الوقت- لم تقتصر آثار الحرب بين طالبان الأفغانية وباكستان على المجال العسكري فحسب، بل تأثرت أيضًا حياة المواطنين الأفغان، بل حتى الباكستانيين، وتشير التقارير إلى أنه مع إغلاق المعابر، توقف السفر والتجارة والترانزيت تمامًا بين البلدين، وخلال الحرب بينهما، لم يُفتح سوى معبر سبين بولداك الحدودي لفترة محدودة لطرد اللاجئين الأفغان من باكستان.
أُعلن أمس عن فتح هذا المعبر أيضًا أمام التجار ونقل البضائع التجارية، لكن لم يتضح بعد ما إذا كان حجم التجارة قد عاد إلى طبيعته، كما أن مصير المعابر الحدودية الأخرى بين البلدين، وخاصة معبر تورخام المهم والاستراتيجي، لا يزال غامضًا، وليس من الواضح متى سيُعاد فتحها.
صرح ممثل عن قطاع الصناعة الباكستاني بتوقف التجارة الحدودية بين الجارتين، وأغلقت باكستان المعابر على طول الحدود الممتدة لمسافة 2600 كيلومتر مع أفغانستان، ما ترك عشرات الشاحنات عالقة على جانبي الحدود، وصرح خانجان ألوكوزاي، عضو مجلس إدارة غرفة التجارة الأفغانية، لوكالة دويتشه فيله الالمانية بأنه تم إغلاق خمسة معابر حدودية - تورخام، وداند باتان، وغلام خان، وأنغور آدا، وسبين بولداك.
شهدت أفغانستان وباكستان إغلاقات حدودية مؤقتة في الماضي بعد توترات حدودية، لكن الحادث الأخير يُعد أكبر صدام بين الحكومة الباكستانية وإدارة طالبان منذ تولي طالبان السلطة في كابول، صرح يونس مهمند، نائب مدير غرفة التجارة الأفغانية، لدويتشه فيله قائلاً: "معابر سبين بولداك وغلام خان وتورخم مغلقة تمامًا، وجميع أنواع حركة المركبات والأشخاص محظورة، ولا يمكننا التصدير أو الاستيراد".
اعتماد أفغانستان على الطريق الباكستاني
أفغانستان بلد غير ساحلي، ولا يمكنها الوصول إلى المياه المفتوحة. في السنوات القليلة الماضية، حاولت البلاد تقليل اعتمادها على باكستان من خلال تعزيز العلاقات التجارية مع دول آسيا الوسطى وإيران، لكن باكستان لا تزال أهم طريق عبور وتجارة لأفغانستان.
صرح ضياء الحق سرحدي، نائب مدير غرفة التجارة الباكستانية الأفغانية المشتركة، لرويترز: "المركبات المحملة، إلى جانب الحاويات ومحركات الشحن، عالقة على جانبي الحدود"، وأضاف إنه بالإضافة إلى الخضراوات والفواكه الطازجة، تحمل هذه المركبات البضائع المستوردة والمصدرة وبضائع الترانزيت، وأن إغلاق الحدود يُسبب خسائر بالملايين لكلا البلدين والتجار.
كما تقطعت السبل بالمهاجرين المرحَّلين من باكستان مع جميع ممتلكاتهم بسبب إغلاق الحدود. تنقل آلاف المركبات من البلدين البضائع للاستيراد والتصدير يوميًا عبر الحدود البرية، وإذا استمر إغلاق الحدود، "سيعاني ملايين الأفغان والتجار على جانبي الحدود يوميًا".
صرح مسؤول حكومي باكستاني كبير بأنه نظرًا لإغلاق المعابر الحدودية أمام المركبات والأشخاص، فقد أُغلقت أيضًا جميع المكاتب الحكومية الباكستانية على الحدود التي تُعنى بالتجارة وغيرها من الشؤون الإدارية.
