإن هذا معناه أن مصیر الأسد و سوریة فی النهایة لن یحدد فی جنیف، بل إن من سیحدد هذا المصیر هو جبهة المقاومة.
بالإضافة إلی دعم إیران و حزب الله فإن هناک سبباً رئیسیاً آخر وراء فشل جبهة الإرهاب الأمریکیة- السعودیة و هو الشعب السوری و النظام القوی هناک و الذین استطاعوا خلال ثلاث سنوات الصمود أمام الضغوط الغربیة و العربیة و الإسرائیلیة و الإرهابیة المرکزة و المتکررة، کما استطاعو المحافظة علی بلدهم و حکومتهم.
فی الوقت نفسه لا یشک أحد بأن إیران و حزب الله أیضاً قد استخدموا إمکاناتهم للمحافظة علی حلیفهم الإستراتیجی أی سوریة و أن لهم نصیب من القوة التی أفشلت الإرهاب هناک. علی أی حال کیف یمکن لمؤتمر سیاسی کهذا أن ینعقد و لا تدعی إلیه القوی التی یعتبر لها الدور الأساسی فی بقاء الحکومة السوریة، و کیف یمکن له أن یضع حداً للأزمة السوریة فی ظل غیابهم.
تناقض آخر موجود و هو أن المعارضة المسلحة لبشار الأسد المؤلفة من قوات إرهابیة سوریة و غیر سوریة لا تمتلک أی موقع استراتیجی علی الأرض، فمعظم الحدود السوریة بید الجیش و الحکومة. العاصمة تقع بالکامل تحت سیطرة الحکومة السوریة. المدن احساسة و الرئیسیة أغلبها تحت سیطرة الحکومة و فی أی مکان یتواجد المعارضین علی شکل «بقعة» تقوم قوات الدفاع الوطنی و الجیش بمحاصرتهم و تقطع التواصل و الإرتباط فیما بینهم. فی الیومین الماضیین قام الجیش خلال عملیات له بتطهیر أقسام أخری من حلب، کما أنه علی المستوی الدولی تناقصت الآمال من إمکانیة تغییر النظام السیاسی فی سوریة عن طریق العملیات العسکریة أو السیاسیة بشکل جدی، إن الدول الجارة التی کانت فی یوم من الأیام أهم مراکز للدعم اللوجیستی و التسلیحاتی للإرهابیین قد فقدت الأمل بنجاح العملیات العسکریة. فی بحر الأسبوع الماضی أعلن الرئیس الترکی عبدالله غول أنه حان الوقت لتغییر السیاسة الترکی حول سوریة- أی وضع البرنامج العسکری للإطاحة ببشار الأسد جانباً-.
فی الداخل السوری أیضاً تم إضعاف المجموعات الإرهابیة خلال العام الأخیر بشکل جدی، فی هذه الحالة بأی قوة ترید أمریکا تنفیذ برنامجها السیاسی القائم علی تغییر سوریة؟
من هذه الزاویة فإن مؤتمر جنیف2 الملیء بالتناقضات لا یمکن له أن ینجح إلا أنه من الممکن أن یکون خطیراً من جانبین: الجانب الأول هو أن جنیف2 یمکن أن یکون أساساً لعرف خطیر فی العلاقات الدولیة و أن یحد من دائرة استقلال الدول، الجانب الثانی هو أن جنیف2 من الممکن أن یکون بمثابة خطوات نحو النجاح، بمعنی أن الأمریکیین لا یقومون بجنیف2 بعنوان عمل حاسم و «حلّالاً» بل تنظر إلیه باعتباره مرحلة من الطریق الذی یؤدی إلی تنصیب حکومة إرهابیة. فی هذه الحالة فإن مؤتمر جنیف2 هو فی الواقع خطوة سیاسیة من أجل الإبقاء علی الأزمة السوریة و استمرار المعارک. کما أن العدید من المحللین یعتبرون أن عدم حضور داعش و النصرة فی جنیف2 لیس واقعیاً لأن الدول الداعمة مالیاً و استخباراتیاً و تسلیحاً لهاتین المجموعتین الإرهابیتین-یعنی أمریکا و السعودیة و قطر موجودة فی جنیف2 حیث تملأ مکانهما الفارغ.
