الوقت- في ظل الارتباك المتصاعد داخل المؤسسة العسكرية الإسرائيلية، تتوالى مؤشرات مقلقة على أزمة تتعمّق بصمت، فيما تحذّر جهات أمنية من انعكاسات قد تطال الأساس الذي تستند إليه تل أبيب في قوتها الميدانية.
وأفادت وسائل إعلام عبرية بأنّ الجيش الصهيوني يواجه في الأشهر الأخيرة أزمة غير مسبوقة في قوّته البشرية المقاتلة، وذلك رغم الإجراءات المتتابعة التي تتخذها قيادته لسدّ النقص عبر إعادة توزيع القوات، ورفع نسب الاستدعاء، والبحث في تمديد مدة الخدمة الإلزامية.
ووفق ما نقلته قناة "كان" العبرية التابعة لهيئة البث الرسمية، فقد صرح مسؤول أمني – لم يُكشف عن هويته – بأن الجيش الإسرائيلي "بحاجة إلى آلاف المقاتلين الإضافيين"، محذرا من أن الوضع المتفاقم "يثقل كاهل الجنود الذين يخدمون أصلا على الجبهات".
ويأتي هذا النقص الحاد في القوى القتالية على خلفية حرب الإبادة التي يشنها كيان الإحتلال على قطاع غزة منذ أكتوبر 2023، والتي أدت – بحسب المعطيات الفلسطينية – إلى استشهاد أكثر من 70 ألف فلسطيني وإصابة ما يزيد على 171 ألفا، معظمهم من الأطفال والنساء، في ما يُوصف بأنه عدوان مستمر.
وعلى الرغم من دخول اتفاق لوقف إطلاق النار حيز التنفيذ في 10 أكتوبر الماضي، فإن الجيش الإسرائيلي يواصل إنتهاكاته يوميا، ما أسفر عن المزيد من الشهداء والجرحى الفلسطينيين.
وفي إطار المساعي الحكومية لمعالجة النقص المتسع في القوى البشرية، صادقت الحكومة الإسرائيلية، ضمن تفاهمات الموازنة، على خطوة تهدف إلى إعادة مدة الخدمة الإلزامية من 32 إلى 36 شهرا، لتعود إلى ما كانت عليه قبل عام 2015.
إلا أن تفعيل القرار يحتاج إلى إقرار تشريعي من الكنيست بالقراءات الثلاث.
غير أن هذا التوجه يأتي بالتوازي مع استمرار الحكومة في الدفع بمشروع قانون يمنح إعفاء لطلاب المعاهد الدينية اليهودية (الحريديم) من الخدمة العسكرية، وهو ما أثار معارضة داخل المؤسسة الأمنية نفسها.
ونقلت القناة عن مسؤول كبير قوله إن تمديد مدة الخدمة "لن يعالج المشكلة الحقيقية"، مضيفا "نواصل تحميل العبء على من يخدمون فعلياً، بدلا من توسيع دائرة التجنيد"، في إشارة إلى استمرار إعفاء المتطرفين (الحريديم).
وكان الجيش الإسرائيلي قد أعلن منذ أشهر استعداده لاحتمال العودة إلى خدمة مدتها 36 شهرا، إلا أن الخلافات المحتدمة حول قانون التجنيد حالت دون المضي بالمقترح.
واستأنفت لجنة الخارجية والأمن في الكنيست الأسبوع الماضي مناقشة مشروع القانون الجديد، وسط انقسامات داخل الائتلاف الحاكم نفسه ومع إعلان عدد من الوزراء نيتهم التصويت ضده.
من جهته، يسعى رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو إلى تمرير قانون يحظى بدعم أحزاب التيار الديني المتطرف "الحريديم"، مثل حزبي شاس ويهدوت هتوراه، في محاولة لتأمين عودتهم إلى الائتلاف بعد انسحابهم منه في يوليو/تموز الماضي.
لكن قوى المعارضة تصف المشروع بأنه "قانون تهرّب" كونه يمنح إعفاءات شبه كاملة للمتدينين من الخدمة الإلزامية، رغم اشتداد الحاجة للجنود.
وتُعد الخدمة العسكرية في الكيان الإسرائيلي إلزامية لكل من يبلغ 18 عاما، غير أن "الحريديم" يرفضون الالتحاق بالجيش بزعم تخصيص حياتهم للدراسة الدينية، ويحتجون على العقوبات التي تُفرض على المتهربين، ومنها حظر السفر.
وقبل أسبوعين، قضت المحكمة العليا الإسرائيلية بإلزام الحكومة بوضع "سياسة إنفاذ فعّالة" خلال 45 يوماً تجاه تهرّب طلبة المعاهد الدينية من التجنيد، تشمل إجراءات جنائية واسعة في المجالين الاقتصادي والمدني.
وقد أثار قرار المحكمة العليا في 25 يونيو 2024، الذي نصّ على إلزام "الحريديم" بالخدمة العسكرية ومنع تقديم المساعدات المالية لمؤسساتهم الدينية في حال رفض طلابها التجنيد، موجة احتجاجات واسعة بين صفوفهم.
ويشكل "الحريديم" نحو 13 بالمئة من سكان الكيان البالغ عددهم نحو 10 ملايين نسمة، ويعتبرون أن الاندماج في المجتمع العلماني يشكل تهديدا لهويتهم الدينية واستمرار مجتمعهم.
وعلى مدى عقود، تمكن المنتمون لهذا التيار من تفادي الخدمة العسكرية عبر الحصول على تأجيلات متكررة بدعوى الدراسة الدينية حتى بلوغهم سن الإعفاء البالغ حاليا 26 عاما.
وتشير التقديرات في المؤسسة الأمنية إلى أن استمرار إعفاء الحريديم من الخدمة، بالتزامن مع توسيع الحاجة للقوات المقاتلة نتيجة الحرب المستمرة، سيُبقي أزمة القوى البشرية مفتوحة، حتى مع اتخاذ قرار بتمديد الخدمة الإلزامية.
