الوقت – شكّل سقوط مدينة الفاشر الاستراتيجية في شمال دارفور في الأيام المنصرمة تحولاً جذرياً في ميزان القوى السوداني، وانقلاباً في معادلة الصراع لصالح قوات الدعم السريع، هذا الحدث، الذي اقترن بسفك دماء الأبرياء على نطاق واسع، لم يقوّض آخر معاقل الجيش في الغرب السوداني فحسب، بل مهّد الطريق للزحف نحو قلب البلاد، ولإماطة اللثام عن أبعاد هذا المنعطف المصيري وانعكاساته على مستقبل السودان، أجری “الوقت” لقاءً مع السيد حميد عليزاده، الخبير في الشأن الأفريقي.
الوقت: كيف آلت الفاشر إلى قبضة قوات الدعم السريع؟
عليزاده: في مستهل الحديث، يجدر بي أن أستعرض مسار الأحداث الدامية في السودان؛ فقد اندلعت شرارة المواجهات بين الجيش وقوات الدعم السريع قبل أن تشتعل غزة بنيرانها، تحديداً في الخامس عشر من أبريل عام 2023، ولم تخب جذوتها حتى يومنا هذا. وعلى الرغم من انتصارات قوات الدعم السريع في مستهل الحرب وبسط نفوذها على العاصمة والعديد من حواضر السودان الكبرى، فقد نجحت القوات النظامية في استرداد زمام المبادرة واستعادة العاصمة في السابع والعشرين من مارس 2024، ثم شنت هجوماً كاسحاً امتد من أكتوبر 2024 حتى نوفمبر 2025، فاستعادت مدن الجزيرة وأم درمان وسنار والفاشر وغيرها تباعاً، وأجبرت قوات الدعم السريع على التقهقر.
في غضون ذلك، طُوقت قوات الجيش في عدة مدن، منها كادوقلي ودلنج (في ولاية جنوب كردفان)، والأبيض (عاصمة ولاية شمال كردفان)، والفاشر (شمال دارفور) من قبل قوات المتمردين بقيادة الجنرال حميدتي، إلى أن سقطت الفاشر بعد حصار ضرب عليها طوق الحديد والنار ثمانية عشر شهراً، فاقتحمتها قوات الدعم السريع في السادس والعشرين من أكتوبر 2025؛ وبذلك أُسدل الستار على آخر فصول معركة السيطرة على دارفور. وقد اقترفت هذه القوات مجزرةً مروعةً ذهب ضحيتها ألفا مدني من الأبرياء العزل في مدينة الفاشر، وقد بلغت تطورات الأزمة السودانية الآن مرحلةً تستدعي رصد التحولات في هذا البلد الأفريقي الجريح بدقائقها وساعاتها.
ارتكزت قوات الدعم السريع في سعيها لتحقيق مآربها على سند من لاعبين خارجيين، وفي المقابل، راهنت الدول المتدخلة في الشأن السوداني، بأجنداتها السياسية والعسكرية، على إسقاط الفاشر، وتكبدت نفقات باهظة معتمدةً على المرتزقة والأسلحة والطائرات المسيّرة لبلوغ هذه الغاية.
علاوةً على ذلك، ظلت القوات الشعبية والجيش السوداني رهن الحصار لأكثر من خمسمائة يوم (ثمانية عشر شهراً)، محرومين من الغذاء والدواء، ما أضعف قدرتهم على الصمود في وجه هجمات قوات الدعم السريع الشرسة، وخلال هذه المحنة، تمكنت القوات المشتركة للجيش وحلفائه من صدّ ما يربو على مئتين وسبعة وستين هجوماً شنته قوات الدعم السريع على المدينة.