المصدر : قدس اون لاین
لقد أقیم مؤتمر جنیف عام 2012 و بحضور حوالی 80 دولة و منظمة دولیة؛ حیث تم الإتفاق فی ذلک المؤتمر علی تشکیل «حکومة انتقالیة ذات صلاحیة کاملة»، لکن بمرور الوقت قام الأمریکیون بتفسیر المادة الأساسیة للإتفاق حیث أکدوا أن هذه المادة تمنع استمرار تدخل بشار الأسد و دوره المؤثر فی مستقبل سوریة، و فی النهایة تشکیل الحکومة الإنتقالیة. هذا فی الوقت الذی یعتقد فیه الروس و العدید من الدول الأخری أن الحکومة السوریة الحالیة هی حکومة قانونیة، حیث یجب أن تقام الإنتخابات بناءاً علی إمکانیة حضور مرشحی الطرفین. إن هذا الفرق العمیق فی الوقت الحالی من أهم العقبات التی تحول دون نجاح مؤتمر جنیف2.
لقد أقام الأمریکیون مؤتمر جنیف1 تحت مظلة الأمم المتحدة و بحضور ثمانین دولة و منظمة دولیة، کما أن عدد الوفود المشارکة قد وصل إلی 40 دولة و منظمة، من جهة أخری فإن بین الدول المشارکة کان یوجد عدة دول داعمة للأعمال الإرهابیة التی تحصل فی سوریة من بینها أمریکا، إنکلترا، فرنسه، السعودیة، قطر، ترکیه و الإمارات، و هذا الأمر قد طرح العدید من التساؤلات حول النوایا السلمیة لدی القائمین علی المؤتمر.
عندما تعلن الدول بشکل علنی دعمها لإرسال الأسلحة الخفیفة و المتوسطة للمجموعات الإرهابیة و تتولی بنفسها مهمة إیصاله لهم فکیف یمکن اعتبارهم جزءاً من «الحل السلمی »! فی هذا الوقت حیث یعقد مؤتمر جنیف2 نری أن المملکة العربیة السعودیة تقوم بشکل واضح جداً بإرسال السلاح و إرسال الإرهابیین إلی العراق و منها إلی سوریة، کما أن معاون وزیر الدفاع السعودی و أمام کامیرات التلفزیون یعلن أنه فی حال قام الجیش العراقی بعملیات عسکریة ضد مجموعة داعش الإرهابیة فی محافظة الأنبار العراقیة، فإن بلاده ستتدخل بشکل مباشر لحمایة و دعم داعش! فی هذا الوقت نری أن هکذا دولة تزعم أنه لماذا یقوم الجیش السوری بملاحقة الإرهابیین المسلحین علی الأراضی السوریة و لهذا السبب یجب أن یسقط و أن یشکل الإرهابیون حکومة انتقالیة و أن یبنوا سوریة بناءاً علی إزاحة بشار الأسد و الحکومة السوریة الحالیة!
من هذه الزاویة فإن مؤتمر جنیف2 یعتبر برنامجاً خطیراً لأن هکذا عملیة من الممکن أن تتکرر فی أی مکان آخر، من الممکن أن یتم تجهیز المجموعات المسلحة و دعمها ثم تهب الدولة لمواجهتهم، بعدها یتم تشکیل مؤتمر دولی یقوم باسم المجتمع الدولی بعزل تلک الحکومة و لو کانت مثل بشار الأسد منتخبة من الشعب و یقوم بتنصیب وکلاء الإرهابیین بدلاً عنها. هذه الطریقة ستلغی کافة القوانین و المقررات السیاسیة المعروفة لیأتی نظام مستبد علی أساس نزعات الهیمنة و یحل محل هذه القواعد و المقررات فی دولة أو عدة دول.
تحاول أمریکا فی مؤتمر جنیف2 بالظهور فی مظهر نائب مجلس الأمن للأمم المتحدة، لذلک قامت أمریکا بدعوة کافة الأعضاء الدائمین و المؤقتین لمجلس الأمن إلی هذا المؤتمر، إضافة لذلک قامت بدعوة أکثر من ستین دولة إلی هذا المؤتمر و کلها توافق علی برنامج أمریکا فی نقل السلطة فی سوریة لیتم من خلال عملیة خاطفة لأمریکا تحقیق « الحکومة الإنتقالیة بصلاحیات کاملة» فی جنیف2.
