الوقت- في خضمّ حالة التوتر المستمرة في قطاع غزة وما يرافقها من تعقيدات سياسية وأمنية، تتواصل المواقف المتناقضة بين حركة حماس والاحتلال الإسرائيلي بشأن مستقبل اتفاق وقف إطلاق النار، الذي دخل حيّز التنفيذ مؤخرًا بعد أسابيع من التصعيد العسكري، فقد أكّد القيادي في حركة حماس، غازي حمد، أنّ سلاح المقاومة «مشروع ووطني»، وأن الحركة ملتزمة التزامًا كاملاً باتفاق التهدئة، رغم «الانتهاكات المتكررة» من قبل الاحتلال، تصريحات حمد جاءت في ظل وضع إنساني صعب يشهده القطاع، وتزايد الدعوات الدولية إلى تثبيت وقف إطلاق النار، تمهيدًا لبدء مرحلة إعادة الإعمار.
السلاح ليس موضع تفاوض
أكد حمد في مقابلة مع قناة الميادين أن سلاح المقاومة لن يُوجَّه إلا ضد الاحتلال الإسرائيلي، وأن أي دعوات لنزع سلاح حماس مرفوضة جملة وتفصيلًا، لأن ذلك، حسب قوله، يعني مصادرة حق الشعب الفلسطيني في الدفاع عن نفسه، وأضاف إن إدارة قطاع غزة يجب أن تكون فلسطينية خالصة، مشددًا على رفض أي وصاية أو قوامة دولية على إدارة القطاع، وبيّن أن المقاومة تعمل على جبهتين متوازيتين: الحفاظ على الهوية الوطنية الفلسطينية من جهة، وضمان أن عملية إعادة الإعمار لن تكون على حساب الثوابت الوطنية من جهة أخرى.
اتهامات متبادلة بانتهاك وقف إطلاق النار
في الوقت ذاته، تتهم حركة حماس جيش الاحتلال الإسرائيلي بارتكاب عشرات الخروقات منذ بدء سريان وقف إطلاق النار، وحسب مكتب الإعلام الحكومي في غزة، تمّ تسجيل ما لا يقل عن 47 انتهاكًا للاتفاق من جانب "إسرائيل" خلال الأسبوع الأول، أسفرت عن مقتل 38 فلسطينيًا وإصابة أكثر من 140 آخرين. وقد وثّقت الحركة كذلك قصفًا مدفعيًا على مناطق تقع داخل الخط الاصفر، ما اعتبرته «استفزازًا» ومحاولة لإفشال التهدئة، ووفقًا لما نقلته صحيفة الغارديان البريطانية في تقريرها الصادر بتاريخ الـ18من أكتوبر 2025، فإنّ السلطات المحلية في غزة تؤكد استمرار الغارات الإسرائيلية بشكل متقطع رغم التفاهمات الأمنية.
موقف حماس من الدعوات الدولية
من جهة أخرى، أعلن القيادي في حماس محمد نزال في مقابلة مع وكالة رويترز بتاريخ الـ 17 من أكتوبر 2025 أن الحركة لا يمكنها القبول بأي التزام فوري بنزع السلاح، وأنها ستحتفظ بالسيطرة الأمنية على غزة خلال «الفترة الانتقالية»، مشيرًا إلى أن الهدف الحالي هو تثبيت الهدنة وبدء عملية إعادة الإعمار، وليس التحضير لجولة جديدة من الحرب، كما أضاف إن حماس تسعى لتمديد التهدئة لمدّة تتراوح بين ثلاث وخمس سنوات تتيح للقطاع التعافي من الدمار الهائل الذي لحق به.
معادلة صعبة بين الأمن والسيادة
التناقض بين موقفي الطرفين يضع مستقبل التهدئة في مهبّ الريح، فبينما یعتبر الکیان الاسرائيلي بقاء السلاح بيد حماس تهديدًا مباشرًا ، ترى حماس أن نزع السلاح يُعدّ تفريطًا بالسيادة الوطنية ورضوخًا للابتزاز السياسي، ويشير مراقبون إلى أن هذه المعادلة قد تجرّ المنطقة إلى مرحلة من الجمود، إذ لا "إسرائيل" قادرة على فرض نزع السلاح دون تكلفة عسكرية وسياسية باهظة، ولا حماس قادرة على المحافظة على الوضع الراهن دون خسائر دبلوماسية وتدهور اقتصادي متواصل.