أمّنت قوات حميدتي المتمردة شريان إمدادها ودعمها اللوجستي عبر مثلث ليبيا وجنوب السودان وتشاد، لتزويدها بأسلحة متطورة كالطائرات المسيّرة، في المقابل، عجز الجيش السوداني عن مدّ يد العون البري لقواته المطوقة من قبل قوات الدعم السريع، واقتصر إسناده على الإمدادات الجوية، التي غدت هي الأخرى عسيرة المنال مؤخراً بسبب امتلاك المتمردين أسلحةً مضادةً للطائرات فائقة الحداثة.
الوقت: ما الذي يدفع قوات الدعم السريع للتشبث بالسيطرة على الفاشر؟ ولماذا يصر المتمردون وحلفاؤهم على امتلاك زمامها؟
عليزاده: منذ اشتعال أوار المعركة بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع، شهدت الفاشر هجمات عاتية أسفرت عن خرابٍ عميم ونزوحٍ جماعي لأهلها، ويمكن تقسيم دواعي أهمية السيطرة على هذه المدينة لطرفي النزاع إلى أربعة محاور رئيسية:
من الناحية التاريخية، كانت الفاشر حتى القرن التاسع عشر درة تاج سلطنة دارفور، وبعد انضوائها تحت لواء السودان عام 1916، تحولت إلى مركز إداري وعسكري ذي شأن، يُستخدم مطارها الدولي كشريان حيوي للإمدادات الجوية والعمليات الإنسانية، وقد أضحت منذ عام 2003 بؤرةً للصراعات المتلاحقة، وباتت تحظى بأهمية عسكرية بالغة في خضم النزاع السوداني الراهن.
كانت الفاشر آخر معاقل الجيش في دارفور، حيث كان اللواء السادس مشاة يتخذها مقراً، إلى أن تمكنت قوات الدعم السريع، بعد حصارٍ أطبق على المدينة عاماً ونصف العام، من اقتحام أسوارها والسيطرة على الفاشر، عاصمة شمال دارفور في غرب السودان، وقد ترددت أنباء عن مصرع قائد اللواء السادس وثلة من رفاقه، يعني سقوط هذه المدينة أن قوات الدعم السريع باتت تبسط نفوذها على أرجاء دارفور قاطبةً، ما يفتح أمام قواتها طريقاً ممهداً للزحف نحو كردفان.
تقع مدينة الفاشر على بعد نحو ثمانمائة كيلومتر غرب الخرطوم، وبحكم موقعها الجغرافي الفريد، تشكّل صلة الوصل بين السودان وليبيا وتشاد وجمهورية أفريقيا الوسطى، ويمكن القول بلا مبالغة إنها تمثّل مركز الثقل السياسي والعسكري والاقتصادي في الغرب السوداني، تمتد الفاشر على مساحة تناهز 802 كيلومتراً مربعاً، وتحتضن بين جنباتها ربع سكان منطقة دارفور البالغ تعدادهم نحو ستة ملايين نسمة (أي قرابة مليون ونصف المليون نسمة).
وفضلاً عن مكانتها التاريخية العريقة وموقعها الجغرافي الاستراتيجي، تُعد الفاشر بمثابة العاصمة الاقتصادية النابضة لدارفور، إذ تحتضن في رحابها أكبر أسواق الماشية والحبوب والذهب في المنطقة، وتشكّل مركزاً محورياً لتجميع الذهب المستخرج من مناجم جبل عامر وسراف عمرا.
وقد أماط حاكم منطقة دارفور، ميني أركو ميناوي، اللثام عن دوافع قوات الدعم السريع لاقتحام مدينة الفاشر، قائلاً إن الباعث الرئيسي لهذه القوات هو دافع قبلي محض، لا غاية سياسية وراءه. وفي هذا السياق، حذّر فيصل محمد صالح، وزير الإعلام السابق، في حديث أدلى به لصحيفة الشرق الأوسط في نوفمبر 2023 من أن اقتراب قوات حميدتي من تخوم ولاية شمال دارفور، قد يفضي إلى استهداف قبيلة “الزغاوة” وإيقاع الأذى بها.