بعبارة أخری ترید أمریکا فی جنیف أن تقوم بما عجزت عنه بسبب ارتطامها بالفیتو الروسی و الصینی، و أن تحقق ما ترمی إلیه ضمن إطار قانونی وضعته بنفسها، و هذا فی الحقیقة انقلاب قانونی إذا تحقق فمن الممکن أن یتحول إلی معیار قانونی جدید سیعرض استقلال و أمن و وحدة أرض و استقرار کافة الدول و الشعوب إلی خطر حقیقی.
لکن فی الحقیقة فإن جنیف2 یواجه تناقضات جدیة لهذا السبب فإن إمکانیة نجاحه محاطة بالغموض. أول تناقض هو أن الدول المشارکة فی مؤتمر جنیف2 بشکل کلی تقسم إلی مجموعتین؛ الدول التی لها حقیقة دور فی الأحداث السوریة- دور أعم من کونه مدمر أو بنّاء- و دول أخری لا دور لها فیما یحصل فی سوریة و لا إمکانیة أصلاً لأن تکون مؤثرة. یمکننا القول أن حوالی 20 بالمائة من الأربعین الدولة المشارکة فی المؤتمر هی من المجموعة الأولی، و 80 بالمائة فی المجموعة الثانیة. دول المجموعة الأولی هی فی الغالب تتشکل من دول کان لها خلال ثلاث سنوات ماضیة دوراً هدّاماً، کما کانت تساند جبهة الإرهاب ضد الحکومة السوریة فکیف یمکن لهذه الدول أن تلعب دور حکم و قاضی فی الصراع السوری الحالی؟ کیف یمکن لهم أن یتوقعوا أن ینظر إلیهم الشعب السوری المظلوم و حکومة هذا البلد علی أنهم جزء من الحل؟
المجموعة الثانیة هی الدول التی لیس لها أی تأثیر فی سوریة و لیس أی منها من دول المنطقة و یشارکون فی جنیف2 فقط بعنوان جزء من العقبة الغیر السیاسیة لجبهة فی جنیف2، مع هذا الوصف فإن رأیهم و نظرهم فاقد لأی اعتبار و تأثیر واقعی. إذاً یتضح بشکل کامل أن ترکیبة جنیف2 تعتبر ترکیبة قانونیة لا تتطابق مع الأعراف المعترف بها دولیاً.
التناقض الثانی هو أنه من بین معارضی الحکومة السوریة الحالیة تغیب مجموعتان لهما تأثیر أکثر فی التغییرات السیاسیة و الأمنیة فی سوریة، بینما المعارضون المشارکون یمثلون فقط الجیش الحر و المجلس الإنتقالی حیث یتمتعان بتأثیر محدود علی الأرض فی سوریة. إن حرکة «التنسیق» السوریة المؤلفة من 6 مجموعات تقلیدیة معارضة لم یتم دعوتها لمؤتمر جنیف بسبب معارضتها للإطاحة ببشار الأسد عن طریق القیام بالأعمال المسلحة و الإرهابیة، کما أن المجموعتین الإرهابیتین «داعش» و «النصرة» لم یأتیا إلی مؤتمر جنیف، ففی حال لم ترغب المجموعات الإرهابیة المسلحة و الدول الداعمة لها بالإلتزام بمؤتمر «جنیف2» فإن اتفاق جنیف2 لن یکون له أیة قیمة أو اعتبار.
التناقض الآخر الموجود فی جنیف2 هو عدم حضور بعض الدول و الحکومات و المجموعات التی باعتراف الغرب لها تأثیر کبیر جداً فی الأحداث. یقول الأمریکیون و السعودیون أن من الأسباب الأساسیة التی تقف وراء عدم سقوط بشار الأسد و سوریة هی إیران و حزب الله. إذا کانت هذه المزاعم صحیحة فإن هذا معناه أن مصیر الأسد و سوریة فی النهایة لن یحدد فی جنیف، بل إن من سیحدد هذا المصیر هو جبهة المقاومة.