الدمار الإنساني يهدد بانتكاسة جديدة
تشير تقارير منظمات الإغاثة إلى أن الدمار في غزة غير مسبوق، وأن آلاف العائلات ما زالت بلا مأوى، فيما تواجه المستشفيات نقصًا حادًا في الإمدادات الطبية، وقد حذّر مسؤولون أمميون من أن استمرار تعطيل دخول المساعدات سيؤدي إلى «كارثة إنسانية مضاعفة»، وخصوصًا مع اقتراب فصل الشتاء، وفي هذا السياق، قالت وكالة رويترز في تقريرها بتاريخ الـ 19 من أكتوبر 2025 إن "إسرائيل" أوقفت مؤقتًا إدخال الشاحنات الإنسانية إلى القطاع بعد ما وصفته بـ«خروقات من جانب حماس»، ما أدى إلى تفاقم الأزمة الإنسانية.
الجدل حول شرعية السلاح وحدود المقاومة
في خضمّ هذا المشهد، تتجلى معضلة العلاقة بين «السلاح» و«السيادة»، فبالنسبة إلى حماس، الاحتفاظ بالسلاح هو تأكيد للهوية الوطنية الفلسطينية ومقاومة الاحتلال، بينما يرى خصومها أن هذا السلاح يعمّق الانقسام ويحول دون بناء دولة فلسطينية.
هل يمكن تحويل المقاومة إلى مشروع وطني جامع؟
ورغم الصعوبات الميدانية والسياسية، ما زالت حماس تحاول توظيف خطابها حول «السلاح المشروع» لتعزيز شرعيتها أمام الشارع الفلسطيني والعالم العربي. فهي تؤكد أن المقاومة المسلحة حقٌّ تكفله المواثيق الدولية للشعوب الواقعة تحت الاحتلال، وتعتبر أن أي مطالبة بتجريدها من سلاحها تصب في مصلحة الاحتلال.
نحو تسوية فلسطينية تحمي السيادة والكرامة
إن المخرج من هذه الدائرة المفرغة يتطلب تفاهمات واقعية تُقدّر حق الفلسطينيين في الدفاع عن أرضهم وهويتهم الوطنية، فإعادة الإعمار لا يمكن أن تتم في ظل استمرار الحصار والتهديدات العسكرية من قبل الاحتلال، كما لا يمكن أن تنجح التهدئة إذا تم فرض قيود على قدرات المقاومة الفلسطينية المشروعة، من هنا، يرى عدد من المحللين أن الخيار الأنسب يكمن في إبقاء سلاح حماس كعنصر حماية وطني، مع تطوير آليات تنسيقه ضمن أجهزة أمنية فلسطينية تحت إدارة فلسطينية حصرية، بما يضمن أمن المواطنين وصون السيادة دون التفريط بحق المقاومة.
وبناءً على المعطيات الحالية، يمكن القول إن مستقبل التهدئة في غزة مرهون بالاعتراف بدور حركة حماس كطرف رئيسي في إدارة القطاع والحفاظ على أمنه، مع تمكينها من استخدام سلاحها المشروع كوسيلة دفاع عن المدنيين ومواجهة الانتهاكات الإسرائيلية. فإذا ما تمكنت حماس من تثبيت هذا الدور ضمن إطار سياسي وطني شامل، فقد يُفتح الباب أمام مرحلة جديدة من إعادة الإعمار والتنمية، مع حماية الهوية الوطنية الفلسطينية واستعادة الحقوق المشروعة. أما إذا تم تجاهل دورها أو محاولة تقييد مقاومتها، فإن القطاع سيظل عرضة للتصعيد المتكرر والاعتداءات على المدنيين، بينما يظل صوت الشعب الفلسطيني، الذي يدافع عن أرضه وكرامته، الأكثر إلحاحًا في المطالبة بالسلام والعدل في آن واحد.