الوقت: بعد أن سقطت الفاشر في قبضة المتمردين، كيف تقرؤون المشهد العسكري والميداني الراهن؟
عليزاده: تمنح سيطرة قوات الدعم السريع على الفاشر لقواتها فرصةً ذهبيةً للتقدم بخطى واثقة نحو أقاليم كردفان، وبناءً على ذلك، ستزداد وعورة الدرب أمام عمليات الجيش في منطقة كردفان، إذ تحكم قوات الدعم السريع قبضتها بإحكام على غرب كردفان، وفي الجنوب الكردفاني، يبسط جيش تحرير شعب السودان، حليف قوات الدعم السريع، سيطرته على رقعة واسعة هناك، ويضرب طوقاً محكماً حول مناطق أخرى.
أما في شمال كردفان، فما إن استتب الأمر لقوات الدعم السريع في الفاشر، حتى وجهت سهام هجماتها صوب الشرق، وتسللت إلى عدة قرى تجاور الأبيض، عاصمة شمال كردفان، يزيد هذا التوغل من إحكام الخناق حول المدينة، ويعقّد أي مسعى للقوات المسلحة السودانية للتقدم نحوها. وإذا ما نجحت قوات الدعم السريع في بسط نفوذها في أرجاء شمال كردفان، فستمتد ظلال التهديد المباشر إلى ولاية النيل الأبيض وأم درمان، وتبذل قوات الدعم السريع قصارى جهدها لقطع شرايين الطرق الرئيسية المفضية إلى الأبيض، سعياً لتشديد الحصار عليها.
وفي أعقاب سقوط الفاشر، استولت قوات الدعم السريع على مدينة بارا الاستراتيجية (شمال كردفان) الواقعة على مسافة أربعين كيلومتراً شمال الأبيض، وامتدت رقعة العمليات لتشمل مناطق “أم دم حاج أحمد” و"الزريبة"، وشرعت هذه القوات في معارك تستهدف تطويق الأبيض من جميع مناطقها، وتسعى للاستيلاء على مدينتي الرهد وأم روابة.
وتمثّل الأبيض قطباً عسكرياً ولوجستياً محورياً للجيش السوداني ومنصة انطلاق لشن هجماته في شمال وغرب كردوفان، وسيفتح سقوط الأبيض، التي تبعد بنحو ستمئة كيلومتر عن الخرطوم، أمام قوات الدعم السريع مساراً مفتوحاً صوب أم درمان، ثاني كبريات مدن العاصمة - وهو هدف طالما أعلنه قادة قوات الدعم السريع مراراً.
وتُعد الأبيض من جواهر المدن السودانية، سواء من الناحية الاقتصادية أو الاستراتيجية، إذ تحتضن المدينة أكبر سوق للمنتجات الزراعية ومركزاً لتبادل الصمغ العربي، وتضطلع بدور مفترق الطرق للتجارة والزراعة، كما يشق خط أنابيب النفط طريقه إلى بورتسودان عبر أراضيها، وقد اتخذتها بعثة الأمم المتحدة قاعدةً لوجستيةً لها، وذاع صيتها باسم “عروس الرمال”.
أوفدت رئاسة أركان الجيش السوداني عدداً من كبار القادة إلى غرفة العمليات المركزية في الأبيض، ما ينبئ بتحول جذري في خريطة الحرب، ولا تزال قبضة الجيش محكمةً على العاصمة، الخرطوم، ومدنها الثلاث، وكذلك على الولايات الشمالية، ونهر النيل، والجزيرة، والنيل الأبيض، وسنار، والنيل الأزرق، وفي غرب كردوفان، يظل اللواء الثاني والعشرون مشاة في بابنوسة تحت لواء الجيش، وقد ظل محاصراً بضراوة لأكثر من عامين، ونزح سكانه بأسرهم.