بالإضافة إلی دعم إیران و حزب الله فإن هناک سبباً رئیسیاً آخر وراء فشل جبهة الإرهاب الأمریکیة- السعودیة و هو الشعب السوری و النظام القوی هناک و الذین استطاعوا خلال ثلاث سنوات الصمود أمام الضغوط الغربیة و العربیة و الإسرائیلیة و الإرهابیة المرکزة و المتکررة، کما استطاعو المحافظة علی بلدهم و حکومتهم.
فی الوقت نفسه لا یشک أحد بأن إیران و حزب الله أیضاً قد استخدموا إمکاناتهم للمحافظة علی حلیفهم الإستراتیجی أی سوریة و أن لهم نصیب من القوة التی أفشلت الإرهاب هناک. علی أی حال کیف یمکن لمؤتمر سیاسی کهذا أن ینعقد و لا تدعی إلیه القوی التی یعتبر لها الدور الأساسی فی بقاء الحکومة السوریة، و کیف یمکن له أن یضع حداً للأزمة السوریة فی ظل غیابهم.
تناقض آخر موجود و هو أن المعارضة المسلحة لبشار الأسد المؤلفة من قوات إرهابیة سوریة و غیر سوریة لا تمتلک أی موقع استراتیجی علی الأرض، فمعظم الحدود السوریة بید الجیش و الحکومة. العاصمة تقع بالکامل تحت سیطرة الحکومة السوریة. المدن احساسة و الرئیسیة أغلبها تحت سیطرة الحکومة و فی أی مکان یتواجد المعارضین علی شکل «بقعة» تقوم قوات الدفاع الوطنی و الجیش بمحاصرتهم و تقطع التواصل و الإرتباط فیما بینهم. فی الیومین الماضیین قام الجیش خلال عملیات له بتطهیر أقسام أخری من حلب، کما أنه علی المستوی الدولی تناقصت الآمال من إمکانیة تغییر النظام السیاسی فی سوریة عن طریق العملیات العسکریة أو السیاسیة بشکل جدی، إن الدول الجارة التی کانت فی یوم من الأیام أهم مراکز للدعم اللوجیستی و التسلیحاتی للإرهابیین قد فقدت الأمل بنجاح العملیات العسکریة. فی بحر الأسبوع الماضی أعلن الرئیس الترکی عبدالله غول أنه حان الوقت لتغییر السیاسة الترکی حول سوریة- أی وضع البرنامج العسکری للإطاحة ببشار الأسد جانباً-.
فی الداخل السوری أیضاً تم إضعاف المجموعات الإرهابیة خلال العام الأخیر بشکل جدی، فی هذه الحالة بأی قوة ترید أمریکا تنفیذ برنامجها السیاسی القائم علی تغییر سوریة؟
من هذه الزاویة فإن مؤتمر جنیف2 الملیء بالتناقضات لا یمکن له أن ینجح إلا أنه من الممکن أن یکون خطیراً من جانبین: الجانب الأول هو أن جنیف2 یمکن أن یکون أساساً لعرف خطیر فی العلاقات الدولیة و أن یحد من دائرة استقلال الدول، الجانب الثانی هو أن جنیف2 من الممکن أن یکون بمثابة خطوات نحو النجاح، بمعنی أن الأمریکیین لا یقومون بجنیف2 بعنوان عمل حاسم و «حلّالاً» بل تنظر إلیه باعتباره مرحلة من الطریق الذی یؤدی إلی تنصیب حکومة إرهابیة. فی هذه الحالة فإن مؤتمر جنیف2 هو فی الواقع خطوة سیاسیة من أجل الإبقاء علی الأزمة السوریة و استمرار المعارک. کما أن العدید من المحللین یعتبرون أن عدم حضور داعش و النصرة فی جنیف2 لیس واقعیاً لأن الدول الداعمة مالیاً و استخباراتیاً و تسلیحاً لهاتین المجموعتین الإرهابیتین-یعنی أمریکا و السعودیة و قطر موجودة فی جنیف2 حیث تملأ مکانهما الفارغ.
المصدر : قدس اون لاین