الوقت- في موقف سياسي واضح وحازم، جدّدت مصر رفضها المطلق لأي محاولات تستهدف تغيير البنية الديمغرافية أو الجغرافية للأراضي الفلسطينية، مؤكدة أن مثل هذه السياسات تُعد انتهاكًا صارخًا للقانون الدولي وتهديدًا مباشرًا لأمن واستقرار المنطقة، جاء ذلك على لسان وزير الخارجية المصري بدر عبدالعاطي، الذي شدّد على أن القاهرة لن تقبل بفرض حلول أحادية الجانب أو مشاريع تهجير قسري بحق الشعب الفلسطيني، مهما كانت الذرائع أو الضغوط.
موقف مصري ثابت تجاه القضية الفلسطينية
أوضح عبدالعاطي، في تصريحات رسمية، أن الموقف المصري من القضية الفلسطينية يستند إلى ثوابت تاريخية وقانونية راسخة، في مقدمتها دعم حقوق الشعب الفلسطيني غير القابلة للتصرف، وعلى رأسها حقه في البقاء على أرضه وحقه في إقامة دولته المستقلة، وأكد أن أي محاولات لتغيير الواقع السكاني أو الجغرافي في فلسطين، سواء عبر التهجير القسري أو إعادة رسم الحدود بالقوة، تُعد مرفوضة جملة وتفصيلًا.
وأشار وزير الخارجية إلى أن هذه المحاولات لا تستهدف الفلسطينيين وحدهم، بل تهدد منظومة الأمن الإقليمي برمتها، لما تحمله من تداعيات إنسانية وسياسية خطيرة قد تمتد آثارها إلى دول الجوار، وفي مقدمتها مصر.
إعادة إعمار غزة أولوية إنسانية وسياسية
في السياق ذاته، شدّد عبدالعاطي على ضرورة البدء الفوري بجهود إعادة إعمار قطاع غزة، وتكثيف الدعم الإنساني العاجل للفلسطينيين الذين يواجهون أوضاعًا معيشية كارثية نتيجة العدوان المستمر، وأكد أن مصر، بحكم موقعها ودورها التاريخي، لن تدخر جهدًا في تسهيل وصول المساعدات الإنسانية والطبية، والعمل مع الشركاء الدوليين لضمان تخفيف معاناة المدنيين.
ولفت إلى أن الأوضاع الإنسانية في غزة بلغت مستويات غير مسبوقة من التدهور، في ظل الدمار الواسع للبنية التحتية، ونقص الغذاء والدواء، واستهداف المنشآت المدنية، وهو ما يستوجب تحركًا دوليًا عاجلًا يتجاوز بيانات الإدانة إلى خطوات عملية على الأرض.
رفض قاطع لمخططات التهجير
وأكد عبدالعاطي أن القاهرة ترفض بشكل قاطع كل ما يُتداول حول مخططات تهجير الفلسطينيين من أراضيهم، سواء بشكل مباشر أو غير مباشر، مشيرًا إلى أن هذه الطروحات تتنافى مع أبسط مبادئ العدالة والإنسانية، وأضاف إن محاولات دفع الفلسطينيين قسرًا خارج أراضيهم، تحت وطأة القصف أو الحصار، تمثل جريمة وفقًا للقانون الدولي الإنساني.
وتابع أن ما يقوم به الكيان الاسرائيلي من سياسات تهدف إلى فرض واقع جديد بالقوة، عبر التدمير الممنهج وخلق ظروف معيشية مستحيلة، يُعد شكلاً من أشكال التهجير القسري غير المعلن، محذرًا من أن استمرار هذه السياسات سيقود إلى انفجار الأوضاع بشكل أوسع.
وجاءت هذه التصريحات خلال مشاركة وزير الخارجية المصري في أعمال منتدى الشراكة الروسية الأفريقية الذي عُقد في القاهرة، حيث استعرض عبدالعاطي الدور الذي تضطلع به مصر في معالجة أزمات الشرق الأوسط والقارة الأفريقية، انطلاقًا من مسؤوليتها التاريخية ومكانتها الإقليمية.
وأكد أن مصر لعبت، ولا تزال، دورًا محوريًا في جهود الوساطة لوقف إطلاق النار في غزة، وفي تقريب وجهات النظر بين الأطراف المختلفة، رغم التعقيدات السياسية والتحديات الميدانية.
تزامن مع مفاوضات حساسة
وتأتي هذه المواقف المصرية في وقت تتواصل فيه مفاوضات غير مباشرة بوساطة إقليمية ودولية، في محاولة لتثبيت التهدئة ووقف العدوان، وفي المقابل، تؤكد فصائل المقاومة الفلسطينية تمسكها بضرورة وقف شامل للاعتداءات التي ينفذها الكيان الاسرائيلي، والانتقال إلى مرحلة جديدة تضمن حماية المدنيين ورفع الحصار.
ورغم الإعلان عن اتفاق لوقف إطلاق النار في فترات سابقة، إلا أن الانتهاكات المتكررة أدت إلى سقوط مئات الشهداء والجرحى من الفلسطينيين، ما يعكس هشاشة أي تهدئة لا تستند إلى ضمانات حقيقية وآليات رقابة فاعلة.
دعم حل الدولتين
وفي ختام تصريحاته، أعاد وزير الخارجية المصري التأكيد على دعم بلاده الكامل لحل الدولتين، باعتباره المسار الوحيد القادر على تحقيق سلام عادل ودائم في المنطقة، وأوضح أن هذا الحل يقوم على إقامة دولة فلسطينية مستقلة ذات سيادة على حدود عام 1967، وعاصمتها القدس الشرقية.
وشدد على أن تجاهل هذا المسار، والاستمرار في سياسات فرض الأمر الواقع، لن يؤدي إلا إلى مزيد من العنف وعدم الاستقرار، داعيًا المجتمع الدولي إلى تحمل مسؤولياته القانونية والأخلاقية تجاه ما يجري في فلسطين.
رسالة مصر إلى المجتمع الدولي
تحمل الرسالة المصرية تأكيدًا واضحًا على أن القضية الفلسطينية ستظل في صدارة أولويات السياسة الخارجية المصرية، وأن القاهرة لن تسمح بتمرير مخططات تستهدف تصفية هذه القضية أو فرض حلول تنتقص من حقوق الشعب الفلسطيني، كما دعت مصر إلى تحرك دولي جاد لوقف الانتهاكات، ومحاسبة المسؤولين عنها، وضمان وصول المساعدات الإنسانية دون عوائق.
وفي ظل استمرار العدوان، تبقى المواقف المصرية عامل توازن مهم في المشهد الإقليمي، ورسالة دعم سياسية وإنسانية للفلسطينيين، في مواجهة محاولات التهجير والتغيير القسري التي ينتهجها الكيان الاسرائيلي، وسط صمت دولي يثير الكثير من علامات الاستفهام.