أصدر الفريق المتقاعد بشير مكي الباهي، قائد اللجنة العليا للاستنفار والمقاومة الشعبية في السودان، بياناً في أعقاب مأساة الفاشر، أعلن فيه النفير العام واستنهاض همم الشعب السوداني وتدشين معسكرات التدريب لتلبية احتياجات القوات المسلحة في معاركها الضارية، كما أعلنت اللجنة مواصلة حشد المقاتلين في شتى جبهات القتال، مستهدفةً في هذه المرحلة الحاسمة أولئك الذين هبوا لتحرير ولايات كردفان ودارفور وتأمين الولاية الشمالية من غوائل العدوان.
الوقت: ما هي في تقديركم انعكاسات سقوط الفاشر على السودان وجيشه، وإلى أي منحى تتجه دفة الأحداث؟
عليزاده: بعد أن سقطت الفاشر في قبضة المتمردين، يمكن القول إن الجيش فقد آخر حصونه المنيعة في الغرب السوداني، وأضحت دارفور إقليماً مستقلاً تحت سطوة قوات الدعم السريع، وقد نشأ الآن توازن قوى ميداني بين فريقي النزاع، وإذا لم تخمد نار الحرب الضروس، فثمة نذر تلوح في الأفق بتوسع رقعة هجمات قوات الدعم السريع خارج حدود دارفور، كما أن بسط المتمردين سيطرتهم على هذه المدينة، قد يعزّز نفوذ ما تسمى الحكومة الموازية التي أنشأتها قوات الدعم السريع مؤخراً واتخذت من هذه المناطق مقراً لها، ما يقوي موقفها في ساحة المفاوضات، ولا مراء في أن هذا المنعطف الخطير يقوّض دعائم السلطة المركزية، ويجعل شبح تفكك البلاد أقرب إلى الواقع المشهود، وإذا ما تحقق هذا السيناريو المشؤوم، سينشطر البلد إلى شقين: غرب تهيمن عليه قوات الدعم السريع، وشرق تتمركز فيه الحكومة ببورتسودان، على غرار النموذج الليبي المنقسم، ما يفتح الباب على مصراعيه لتفكك تدريجي يحاكي انفصال الجنوب السوداني.
وفي أعقاب سقوط الفاشر، سيتعاظم دور تركيا ومصر الداعم في استنهاض قوى الجيش السوداني وتجديد عزيمته، فقد عززت القاهرة وجودها العسكري في الجنوب على امتداد الحدود مع السودان، وضاعفت من إسنادها اللوجستي، وفي المقابل، ما فتئت دولة الإمارات العربية المتحدة، التي تقف وراء قوات الدعم السريع، تكثّف من تدفق الأسلحة العملياتية للمتمردين في دارفور عبر بوابتي ليبيا وتشاد.
وفي خضم الأحداث الدولية المتسارعة (الحرب الروسية الأوكرانية، وأحداث غزة، ولبنان، وسوريا)، غدت أزمة السودان “الحرب المنسية”؛ بيد أنه بعد المجزرة العرقية الأخيرة في مدينة الفاشر، تصاعدت أصوات الإدانة الإقليمية والدولية ضد قوات الدعم السريع، حتى أن أعضاء في مجلس الشيوخ الأمريكي طالبوا بإدراج قوات الدعم السريع على قائمة المنظمات الإرهابية، وفي خطوة نادرة، وجهوا سهام النقد إلى الإمارات العربية المتحدة لتدخلها في الشأن السوداني.
كما أدان مندوب الولايات المتحدة لدى الأمم المتحدة قوات الدعم السريع وحلفاءها في السودان لاقترافهم جرائم الإبادة العرقية، وطالب بفرض عقوبات وتحديث قائمة العقوبات. وشجب الاتحاد الأوروبي العنف القبلي الذي تمارسه قوات الدعم السريع في السودان.
وفي غمرة تزايد الضغوط الدولية لإخماد أوار الحرب السودانية، عقد مجلس الأمن والدفاع في هذا البلد برئاسة عبد الفتاح البرهان اجتماعاً لتدارس المقترح الأمريكي لهدنة إنسانية، وفي الوقت نفسه، تتشاور الحكومة السودانية مع شركائها الإقليميين حول تفاصيل هذا المقترح، الذي يرمي إلى وقف الاشتباكات والشروع في عملية سياسية شاملة.