ويقول الخبراء إن مثل هذه الحوادث ستؤدي إلى انتشار الفقر في المنطقة، وستكون أفغانستان الأكثر تضررًا، نظرًا لكونها دولة غير ساحلية وتعتمد اعتمادًا كبيرًا على التجارة مع باكستان.
الأضرار التي لحقت بأفغانستان وباكستان
يعتقد الخبراء أيضًا أن الاشتباكات العسكرية بين طالبان والجيش الباكستاني ستكون لها آثار اقتصادية وخيمة على البلدين، وأن إغلاق الحدود سيرفع أسعار المواد الخام والمواد الغذائية في أفغانستان، وسيقل تصدير سلع مثل الفاكهة الطازجة والزعفران والسجاد وبعض المعادن إلى باكستان، إضافةً إلى ذلك، سيُصبح آلاف التجار والسائقين والعمال وأصحاب المتاجر في الحدود والمدن التجارية عاطلين عن العمل، كما ستنخفض عائدات طالبان الجمركية.
سيعاني التجار الباكستانيون أيضًا من إغلاق الحدود، لأن أفغانستان سوقٌ مهمٌّ للمنتجات الباكستانية الرخيصة، وقد يُفاقم غياب التجارة الرسمية التهريب وانعدام الأمن في المنطقة الحدودية.
تبدد التفاؤل
لطالما اتُسمت العلاقات الأفغانية الباكستانية بالتعقيدات الجيوسياسية والتنافسات الأيديولوجية والمصالح الإقليمية المتضاربة، مع عودة طالبان إلى السلطة عام 2021، توقع الكثيرون في باكستان أن يكون هذا التطور بدايةً لعصر جديد من الاستقرار الحدودي وتوسع التجارة وزيادة النفوذ الإقليمي، إلا أن مرور أربع سنوات أظهر أن هذه الآمال كانت مبنيةً على افتراضات متفائلة أكثر منها على أرض الواقع، عمليًا، دفع تزايد الهجمات الحدودية، وتكثيف نشاط حركة طالبان باكستان، وأزمة اللاجئين، وانتشار التوترات التجارية، علاقات البلدين إلى مرحلة غير مسبوقة من انعدام الثقة والتنافس.
أدى تفاقم انعدام الأمن وهجمات حركة طالبان - التي أسفرت عن مقتل أكثر من 685 من قوات الأمن و900 مدني في عام 2024 وحده - إلى زعزعة مناخ الاستثمار في باكستان، وتراجع رغبة المستثمرين المحليين والأجانب، وخاصة في قطاعي الطاقة والنقل، في الاستثمار، وغادرت بعض رؤوس الأموال باكستان.
تُعدّ أفغانستان أحد أهم وجهات التصدير الباكستانية في مجال الأغذية والسلع الصناعية، وقد شكّل تراجع الصادرات إليها ضغطًا إضافيًا على الميزان التجاري لإسلام آباد، وقد أدّت هذه الاضطرابات، إلى جانب ارتفاع تكاليف الاستيراد والنقل، إلى موجة تضخم شكّلت ضغطًا إضافيًا على سبل عيش الشعب الباكستاني وفاقمت السخط الاجتماعي.
كما واجهت أفغانستان، التي تحصل على حوالي 40% من عائداتها الجمركية من حدودها المشتركة مع باكستان، انخفاضًا حادًا في الإيرادات بسبب الإغلاق المتكرر للمعابر وفرض تعريفات جمركية جديدة، ولا سيما تعريفة بنسبة 10% على سلع الترانزيت، وقد أضعف هذا الوضع المالي لحكومة طالبان بشكل مباشر.
وفي مجال الاستثمار، واجهت أفغانستان، التي كانت تسعى لجذب المستثمرين الأجانب، وخاصة من الصين ودول المنطقة، عقبة جديدة؛ إذ زاد عدم الاستقرار والتوتر مع باكستان من مخاطر الاستثمار، وتوقف العديد من المشاريع المشتركة.