الوقت: من بين العوامل التي مكّنت قوات الدعم السريع من استعادة زمام الفاشر من الجيش، دعم دول أجنبية للمتمردين السودانيين، هلا أفضت إلينا بتفاصيل هذه المسألة؟
عليزاده: يُعد تدخل الدول الأجنبية وإسهامها في إذكاء نيران المعارك واستعارها، من أبرز المعضلات الراهنة في السودان. فقد أحدثت الدول الأجنبية، ولا سيما الإمارات العربية المتحدة، انقلاباً في موازين القوى لمصلحة قوات الدعم السريع من خلال جلب المرتزقة من وراء البحار، وإمدادها بأسلحة متطورة وطائرات مسيّرة، وقد صرح محمد سراج، سفير السودان لدى روسيا، بشأن احتدام المواجهات الأخيرة في دارفور، أن قوات الدعم السريع تستعين بمرتزقة أجانب (كولومبيين وأوكرانيين) لتدعيم مواقعها.
وأضاف السفير السوداني إن زهاء أربعمئة عسكري كولومبي سابق تم تجنيدهم عبر شركة إماراتية في كولومبيا، ويتم إرسالهم إلى السودان عبر الإمارات وليبيا، وقد تم ضمهم إلى كتيبة “ذئاب الصحراء” تحت راية قوات الدعم السريع، ووفقاً للحكومة الكولومبية، فقد وقع هؤلاء الأفراد فريسةً للخداع بوعود لحماية منشآت نفطية في الإمارات، لا للانخراط في أتون المعارك في السودان، كما أوفدت أوكرانيا قوات خاصة للقتال إلى جانب قوات الدعم السريع.
وأكد وزير دفاع الحكومة الفيدرالية الصومالية، أحمد معلم فقي، مؤخراً أنه يجري نقل المرتزقة إلى السودان باستمرار عبر مطار مدينة بوصاصو في بونتلاند الصومالية، ومن ثم يقلعون إلى تشاد والنيجر، ليتوجهوا بعدها إلى غرب السودان (قوات الدعم السريع).
ومن الأسباب التي أفضت إلى استمرار عدم الاستقرار في السودان، تشارك معظم ولاياته حدوداً مع دول أخرى، فأطراف السودان ترتبط بحدود خارجية، وليس المركز وحده من لا يرتبط بحدود خارجية، وبعبارة أخرى، باستثناء الجزيرة والخرطوم وشمال كردفان، فإن سائر ولايات السودان تتشارك حدوداً مع دول أخرى.
يشترك السودان في حدوده مع سبع دول (مصر في الشمال، وليبيا في الشمال الغربي، وتشاد في الغرب، وجمهورية أفريقيا الوسطى في الجنوب الغربي، وجنوب السودان في الجنوب، وإثيوبيا في الجنوب الشرقي، وإريتريا في الشرق).
تقف مصر إلى جانب الجيش في الصراع بين الجنرالين، نظراً للعلاقات الراسخة بين أجهزة المخابرات المصرية والسودانية، وبين الجيش المصري والجيش السوداني، علاوةً على ذلك، نشأ تنافس محموم بين مصر وإثيوبيا، وخاصةً بعد سقوط البشير، حيث تمدّ إثيوبيا يد العون لقوات الدعم السريع، وإذا كانت مصر تتساهل أحياناً أو تتراجع، فذلك بسبب وطأة الضغوط التي تمارسها عليها السعودية والإمارات.
لطالما نظرت مصر بعين الريبة إلى الثورة السلمية بالسودان، وآفاق قيام حكومة مدنية في هذا البلد، تميل القاهرة إلى تفضيل نظام حكم في السودان يحاكي نظامها (قيادة عسكرية بواجهة ديمقراطية).
سعت إثيوبيا، بهدف تعزيز دورها الإقليمي، إلى استثمار الأوضاع المضطربة في السودان على الدوام، لذلك، تقاربت أديس أبابا مع قوى الحرية والتغيير في ظل الأوضاع المتقلبة التي أعقبت سقوط البشير، حيث احتدم الخلاف بين المدنيين والمكونات العسكرية حول كيفية إدارة دفة البلاد.
استغل آبي أحمد منصبه كرئيس دوري لمنظمة الإيغاد آنذاك للتواصل مع الأحزاب السودانية لتقريب شقة الخلاف، وتعكس مواقف إثيوبيا من الأزمة الحالية في السودان، نهج الحكومة الإثيوبية تجاه السودان منذ الإطاحة بالبشير، وعلى الرغم من أن الحكومة الإثيوبية أبدت علناً تطلعها لانتصار قوات الدعم السريع، إلا أنها لم تتمكن من تقديم أي دعم ملموس لقوات حميدتي.
ثمة أياد ظاهرة وخفية متعددة تلعب دوراً محورياً في المشهد السوداني الداخلي، وعلى رأس اللاعبين المتدخلين والمؤثرين في مجريات الأحداث، تتربع دولة الإمارات العربية المتحدة، وبعد الفظائع التي شهدتها مدينة الفاشر، بات دعم بن زايد للجنرال حميدتي وقوات الدعم السريع جلياً لا يخفى على الشعب السوداني والعالم أجمع، ودور أبو ظبي في تمويل ودعم المرتزقة في دول مثل ليبيا واليمن، بات معروفاً للقاصي والداني، فهذه الدولة الصغيرة في منطقة الخليج الفارسي، تملك نفوذاً يفوق حجمها بأضعاف وتعتمد اعتماداً كبيراً على المرتزقة في تنفيذ مخططاتها.
وثمة تقارير موثقة عن نقل شحنات من الأسلحة والذخائر بواسطة طائرات إماراتية إلى مطار أم جرس شرقي تشاد، ويتم تهريب هذه الأسلحة والذخائر المنقولة عبر الحدود إلى أعماق دارفور، وقد خصصت تشاد مطاري “أم جرس” و"أبشي" للرحلات الجوية التي تحمل أسلحةً وذخائر عسكرية من الإمارات لميليشيات قوات الدعم السريع.
الوقت: كما ذكرت، تُعد الإمارات العربية المتحدة أحد اللاعبين المؤثرين في دفة الأحداث السودانية، هلا أفضت إلينا بمزيد من التفاصيل عن مقاصد هذه الدولة الرئيسية في السودان؟
عليزاده: يكتسب السودان أهميةً قصوى للدول الخليجية بسبب موقعه الاستراتيجي على امتداد البحر الأحمر، وتتمتع الإمارات في السودان بمصالح اقتصادية جمة وركائز للأمن الغذائي، وخاصةً مع تفاقم تحديات التغير المناخي وما يحمله في طياته من مخاطر.
تؤكد وسائل الإعلام أن أبو ظبي تتدخل في هذا البلد بدافع الاستيلاء على الذهب وسائر موارد السودان الثمينة، بيد أن الهدف الرئيسي لهذه الدولة هو مجابهة الإسلام السياسي، إذ تتوجّس أبو ظبي خيفةً من صعود الإسلاميين في السودان، وتسعى جاهدةً لاستئصال شأفتهم في هذا البلد، فعلى سبيل المثال، اضطلعت الإمارات في عام 2019 بدور محوري في تمهيد الطريق للإطاحة بعمر البشير، الرئيس السابق للسودان، وفي أعقاب سقوط البشير، سارعت أبو ظبي إلى توطيد أواصر علاقاتها مع الحكومة الانتقالية والعسكريين، وأعادت صياغة علاقاتها الخارجية بما ينسجم مع مصالح الإمارات العربية المتحدة، وفي الوقت الراهن، ينشط متمردو الدعم السريع تحت لواء مكافحة الإسلاميين وبناء دولة علمانية مدنية في السودان.
